في يوم الجمعة، الموافق 28 يونيو/حزيران، يتوجه الإيرانيون داخل البلاد وفي مختلف أرجاء العالم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد. في الحقيقة، وبينما تُكتب أسطر هذه الكلمات، فإن عملية التصويت قد بدأت بالفعل مع افتتاح مراكز الاقتراع في نيوزيلندا للمواطنين الإيرانيين المقيمين هناك.
جاءت هذه الانتخابات الاستثنائية في أعقاب حدث صادم وقع الشهر الماضي، حيث توفي الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية. لكن ما تلى الحادث كان أكثر إثارة للدهشة. فخلافا لتوقعات الكثيرين، ليست الانتخابات الرئاسية لعام 2024 مجرد تتويج غير تنافسي كما كان الحال عند فوز إبراهيم رئيسي عام 2021. ومع ذلك، لا تقترب هذه الانتخابات من معايير الحرية والنزاهة، فجميع المرشحين يعلنون ولاءهم التام للسياسات الأساسية للنظام والمرشد علي خامنئي. أما المرشحون الذين انتقدوا السياسات ولو بشكل طفيف، مثل النائب الإصلاحي السابق محمود صادقي، فلم يُسمح لهم بالترشح بعد مراجعة "مجلس صيانة الدستور"، الهيئة المسؤولة عن فحص جميع المرشحين، والتي جرى تعيين جميع أعضائها من قبل خامنئي.
ومع ذلك، فإن المرشحين يمثلون مختلف فصائل النظام، وهم منخرطون في صراع شرس بين بعضهم البعض.
ظل أربعة من بين المرشحين الستة، الذين حصلوا على الموافقة في البداية لخوض الانتخابات، موجودين في المنافسة، وثلاثة منهم يمتلكون فرصا واقعية للفوز: محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان المحافظ وعمدة طهران السابق، الذي يعزز موقعه بأوراق اعتماده التكنوقراطية رغم أنه مثقل بادعاءات الفساد. وسعيد جليلي، مستشار الأمن القومي السابق، الذي تثير أصوليته الصارمة مخاوف الكثيرين. ومسعود بيزشكيان، الإصلاحي الذي لم يدخل السباق ببرنامج إصلاحي كبير، بل أكد على ولائه للمرشد علي خامنئي وعلى الحاجة إلى الوحدة فوق الانقسامات الفئوية.
يحظى بيزشكيان بدعم الفصيل الإصلاحي، بالإضافة إلى تأييد الرئيس الوسطي السابق حسن روحاني وفريقه البارز، مثل وزير الخارجية الأسبق جواد ظريف، ووزير الاتصالات السابق جواد آذري جهرمي. كما حصل بيزشكيان على تأييد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي والزعيم السابق للحركة الخضراء لعام 2009، مهدي كروبي. وفي المقابل، انسحب مرشحان محافظان متشددان، هما: علي رضا زاكاني، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، داعين جليلي وقاليباف إلى التوحد خلف مرشح واحد لهزيمة بيزشكيان، محذرين من أن حكومته ستكون "ولاية ثالثة لروحاني".
وفي الأيام التي سبقت الانتخابات، بذل الكثير من أفراد المعسكر المحافظ، أو كما يفضلون أن يسموا أنفسهم "الجبهة الثورية"، بذلوا جهودا مكثفة لإقناع جليلي أو قاليباف بانسحاب أحدهما لصالح الآخر. ورغم انتمائهما الاسمي لنفس المعسكر السياسي، فإنهما يختلفان بشكل جوهري. فقاليباف، القائد السابق لـ"الحرس الثوري"، الذي قاد فرقة خلال الحرب مع العراق (1980-1988) وكان زميلا مقربا لقاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني، يتمتع بقاعدة قوية داخل "الحرس" الذي يحظى بدعمه. ورغم تعهده بالولاء للنظام، فإن قاليباف يركز على الأداء العملي أكثر من النقاء الثوري. وفي المناظرات التلفزيونية التي سبقت الانتخابات، وعد بالتوصل إلى اتفاق مع الغرب لرفع العقوبات مقابل تقليص البرنامج النووي الإيراني، متبعا المسار نفسه الذي سلكه روحاني والذي يتبناه الآن بيزشكيان.