خواء أجندة ترمب الاقتصادية... وحساباتها خرافية

إلغاء الضرائب على الدخل يتسبب بفجوة تقدر بتريليونات الدولارات في الموازنة الفيديرالية

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في مهرجان انتخابي، فيرجينيا، 2 مارس 2024

خواء أجندة ترمب الاقتصادية... وحساباتها خرافية

تكشف فكرة دونالد ترمب المعلنة عن استبدال ضريبة الدخل بتعريفات جمركية ضخمة على الواردات خواء شعبويته.

يحذر الاقتصاديون من أن فكرة ترمب المعلنة عن إلغاء ضريبة الدخل واستبدالها بتعريفات جمركية ضخمة على الواردات، ستشل الاقتصاد وتؤدي إلى ارتفاع كبير في تكلفة المعيشة، وتشعل حربا تجارية على الأرجح. وكون الحسابات من المستبعد أن تصيب، فستحدث أيضا زيادة هائلة في الدين الوطني.

بعبارة أخرى، تنم فكرة ترمب الأخيرة عن أمية اقتصادية ومالية على حد سواء. وقد كتب خبير الموازنات المحافظ بريان ريدل على منصة "إكس": "لو أن شابا في العشرين من عمره يجري مقابلة ليعمل متدربا في مجلس النواب اقترح استبدال ضريبة الدخل بتعريفات جمركية مرتفعة، لاستهزأوا به".

استبدال ضريبة الدخل بتعريفات جمركية يمنح الأثرياء خفوضات ضريبية هائلة، وذلك على حساب الأميركيين المنتمين إلى الطبقتين المتوسطة والدنيا

ربما تكون سياسة مخطط ترمب الأخير أسوأ من ذلك، لأن تلك الخطة تكشف عن نفاق شعبويته الزائفة. والمدهش في هذه الفكرة هو مقدار رجعيتها وخلوها من المغريات الشعبوية. فاستبدال ضريبة الدخل بتعريفات جمركية يمنح الأثرياء خفوضات ضريبية هائلة - على حساب الأميركيين المنتمين إلى الطبقتين المتوسطة والدنيا.

إقرأ أيضا: ماذا تعني سياسات بايدن للاقتصاد الأميركي في حال فوزه؟

ويقدّر برندان ديوك وريان مولهولند من "مركز التقدم الأميركي" ذي الميول اليسارية أن اقتراح ترمب سيرفع الضرائب على الـ 20 في المئة من الأسر المتوسطة بمقدار 8300 دولار إذا اضطر المستهلكون الأميركيون في النهاية إلى تحمل العبء الكامل للتعريفات الجمركية على الواردات.

رويترز
الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، خلال حملة انتخابية في فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، الولايات المتحدة الأميركية 22 يونيو 2024

سيتضرر الأميركيون العاملون أولا من التعريفات الجمركية المرتفعة، ثم من الآثار الاقتصادية الحتمية، إذ ستتعرض الشركات التي تعتمد على الواردات للدمار. وسيشهد أولئك العاملون أنفسهم أيضا التداعيات اللاحقة لانتقام شركاء أميركا التجاريين السابقين الذي لا مفر منه، مما قد يؤدي إلى حرب تجارية عالمية على الأرجح.

رفع الضرائب على الأسرة

بل إن نسخة أجندة ترمب الاقتصادية الأكثر تواضعا – أي فرض ضريبة بنسبة 10 في المئة على كل الواردات وضريبة بنسبة 60 في المئة على كل الواردات من الصين، من دون محاولة استبدال ضريبة الدخل بأكملها - يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع سنوي في الضريبة بمقدار 2500 دولار للأسرة النموذجية.

القول بأن التعريفات الجمركية ضريبة على المستهلكين الأميركيين كذبة يروجها من يستعينون بمصادر خارجية والحزب الشيوعي الصيني، وذلك هراء اقتصادي

آنا كيلي، المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري

ويقدّر ديوك ومولهولند أن هذه الخطة ستفرض ضريبة بقيمة 260 دولارا على مشتريات الأسرة النموذجية من الإلكترونيات، وضريبة بقيمة 160 دولارا على مشترياتها من الملابس، وضريبة بقيمة 120 دولارا على مشترياتها من الأدوية. وسترتفع الضرائب التي تدفعها أسر الطبقة الوسطى على الغاز والنفط، بالإضافة إلى الألعاب والطعام.

