ماذا تعني سياسات بايدن للاقتصاد الأميركي في حال فوزه؟

حقق إنجازات واجتذب استثمارات ضخمة ولجم الاستيراد من الصين لكن ذلك ليس كافيا لضمان الفوز

.أ.ب
.أ.ب
الرئيس جو بايدن، بدأ العد العكسي.

ماذا تعني سياسات بايدن للاقتصاد الأميركي في حال فوزه؟

دخلت الولايات المتحدة الأميركية رسميا معركة الانتخابات الرئاسية الأكثر إثارة للجدال منذ عقود، فهي المرة الأولى التي يتواجه فيها رئيسان متتاليان منذ عام 1892، الأول، الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي صدر أخيرا قرار بإدانته، ومع ذلك استمر في ترشحه، والثاني، الرئيس الحالي جو بايدن، الذي تحوم حوله أيضا عدة قصص فساد، وهو أول رئيس أميركي يدان ابنه أثناء ولايته بتهم تتعلق باقتنائه السلاح عند تعاطي المخدرات. كذلك، وإن تمكن بايدن من الاستفادة من إعادة انتخاب الرؤساء الأميركيين في كثير من الأحيان، فإن تقدمه بالسن يمكن أن يعمل ضده، فهو تجاوز متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة بـ5 سنوات، وفي حالة إعادة انتخابه، سيكون عمره 86 عاما في نهاية ولايته الثانية، وهو أمر يمكن أن ينفر بعض الناخبين.

إقرأ أيضا: بايدن وترمب... مواجهة 2024 - تغطية خاصة في "المجلة"

حدد بايدن شعار حملته الانتخابية: "Let’s finish the job"، أي "هيا ننجز المهمة"، الذي كان مثار تعليقات وإضافات عدة من خصومه، منها، "قبل نفاد الهمة". وسبق لبايدن أن مهد لذلك في خطاب حالة الاتحاد في مارس/آذار 2024، حيث استعرض الإنجازات التي حققتها سياساته الاقتصادية المعروفة بـ"Bidenomics" أو "اقتصاديات بايدن"، وخطته لإكمال مشاريع أخرى.

إنجازات الـ"بايدونوميكس"

يقول بايدن بأنه ورث من سلفه قبل أربع سنوات وضعا اقتصاديا صعبا بسبب جائحة "كوفيد-19"، وإخفاق الأخير في التصدي لها لاعتقاده الخاطئ بأن الفيروس سيختفي في غضون أسابيع قليلة، مقوضا بذلك الإجراءات التي حث عليها الخبراء. وقد تمت السيطرة على الوباء من قبل إدارة بايدن، والركود الذي تلاه، وبات الاقتصاد الأميركي موضع إعجاب العالم أجمع: 15 مليون وظيفة جديدة في ثلاث سنوات، والبطالة عند أدنى مستوياتها منذ 50 عاما. وبدأ عدد قياسي من الأميركيين يبلغ 16 مليوناً بإنشاء مشاريع صغيرة. وبات عدد الأشخاص الذين لديهم تأمين صحي أعلى من أي وقت مضى، وضمرت فجوة الثروة العرقية إلى أضيق الحدود منذ 20 عاما، واستمرت الأجور في الارتفاع ومعدل التضخم في الانخفاض من 9 في المئة إلى 2,7 في المئة، وهو الأدنى في العالم، مع توجه تنازلي.

جذب قانون أشباه الموصلات والعلوم استثمارات إلى هذه الصناعة تقدر بـ 157 مليار دولار، مما أدى إلى توفير نحو 25400 فرصة عمل

حصل التعافي بفضل خطط إنقاذ ضخمة أطلقت، أهمها خطة الإنقاذ الأميركية ( American Rescue Plan Act)، وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف ( Infrastructure Investment and Jobs Act)، وغيرهما، وانتهجت هذه الخطط الانفصال عن الفلسفة النيوليبيرالية التي تبناها بايدن إلى مفهوم "دولة أكثر تدخلاً" وتقديم "شبكة أمان اجتماعي أكبر" بهدف دعم الطبقة الوسطى.

