إدارة دولية مؤقتة لقطاع غزة بعد وقف إطلاق النار

التهديد الاستثنائي للأمن الإقليمي يحتم على جميع الأطراف بذل جهود استثنائية

أكسل رانغل غارسيا
أكسل رانغل غارسيا

إدارة دولية مؤقتة لقطاع غزة بعد وقف إطلاق النار

أدى إقرار الرئيس الأميركي جو بايدن يوم 31 مايو/أيار لخطة وقف إطلاق النار الإسرائيلية الجديدة إلى تغيير في ديناميكية الحرب في غزة برمتها. ومنذ ذلك الحين ركزت معظم التعليقات على رد "حماس"، الذي أعلنته مؤخرا، وتفاصيل الاقتراح، بدلا من التحول الملحوظ في الاستراتيجية الإسرائيلية فيما يتعلق بغزة. ويتضمن هذا الاقتراح انسحابا إسرائيليا كاملا ووقفا دائما للأعمال العدائية، مما يعطي أهمية أكبر لوضع الخطط الشاملة لمرحلة ما بعد الصراع، وهو ما لم يتم تفصيله بعد في إسرائيل أو تطويره بالكامل في العاصمة الأميركية واشنطن.

لعدة أشهر، يعمل كاتب هذه السطور، بالتعاون مع زملائه من مؤسسات الفكر والرأي ووسائل الإعلام، على وضع خطة للوجود الدولي في غزة بعد القتال، لضمان التأكيد على تقديم المساعدة لغزة كي تتمكن من الوقوف على قدميها مرة أخرى قبل أن تقوم السلطات المحلية بموجب بعض الترتيبات بتشكيل حكومة جديدة ونظام أمني واعد يحقق السلام لكل من سكان غزة والإسرائيليين في آن معا. هذه الخطة، التي جرت مناقشتها في شهر مايو في "منتدى مركز ويلسون" والمتاحة على موقعه، وضعت للنقاش مع مسؤولين حكوميين إسرائيليين وأميركيين وعدة جهات عربية. ولكن قبل استعراض العناصر البارزة للخطة، فلنلقِ نظرة على ما هو جديد في اقتراح وقف إطلاق النار الإسرائيلي وكيف يمكن لخطة الحكم هذه أن تتناسب معه.

حتى الآن، لم تعلن إسرائيل تفاصيل رؤيتها لوقف إطلاق النار، وبالتالي فإن فهمنا لإطارها الهيكلي (الذي يقال إنه أربع صفحات ونصف الصفحة) يعتمد بشكل أساسي على تصريحات الرئيس بايدن وردود الفعل الإسرائيلية المختلفة والمتضاربة أحيانا. ولكن يبدو جليا أن إسرائيل قبلت أولا الانسحاب الكامل لقوات الدفاع الإسرائيلية من غزة، في حال نجحت المفاوضات، وذلك في نهاية المرحلة الثانية من الاقتراح.

تركز الخطة في البداية على تشكيل سلطة متعددة الجنسيات لإدارة غزة، والتي ستقدم تقاريرها إلى مجموعة اتصال دولية

ثانيا، تبدو إسرائيل مستعدة للموافقة على خطة إعادة إعمار شاملة لقطاع غزة في المرحلة الثالثة التي تأتي لاحقا. وهذا تطور كبير لأنه، حتى في الوقت الحاضر، كما اعترف الرئيس بايدن، لا يزال البعض في إسرائيل يأملون في احتلال إسرائيلي شبه دائم للقطاع. وفوق ذلك، فإن أي خطة إعادة إعمار كبرى يجب أن تحظى بدعم إسرائيلي، مع الأخذ في الاعتبار مخاوفها الأمنية، وسيطرتها على كثير من المعابر الرئيسة، وتوفيرها للخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات. وفي الواقع، ذكر السيناتور ليندسي غراهام في البرنامج التلفزيوني "واجه الأمة" في 9 يونيو/حزيران، مباشرة بعد لقائه مع رئيس الوزراء نتنياهو، أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة إعمار غزة والحكم فيها بما يتوافق مع اقتراح وقف إطلاق النار. وهذا يتفق مع معلومات أخرى يعرفها كاتب المقال.
وتتوافق الخطة التي قمنا بتطويرها بشكل وثيق مع تفكير الإدارة كما عرضها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في 11 يونيو، الذي اقترح إنشاء "مؤسسة أمنية ومشروع حكومة مؤقتين" تلعب فيهما الدول العربية دورا في "استقرار وإعادة إعمار غزة".

