حيفا- ترافق تطور الشأن الفلسطيني وفهمه تاريخيا مع كثير من محاولات الفهم للماضي وتفحص الوضع الراهن وتصور المستقبل. وكان دائما موضوعا للخلاف وللجدال. فتكاد لا تخلو أي مرحلة أو حدث مؤثر في التاريخ الفلسطيني إلا وهنالك خلاف حولها. ودائما ما تنسج التصورات بناء على انتماءات أيديولوجية أو سياسية أو رغائبية قد تكون بعيدة عن الواقع. وهذا صحيح في الماضي وحاليا، في سياق الحرب على غزة.
إذا تركنا الماضي جانبا وركزنا في الحدث الحالي، من حيث الحرب المندلعة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ونتائج الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة وأهلها، بما في ذلك دلالات جدية على ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية كما وثقتها جنوب أفريقيا في دعواها المقدمة أواخر العام الماضي إلى محكمة العدل الدولية، والتي تعززت في أعقاب قرار المحكمة نهاية يناير/كانون الثاني الأخير (2024)، فإن أوهاما فلسطينية– وقد يكون هناك شركاء عرب ودوليون للفلسطينيين في ذلك- قد تفشت بحيث أصبحت تطلق وكأنها حقائق لا خلاف عليها.
ما لفت انتباهي في الأشهر الأخيرة هو تفشي الرؤية التي تقول إن إسرائيل في طريقها للزوال، وأعني في حيثيات الحرب الممتدة على غزة، وأن الطريق لتحرير فلسطين من "النهر إلى البحر" قاب قوسين أو أدنى، مدللين بذلك على وصف حالة "الصمود الفلسطيني" في غزة وعموم فلسطين من جهة، وتعمق حرب الاستنزاف بين "حزب الله" وإسرائيل من جهة ثانية، وربما تعمق حالة الاحتجاج الدولية على الحرب وازدياد ملحوظ في الدعوات لمقاطعة إسرائيل، وقرارات المحكمة الدولية والمدعي العام الدولي بشأن الحرب عموما والتفكير في تقديم قيادات إسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، للمحكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد البشرية في غزة، من الجهة الثالثة، بالإضافة إلى "دلائل" أخرى تشير إلى أننا أمام "نهاية إسرائيل" ومشروعها الاستعماري في المنطقة العربية.
منذ أربعين عاما ونيف، وأنا أسمع تقديرات سياسية وعلمية وموضوعية عن انهيار إسرائيل وعن "نهاية المشروع الصهيوني"، وبالطبع فإن ذلك لم يحدث. وعموما تكهنت هذه التقديرات بانهيار إسرائيل من الداخل، ووصول تناقضاتها الداخلية إلى حالة التفجر والاندثار، والذي يستند إلى ادعاء كونها مجتمعا كولونياليا ومهاجرا و"غير طبيعي" يحمل في داخله عوامل فشله واندثاره.