ولجم التوسع في استيراد المنتجات الأجنبية، ولا سيما الصينية، وتصدير الوظائف الأميركية لصالح التوسع في تصدير المنتجات الأميركية وتوفير الوظائف في الداخل، وبات شراء الأميركيين لما "صنع في أميركا" هو السائد للمرة الأولى من ثلاثينات القرن الماضي.

اجتذاب استثمارات ضخمة

وخلال فترة الجائحة أدى النقص في أشباه الموصلات إلى ارتفاع أسعار كل شيء من الهواتف المحمولة إلى السيارات، وبدلاً من الاضطرار إلى استيراد أشباه الموصلات التي اخترعتها الولايات المتحدة، استثمرت الشركات الخاصة بمليارات الدولارات في بناء مصانع جديدة لإنتاجها في أميركا، وتم توفير عشرات آلاف الوظائف برواتب مجزية.

غيتي
بايدن في أحد مصانع المشروبات في ويسكونسن متحدثا عن تطرق أجندته الاقتصادية والتمويل الفيدرالي لمشاريع البنية التحتية.

وبفضل "قانون أشباه الموصلات والعلوم" (Semiconductors and Science Act) الذي رعى بايدن إنجازه وصدوره، باتت الولايات المتحدة تستثمر أكثر من أي وقت مضى في البحث والتطوير. كما ساعد في إعادة إنتاج هذه الرقائق في الولايات المتحدة بعدما كان هذا الأمر يحصل في الصين وتايوان، وهذا ما اجتذب استثمارات إلى هذه الصناعة تقدر بـ 157 مليار دولار، مما أدى إلى توفير نحو 25400 فرصة عمل.     

حققت الضغوط على شركات الأدوية الكبرى خفض سعر دواء الأنسولين من 400 إلى 35 دولارا شهريا، مما أفاد 11,6% من سكان البلاد

وقد جذبت الـ"Bidenomics" استثمارات من القطاع الخاص بقيمة 650 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة، ووضعت وكالة حماية البيئة، "EPA"، البلاد على طريق الإجراء المناخي الأكثر أهمية في تاريخ العالم بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 50 إلى 52 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005. وبفضل قانون البنية التحتية، الذي أقره الحزبان الجمهوري والديمقراطي، تم انشاء 46 ألف مشروع جديد من تحديث طرق وجسور وموانئ ومطارات وأنظمة نقل عام وغيره.

وحققت الضغوط على شركات الأدوية الكبرى خفض سعر دواء الأنسولين من 400 إلى 35 دولارا شهريا، مما أفاد 11,6 في المئة من سكان البلاد، أي 38,4 مليون شخص، وهناك مفاوضات مع برنامج "ماديكير" (Medicare) لخفض أسعار 500 دواء تعالج أمورا كثيرة في مقدمها أمراض السرطان والقلب والتهاب المفاصل، خلافا لما ينوي سلفه القيام به من إزالة لهذه الحماية من خلال إلغاء قانون الرعاية الميسرة.

.أ.ف.ب
نموذج يتعرف على نموذج لمنشأة أشباه الموصلات في متحف ميلتون جيه روبنشتاين في نيويورك، 25 أبريل 2024

وفي قطاع الإسكان، أنشئ ائتمان ضريبي سنوي يمنح الأميركيين 400 دولار شهريا حتى يتمكنوا من سداد رهوناتهم العقارية عندما يشترون المنزل الأول، أو عندما يغيرون مكان الإقامة. وهناك مشاريع لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الملاك الكبار الذين ينتهكون قوانين مكافحة الاحتكار لرفع بدلات الإيجار. وبات من الميسر الحصول على التمويل الفيديرالي الذي ساعد في تشييد 1,7 مليون وحدة سكنية في كل أنحاء البلاد.

