أججت الهجمات الإرهابية الأخيرة في داغستان مخاوف انزلاق جمهوريات شمال القوقاز الروسي إلى دائرة العنف من جديد. ورغم تقليل المسؤولين الروس من إمكانية عودة النشاط الإرهابي إلى ما كان عليه في بداية الألفية الحالية لأن "روسيا مختلفة الآن"، فقد بدا أن الجماعات الإرهابية أعادت ترتيب صفوفها في "خاصرة روسيا الضعيفة" في شمال القوقاز، مستغلة انشغال موسكو وأجهزة الاستخبارات والأمن في الحرب ضد أوكرانيا والتحالف الغربي، إضافة إلى بيئة تتجمع فيها وصفة قابلة للاشتعال تجمع بين الفقر والبطالة والفساد والجهل بالتعاليم الدينية والمظالم التاريخية.
ويزيد إنكار صف واسع من المسؤولين الروس للوقائع الجديدة على الأرض، وتحميل الاستخبارات الأوكرانية والغربية مسؤولية أي عمل إرهابي، من خطر انتقال الإرهاب إلى المدن الروسية الأخرى، وتقويض أسس الأمن والاستقرار في نظام بوتين الذي بدأ بإرساء دعائمه منذ نحو ربع قرن بإطلاق حرب الشيشان الثانية ( 1999-2009).
وشكل هجوم داغستان فشلا استخباراتيا ذريعا للأجهزة الأمنية الروسية بعد هجوم "كروكوس سيتي هول" شمال غربي العاصمة موسكو، والذي أودى بحياة أكثر من 145 شخصا. وتكشف تفاصيل هجمات الأحد 23 يونيو/حزيران الجاري المتزامنة في العاصمة الداغستانية محج قلعة، ومدينة ديربنت جنوبي الجمهورية القوقازية، أن الهجمات كانت منسقة وتم الإعداد لها جيدا. وربما تمثل الهجمات الإرهابية الدموية الأخيرة بداية لمرحلة خطيرة ومؤشرا إلى أن "تنظيم الدولة الاسلامية" قرر فتح "جبهة الجهاد القوقازية"، والإعلان المدوي عن تشكيل "ولاية القوقاز" بهدف ضرب المدن الروسية.
وبدأ الحديث في الموارد الإعلامية التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي عن إنشاء "ولاية القوقاز" نهاية مارس/آذار الماضي، بعد وقت قصير من الهجوم الإرهابي في موسكو، الذي أعلنت "ولاية خراسان" الفرع الأفغاني لتنظيم "داعش" مسؤوليتها عنه. وكما درجت العادة، استغل الإرهابيون الهجوم الأكبر على موسكو منذ ربيع 2010، لتجنيد مزيد من الشباب لصالح التنظيمات المتطرفة في روسيا.
ولم يلفت الإعلان عن تنظيم "ولاية القوقاز" الأنظار، بسبب عدم الكشف عن زعيم الولاية وبالتالي مدى خطورة تجاربه الإرهابية وقدرته على جمع المتطرفين، وسادت شكوك حول كيفية تأمين التمويل اللازم لعمل الولاية. وفي المقابل، وفي حال صدق الروايات حول مسؤولية "ولاية القوقاز" في الهجوم الإرهابي فهذا يعني أن التنظيم استطاع ترتيب صفوفه سريعا وبات عنصرا مزعزعا للاستقرار في القوقاز من دون استثناء شن هجمات على المدن الروسية.