تقبع في السجون التونسية شخصيات سياسية وأمنية وقضائية كبرى كانت تقود الحكم خلال السنوات القليلة الماضية، قبل أن تصبح محل تتبع بتهم إرهابية خطيرة في قضية "التسفير إلى بؤر التوتر" وهي واحدة من أثقل القضايا التي فُتحت بعد خروج حركة "النهضة" من السلطة.
وتتضمن ملفاتها أكثر من 100 متهم وآلاف السماعات والشهادات والتسجيلات التي تعود إلى فترة تحولت فيها تونس إلى منصة لتصدير "الإرهابيين" وأيضا "الإرهابيات" من "جهاد النكاح" إلى لعب أدوار متقدمة في تنظيم "داعش" الإرهابي، ويبحثن اليوم عن "فرصة ثانية" لإعادة الاندماج في المجتمع، أو للعودة إلى الوطن بالنسبة إلى العالقات في الخارج. كما قد تكون الفرصة الثانية دموية لمجاهدات التنظيم المصنفات كخطر عابر للحدود والقارات.
تترقب عائلات تونسية كثيرة مآلات هذه القضية لارتباطها بملفات تتعلق بوضعيات "الداعشيات" العائدات أو العالقات في بؤر التوتر (العراق وليبيا وسوريا) وأطفالهن، وأيضا أرامل "المقاتلين" وأبنائهم. ويعول كثير منهم، حسب شهادات لـ"المجلة" على سردية قضائية تمنح صفة الضحايا لمن وقع "التغرير بهن واستغلالهن"، بما قد يفتح المجال للتأهيل المجتمعي لمواجهة الوصم بالإرهاب و"عار جهاد النكاح".
ولا تتوفر إحصائيات رسمية دقيقة عن عدد "المجاهدات" التونسيات في بؤر التوتر والصراع أو العائدات منها. وتؤكد السلطات التونسية على أن التعاطي معهن يتم "حالة بحالة" استنادا إلى التحقيقات والمعلومات الاستخباراتية والتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب. وإجمالا يكون مصير العائدات إما السجون وإما الرقابة الإدارية (لا تختلف كثيرا عن الإقامة الجبرية) حتى بالنسبة لمن أتممن عقوبة السجن.
مهما يكن من أمر، فإن "المجاهدات" التونسيات، هن كنز معلومات من منظور أمني وقضائي. وهن قصص دم ودمار وضياع وتشتت محفورة في ذاكرة مئات العائلات التونسية من منظور إنساني. فمنذ أشهر قليلة، مرت على السجاد الأحمر في أكبر مهرجانات السينما العالمية- في "كان" الفرنسية، وهوليوود الأميركية- السيدة "ألفة" المعروفة إعلاميا بوالدة "رحمة وغفران".
تحولت قصة "ألفة" إلى فيلم يحمل اسم "بنات ألفة" الذي يعتبر أول فيلم وثائقي يروي شجاعة استثنائية لأم تونسية، في كشف مخططات ابنتيها لتنفيذ عمليات إرهابية نوعية في تونس، بعد مبايعتهما تنظيم "داعش" وسفرهما إلى ليبيا. "ألفة" المحجبة والعاملة البسيطة، بادرت رغم التهديدات، بتسليم ابنتيها إلى الأمن وبفضح "تواطؤ" الأجهزة الأمنية والقضائية عندما قامت بالإفراج عنهما لتمكينهما من الالتحاق مجددا بهذا التنظيم. وقدمت "ألفة" معلومات دقيقة عن شبكات التسفير والتمويل والدعاية الإلكترونية والاستقطاب في المساجد وفي المخيمات الدعوية... وقد مثل صوت "ألفة" العالي آنذاك دفعا معنويا هاما للعائلات لكسر حاجز الخوف والخروج من حالة الإنكار.