المرشد الملك في إيران

لا شيء أساسيا سيتغير في سياسات إيران

المرشد الملك في إيران

إذن ستشهد إيران جولة ثانية من انتخابات الرئاسة بعد فشل أي مرشح في الحصول على 50 في المئة من الأصوات المطلوبة للحصول على لقب "رئيس"، ووفقا لإعلان وزارة الداخلية الإيرانية فقد تأهل كل من المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ المتشدد سعيد جليلي، على أن تُجرى الدورة الثانية من الانتخابات في الخامس من يوليو/تموز المقبل.

وحسب إحصاء لوزارة الداخلية الإيرانية، فإن نسبة المشاركين في الانتخابات بلغت نحو 40 في المئة، وهو أدنى مستوى مسجل منذ ثورة 1979.

وأيا كان الفائز في الجولة الثانية للانتخابات، فلا شيء أساسيا سيتغير في سياسات إيران، لا تلك المتعلقة بمفاوضاتها مع الغرب ولا علاقتها بدول المنطقة ولا بدعمها للميليشيات، ولا حتى في الداخل الإيراني، فلو ظهر القليل من شعر مهسا أميني في ظل رئيس إصلاحي أو متشدد ما كان ليتغير الكثير، إن تغير.

تشبه الانتخابات الإيرانية ونتائجها مشاهدة فيلم سينمائي، النص والسيناريو نفسهما، المخرج نفسه أيضا، لكن يتغير البطل، كل ما على الناقد تقييمه هو أداء الممثل الجديد الذي يقوم بدور البطولة في نسخ مكررة من الفيلم نفسه.

تشبه الانتخابات الإيرانية ونتائجها مشاهدة فيلم سينمائي

يتأمل البعض أن وصول إصلاحي لرئاسة إيران قد يخفف من عداء إيران لدول المنطقة ونشر الفوضى فيها ودعم الميليشيات المسلحة الخارجة على القانون، ولا يحتاج الأمر إلى الكثير لإثبات عدم صحة هذه النظرة المتفائلة، فالتدخل العسكري في سوريا دعما لنظام بشار الأسد في حربه على السوريين كان على أشده أيام الرئيس الإصلاحي حسن روحاني. وكذلك الأمر في اليمن، فانقلاب الحوثيين على الشرعية وحربهم على اليمنيين أيضا حدثا في زمن الإصلاحي روحاني، وهذا لا يعني أنه لو كان هناك رئيس متشدد في تلك الحقبات ما كانت إيران لتتدخل، بل المقصود أن سياسة طهران الخارجية ودور "الحرس الثوري" في تنفيذ هذه السياسات لا يتغيران مع تغير الرئيس الإيراني بل هي ثابتة وتصدر عن المرشد الأعلى، وحسب المادة 110 من الدستور الإيراني، فإن من ضمن صلاحيات المرشد الكثيرة رسم السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية بالتشاور مع "مجلس تشخيص مصلحة النظام".

مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي مر مرور الكرام على الجمهورية الإسلامية، مع كل ما أحاط بمقتله من تكهنات وعلامات استفهام، هل سقطت طائرته بفعل العوامل الجوية أم تم إسقاطها لأسباب تتعلق بسير العملية السياسية في إيران وخلافة خامنئي؟ الأمر طوي مع انتهاء فترة الحداد، وكما أعلن علي خامنئي بُعيد وفاة رئيسي: "على الرغم من فقدان رئيس الجمهورية السيد رئيسي، لكنّ حركة البلاد لن تتغير أبدا، ولن تُصاب إدارة شؤون البلاد بأي خلل".

والأمر ليس لأن إيران هي دولة القانون والمؤسسات، بل لأن إيران هي دولة "المرشد"، وحتى "مجلس تشخيص مصلحة النظام" يدور حول المرشد.

قبل يومين، أصدر العشرات من الناشطين السياسيين والإعلاميين الموالين للتيار الإصلاحي في إيران بيانا ينتقدون فيه قرار الاتحاد الأوروبي بوضع "الحرس الثوري" على قائمة المنظمات الإرهابية، معتبرين أن الأمر هذا "يمثل تهديدا وتدخلا واضحا وغير مقبول".

مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي مر مرور الكرام على "الجمهورية الإسلامية"

رسالة أخرى شديدة الوضوح: إصلاحي أو متشدد، الجميع خلف المرشد والجميع داعم لدور "الحرس الثوري" وما يقوم به في المنطقة كما في إيران نفسها، فالخلاف بين الإصلاحي والمتشدد هو خلاف تنفيذي كون رئاسة "الجمهورية الإسلامية" هي رئاسة السلطة التنفيذية، أي إن الرئيس يقوم بدور رئيس الوزراء، يوقع على المعاهدات (بعد موافقة مجلس شورى النواب) ويتولى أمور الموازنة والتخطيط وإدارة البلاد.

أثناء حملته الانتخابية، استغل المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان أغنية "من أجل.." التي استخدمت كرمز للثورة عقب مقتل مهسا أميني، لم ينطل الأمر على الإيرانيين، بل ذكّرهم بموقفه، هو الذي وصف الاحتجاجات بأنها "اضطرابات" وندد بالشعارات التي أطلقت ضد المرشد الأعلى آنذاك، متهما مطلقيها بأنهم يتلقون التعليمات من الخارج.

في إيران، ثمة ملك يضع على رأسه عمامة بدل التاج، الأمر له، والرهان على فائز وخاسر في الانتخابات الرئاسية مضيعة للوقت، من يمكن الرهان عليهم هم الـ60 في المئة الذين قاطعوا تسمية واجهة لسياسات المرشد الملك.

font change