وفي التعليم، أعدت مشاريع لخفض تكاليف الدراسة للأطفال وفي المدارس الثانوية والجامعات، وزيادة منح "بيل" (Pell Grants) لأسر الطبقة العاملة والمتوسطة، وأيضا الاستثمارات في مؤسسات التعليم العالي للأقليات من أصل إسباني ولأصحاب البشرة السوداء. وقد تم تعديل برامج القروض الطالبية لتخفيف عبء الديون الدراسية على نحو 4 ملايين أميركي.

قراءة "مؤشر البؤس" الذي يقيس مجموع معدلات البطالة والتضخم خلال فترة معينة يجب ألا تعني أن كل شيء يسير على ما يرام عندما يكون منخفضا

جيمس غالبريث، اقتصادي من جامعة تكساس

بماذا فشلت الـ"بايدونوميكس"؟

على الرغم مما سبق، هناك كثير من الناخبين الأميركيين يصرون على النظر إلى نصف الكوب الفارغ، ويشككون في صحة كل ما يروج له بايدن وحملته الانتخابية، ويحتجون بأن معدل البطالة الذي صدر اخيرا في مايو/أيار سجل ارتفاعا إلى 4 في المئة، بعكس توقعات استقراره على 3,9 في المئة، وقسم من الوظائف الجديدة موقت أو بدوام جزئي. ووفقاً لدراسة أجرتها "ياهو" و"ستات إيبسوس"، فإن 21 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون أن النتائج أفضل مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى، واثنين من كل ثلاثة لا يؤمنون بحصول انخفاض للتضخم.

وفي شرح للاقتصادي جيمس غالبريث، من جامعة تكساس، أشار إلى أن قراءة "مؤشر البؤس" الذي يقيس مجموع معدلات البطالة والتضخم خلال فترة معينة يجب الا تعني أن كل شيء يسير على ما يرام عندما يكون منخفضا (التشغيل الكامل للعمالة والتضخم الخاضع للسيطرة)، فهذا اعتقاد خاطئ، فباستثناء فترات الكساد الشديد تؤثر البطالة على أقلية من السكان في حين يؤثر التضخم على الغالبية العظمى منهم، والأمر المهم ليس تباطؤ ارتفاع الأسعار عموما بل تلك التي يتحسس بها الجمهور، وهذه لم تنخفض. 

ينبغي أيضا النظر إلى تطور القوة الشرائية، فمنذ عام 2021 انخفضت الأجور الحقيقية بسبب التضخم بنسبة 1,4 في المئة. ويعتقد أنغوس ديتون، أستاذ الاقتصاد في جامعة برينستون، أن الامر أعمق من مسألة القوة الشرائية فحسب، بل يجب النظر إلى أثره على التعليم وعلى النظام الصحي، "فكيف يمكن القول بأن البلاد في حالة جيدة ومتوسط العمر المتوقع لثلثي السكان قد انخفض منذ خمسة عشر عاما؟ أيضا، فإن الزيادات في أسعار الفائدة أو إبقاءها مرتفعة، سيؤديان في نهاية المطاف إلى العمل ككابح للنشاط ولانتعاش القوة الشرائية، مما يسجل في دائرة الفشل في اقتصاد "Bidenomics"وسياسات بايدن.

العجز الفيديرالي والمالية العامة

ويضيف الجمهوريون الى ما سبق أن ضخ بايدن مبالغ كبيرة في الاقتصاد، كان السبب في رفع الأسعار التي يتحسس منه الجمهور، وهو أمر ينفيه الديمقراطيون ويعزونه إلى اضطراب سلاسل التوريد وزيادات الأجور التي حدثت في نهاية الجائحة خصوصا في الخدمات. 