حسابات خرافية

ويرجع ذلك، كما يقول أي خبير اقتصادي، إلى إن المستهلكين، وليس الشركات المستوردة للسلع، يدفعون جزءا كبيرا من زيادة التعريفات الجمركية في نهاية المطاف. وكان الجمهوريون يدركون هذا المفهوم، لكنهم يبدون الآن رغبة شديدة في إنكاره. فقد أصرّت آنا كيلي، المتحدثة باسم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، مؤخرا على أن "القول بأن التعريفات الجمركية ضريبة على المستهلكين الأميركيين كذبة يروجها من يستعينون بمصادر خارجية والحزب الشيوعي الصيني". وذلك هراء اقتصادي.

Shutterstock
حاويتين تحملان علما الولايات المتحدة والصين

لكن الأمر كذلك بالنسبة الى مخطط ترمب الغريب بأكمله، الذي يعتمد على حسابات خرافية. فإلغاء الضرائب على الدخل يخلق فجوة تقدر بعدة تريليونات دولار في الموازنة الفيديرالية.

وتشير كاترين رامبل من صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن "القيمة الإجمالية لكل السلع التي نستوردها سنويا تبلغ نحو 3 تريليونات دولار. وهذا الرقم لا يمثل التعريفات الجمركية، بل السلع نفسها". ولتعويض إيرادات ضريبة الدخل المفقودة، يتعين على ترمب فرض ضريبة بنسبة 100 في المئة على قيمة كل ما نستورده. بعبارة أخرى، ستزيد تكلفة كل ما نستورده من الخارج على الضعف.

إن عدم تماسك السياسة الاقتصادية للرئيس السابق ترمب قد يكون مدمرا للناخبين الذين يدعي أنه يدافع عنهم

في العالم الحقيقي، تؤدي هذه الضريبة الجديدة الهائلة إلى كبح الطلب على الواردات، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الإيرادات المتأتية من تعريفات ترمب الجمركية. وسينتج من ذلك عجز هائل بسبب تراجع الإيرادات، وارتفاع الضرائب على الواردات المتبقية، والانخفاض الشديد في الإنفاق، بما في ذلك برامج الإعانة، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، التي وعد ترمب بحمايتها (وإن بشيء من التناقض).

إقرأ أيضا: قادة "ديمقراطيون" بعد المناظرة... آن أوان خروج بايدن

ثم هناك شبح قانون "سموت-هاولي". فقد اعتبر المؤرخون والاقتصاديون قانون سموت-هاولي للتعريفات الجمركية لعام 1930 - الذي رفع التعريفات الجمركية على الواردات بشكل كبير – خطأ كارثيا في الحسابات أدى إلى تعميق الكساد العظيم. وما ضريبة التعريفات الجمركية التي طرحها ترمب إلا ضريبة أشد حدة من قانون "سموت-هاولي".

يمكن أن يفسر كل تلك الشكوك التي أبداها الرؤساء التنفيذيون بخلاف ذلك، الذين تحدثوا بشكل ودي إلى ترمب في اجتماع مائدة مستديرة للشركات عُقد أخيرا. وقد نقل عن أحد الرؤساء التنفيذيين قوله: "إن ترمب لا يعرف عما يتحدث"، وأضاف أن ترمب لم يوضح كيف يعتزم تنفيذ سياساته. كما فوجئ بعض المديرين التنفيذيين على ما يبدو بإدراكهم أن أفكار الرئيس السابق الاقتصادية ما هي إلا هراء.

للمزيد إقرأ: مناظرة بايدن وترمب... سؤال وجواب

ربما عليهم أن يبدأوا بإيلاء مزيد من الاهتمام، وكذا يجب أن تفعل قاعدة ترمب. ومع إصرار ترمب على أنه المدافع عن الناس العاديين المنسيين، فإن عدم تماسك السياسة الاقتصادية للرئيس السابق قد يكون مدمرا للناخبين الذين يدعي أنه يدافع عنهم.

font change

مقالات ذات صلة