سلطة متعددة الجنسية

تركز خطتنا في البداية على تشكيل سلطة متعددة الجنسيات لإدارة غزة، والتي ستقدم تقاريرها إلى مجموعة اتصال دولية (هي هيئة دولية غير رسمية وغير دائمة يجري إنشاؤها لأغراض خاصة، بهدف تنسيق الجهود الفاعلة الدولية في هدفها المتمثل في إدارة أزمة سلام وأمن دولة أو منطقة معينة). وسوف يُؤسَس هذان الكيانان بموجب ميثاق دولي أعدته مجتمعة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وحكومات عربية رئيسة أخرى وحكومات مجموعة الدول الاقتصادية السبع.
وسيتضمن هذا الميثاق آلية للتشاور مع السلطة الفلسطينية، وإذا أمكن، سوف يحصل على "المباركة" بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمتابعة قرار 10 مايو حول وقف إطلاق النار. ومن الممكن وضع أسس قانونية أخرى في مفاوضات وقف إطلاق النار للمرحلة الثانية في الاقتراح الإسرائيلي.

أحد الدروس المهمة المستفادة من تجربة البوسنة هو ضرورة أن تحظى هيئة الحكم المؤقتة بسلطة رسمية

سيقود السلطة متعددة الجنسيات ممثل رفيع المستوى وستمولها حكومات مجموعة الاتصال الدولي، بالإضافة إلى تبرعات من حكومات أخرى، وسوف يكون لديها فريق خاص لكل من الشؤون المالية، والأمن، والنقل، والتنسيق مع الوزارات واستطلاعات الرأي، والشؤون العامة، مع دعم لوجستي من إسرائيل ومصر ودول أخرى. وسوف تمتلك سلطات مركزية في أدائها بدءا بعملية إدارة الحكم واسعة النطاق والرقابة الأمنية.
وستقوم الولايات المتحدة والحكومات الأعضاء في مجموعات الاتصال الدولية المعنية بالأزمة في غزة بتنظيم قوة شرطة متعددة الجنسيات تحت إشراف السلطة متعددة الجنسيات للقيام "بدوريات إثبات الوجود" إلى أن يجري تدقيق وتدريب عناصر الشرطة المدنية وقوات الدرك (وهي قوة عسكرية بتسليح منخفض ذات واجبات إنفاذ القانون بين السكان المدنيين) في مرحلة ما بعد "حماس" لتولي مسؤوليات الشرطة. وستضم هذه القوات عددا صغيرا من المسؤولين المدنيين والعسكريين الأميركيين. ومرة أخرى، يجب وضع ترتيبات أمنية محددة في المفاوضات الخاصة بالمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.
وسوف تمتلك هذه السلطة أيضا القدرة على تعبئة وتنسيق وتوحيد أنشطة الوكالات والمنظمات الدولية والحكومية وغير الحكومية المشاركة في تقديم المساعدات الإنسانية وتحقيق الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار وكافة أشكال المساعدة الأخرى لغزة.

سيطرة مركزية

إن السيطرة المركزية ضرورية لتحقيق الأمن ولضمان ربط إعادة الإعمار وغيره من أشكال الدعم الدولي مع الالتزام بأحكام وقف إطلاق النار. وأحد الدروس المهمة المستفادة من تجربة البوسنة هو ضرورة أن تحظى هيئة الحكم المؤقتة بسلطة رسمية (على النحو المنصوص عليه في اتفاقات دايتون) للاستفادة من توفير إعادة الإعمار وغيرها من الخدمات في حال قام السكان أو السلطات المحلية بعرقلة الأمن أو الوقوف بوجه اجتثاث التطرف واحتياجات تحقيق الاستقرار في الأجل الطويل.

