من أهم النقاط التي يثيرها الدرس الافتتاحي الذي كانت الأستاذة آن شانغ قد ألقته سنة 2008، بعدما أسند إليها كرسيّ "التاريخ الثقافي للصين" بالكوليج دو فرانس، ذلك الدرس الذي كان تحت عنوان: "الصين، هل هي تفكر؟"، محاولتها خلخلة الصورة المترسّخة عن الصين، وكونها لا تفكّر الآن مثلما "فكّرت" في الماضي، وتفنيد الرأي الذي يذهب إلى أن الفكر الصيني هو أساسا "حكمة قديمة" ظلت بمنجى ممّا يهز الثقافة العالمية.
الغريب أن هذه الفكرة هي التي نلفيها حتى عند الدارسين الغربيين أنفسهم، بل لعلهم هم من رسخوا الرؤية الاختزالية التي ترى إلى الثقافة الصينية على أنها، من شدّة ما فكّرت قديما، لم يعد في إمكانها أن تفكّر. ما سعت الأستاذة إلى أن تبيّنه، على العكس من ذلك، هو "أنّ الصين فكّرت، وأنّها لا تزال تفكّر". فالصين: "لم تعد تقبل أن تظل سلبية، مثل صورة جامدة تسلّم نفسها للدرس، وإنّما غدت محاورا فعّالا يساهم في جدالاتنا، وذلك لسبب وحيد، وهو أنّها انكبّت، منذ ما ينيف على ثلاثين سنة (أي منذ جيل)، على تحصيل كل ما جاءت به العلوم الإنسانية الغربية، كما انكبّت منذ وقت قريب، على إعادة تملّك تراثها الفكري والثّقافي، انطلاقا مما يخزّنه ماضيها".
فلاسفة وحكماء
تبدأ الأستاذة شانغ بأن تورد اقتباسا لأحد الصينيين المهتمين بالعلوم الاجتماعية يقول فيه: "لقد سادت لمدّة طويلة أوساط الدارسين الغربيين للصين، الفكرةُ التي ترى أن قدماء المفكرين الصينيين قبل العهد الإمبراطوري وحدهم هم من يمكن أن يصدق عليهم نعت الفلاسفة (ولم تعرف هذه الذهنية التغيّر إلا أخيرا). لقد كان هؤلاء المفكرون يُعَدّون بمثابة حكماء الصين القديمة. في مقابل انجذاب الدارسين الغربيين نحو الفكر الصيني القديم، نجد إعجاب الصينيين المحدثين بالفلسفة الغربية الحديثة. لقد كان التصور الضمني للحركة التاريخية هو هو، إلا أن الصين كانت مأخوذة بغرب "ما بعد عصر الأنوار"، بينما يحلم الغرب بالصين القديمة، التي لم تقتحم بعدُ العصورَ الوُسطَوية، أي الصين المفصولة عن تطوّرها الحديث".