لا يمكن لأي منظمة دولية لحفظ النظام أن توفر الأمن فعليا دون دعم الولايات المتحدة أو على الأقل بعض الوجود الأميركي على الأرض

وأخيرا، تضم الخطة أجندات عمل مفصلة لكل من هذه الأجندات وغيرها من الأجندات المختلفة المذكورة أعلاه. وقد نُظمت وفق أسس معيارية، فالحكومات المشاركة في التخطيط لغزة لديها حرية انتقاء العناصر واختيارها.
وقـــد يتبـادر إلى الذهـن عــدد من القضايا حـول هذه الخــطة (أو أي خطة أخرى لغزة تقريبا). الأولى متعلقة بوجود طواقم عمل أميركية، وخاصة العسكريين، مع الأخذ في الاعتبار التزام إدارة بايدن بـ"عدم وجود قوات أميركية على الأرض". لكن، يجب أحيانا كسر الالتزامات الرئاسية. فالولايات المتحدة لديها بالفعل قوات مشتركة في الرصيف العائم بالقرب من غزة. كما أن واشنطن لديها قوات منتشرة في حوالي 25 دولة، وقد تعرَّضت بعض هذه القوات على الشواطئ أو المبـحـرة في الماء لإطــلاق النار مؤخرا. والحـقيقة التي أثبتــتـها صــراعات كثيرة هي أنه لا يمكن لأي منظمة دولية لحفظ النظام أن توفر الأمن فعليا دون دعم الولايات المتحدة أو على الأقل بعض الوجود الأميركي على الأرض.

السلطة و"حماس"

القضية الثانية تتعلق بدور السلطة الفلسطينية. فالخطة تحدد المجالات التي ستشارك فيها السلطة، بما يتجاوز التنسيق المشار إليه أعلاه بينها وبين اللجنة الدولية، بما في ذلك دفع الرواتب، وخدمات التمويل، ووثائق السفر. وأبعد من ذلك، وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية في الحكم بعد انسحاب السلطة متعددة الجنسيات، هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات بين جميع الأطراف.

من المفترض أن التسوية السياسية ستشمل مصير "حماس" أو الالتزامات المترتبة عليها

القضية الثالثة هي مستقبل "حماس". لا تناقش الخطة نفسها دور فلول "حماس" المتبقين في غزة. ولكن يمكن القول إنه لا هذه الخطة ولا أي خطة أخرى للحكم والأمن وإعادة الإعمار في غزة سوف يُكتب لها النجاح إذا ظلت "حماس" بأجندتها المناهضة لإسرائيل مسيطرة بشكل فعال. وقد شدد رئيس الوزراء نتنياهو، في رده على مناقشة الرئيس للاقتراح الإسرائيلي، على أنه يجب هزيمة "حماس" حتى بموجب هذا الاقتراح. وفي الواقع أكد الرئيس أيضا على أن "غزة سوف تشهد يوما أفضل دون وجود (حماس) في السلطة". ومن المفترض أن التسوية السياسية- ضمن وقف إطلاق النار الذي أشار إليه الرئيس- ستشمل مصير "حماس" أو الالتزامات المترتبة عليها، وكل ذلك سوف يجري العمل عليه في مفاوضات المرحلة الثانية من الاقتراح الإسرائيلي.
وفي حين أن القضايا المذكورة أعلاه في هذه المرحلة هي الأكثر خطورة ضمن الحل المؤقت لـ"اليوم التالي"، فإن التهديد الاستثنائي للأمن الإقليمي الذي تمثله حرب غزة يحتم على جميع الأطراف بذل جهود استثنائية والاضطلاع بمخاطر كبيرة من أجل السعي للوصول إلى مستقبل أفضل ليس لمواطني غزة والإسرائيليين وحسب ولكن لجميع شعوب المنطقة.

font change

مقالات ذات صلة