 إن المصارف المركزية الطيعة للسياسيين تخدم اقتصاداتها بشكل سيء، وإن المستقلة منها تعمل بشكل أفضل في السيطرة على التضخم

مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض

ومن الأمور المهمة التي تثير النقاش بين الديمقراطيين والجمهوريين، العجز الفيديرالي والمالية العامة، فقد تفاخر بايدن بخفضه العجز أثناء ولايته إلى ما يزيد على تريليون دولار، وأعلن أن هدفه تحقيق خفض إضافي بمقدار 3 تريليونات دولار أخرى من خلال مشاريع أخرى أهمها إنهاء الإعفاءات الضريبية لشركات الأدوية والنفط الكبرى والطائرات الخاصة والأجور التنفيذية الضخمة وزيادة الضريبة من 18 في المئة إلى 21 في المئة بحد أدنى على الشركات الكبرى، و25 في المئة على أصحاب المليارات، وعددهم نحو ألف. أما الأشخاص الذين يكسبون أقل من 400 ألف دولار سنويا، فلن يدفعوا أبدا أي ضرائب فيديرالية، خلافا لما قام به سلفه ترمب بالمصادقة في نهاية 2017 على قانون يخفض الضرائب الإجمالية، مما أفضى إلى خفض بقيمة 2 تريليون دولار استفاد منه في المقام الأول الاثرياء والشركات الكبيرة وتسبب في انفجار العجز الفيديرالي وزيادة الدين الوطني أكثر من أي فترة رئاسية أخرى في تاريخ الولايات المتحدة.

 

ملفا الهجرة واستقلالية الفيديرالي

كان هناك خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين حول موضوع "المهاجرين وحماية الحدود"، ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، وصل حجم الدخول غير القانوني إلى الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى على الإطلاق (302 ألف عبور، و250 ألف اعتقال). وإدراكا لأهمية الموضوع، اقترب بايدن من بعض المطالب التي قدمها الجمهوريون، وكان التوصل الى مشروع قانون مشترك يتضمن توظيفات إضافية من إداريي وضباط أمن الحدود وقضاة الهجرة وتجهيزات إضافية لكشف عمليات التهريب مع منح رئيس  البلاد سلطة طوارئ لإغلاق الحدود مؤقتا عندما يبلغ عدد اللاجئين على الحدود 2500، مع السماح بالدخول مجدّداً  عند تراجع العدد إلى 1500. لكن ترمب عطل التصويت على هذا المشروع  حتى لا يقطف خصمه بايدن ثمار النجاح السياسي.

وكان سبق للأخير أن جاهر بأنه لن يمنع الناس من دخول أميركا بسبب إيمانهم كما فعل سلفه ترمب، حين منع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة او لأسباب أخرى كالمجاعة، كما حصل مع عائلته من إيرلندا لان ذلك يعتبر إنكارا لقيمة التنوع وهي أساسية في الحياة الأميركية. أما ترمب، فعلى العكس، أعلن أنه سيفرض رسوما جمركية عالية على الدول التي تسهل أو لا تحد من لجوء مواطنيها إلى الولايات المتحدة، إذ ليس مقبولا أن يستمر تدفق هؤلاء بإرهاق الخدمات العامة، فيبلغ نصيب الفرد الأميركي من تكلفة الهجرة غير الشرعية  أكثر من خمس مرات من نصيب الألماني أو الأوروبي.

استقلالية الاحتياطي الفيديرالي

والخلاف الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين حصل أيضا في شأن الاحتياطي الفيديرالي، فبايدن يدعم استقلاليته، وجدد مرارا ثقته بحاكمه جيروم باول، وأخيرا أشارت تدوينة لمجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض الى "أن المصارف المركزية الطيعة للسياسيين تخدم اقتصاداتها بشكل سيء، وأن المستقلة منها تعمل بشكل أفضل في السيطرة على التضخم". وأضافت "نحن في إدارة الرئيس بايدن متحمسون للغاية لتجارب التاريخ وسنواصل الدعم الثابت لاستقلالية الاحتياطي الفيديرالي؛ ولا يمكن للتاريخ أن يكون أكثر وضوحا في ما يتعلق بالعواقب التضخمية والمدمرة الناجمة عن تجاهل هذا الدرس أو عكس التقدم الذي تم تحقيقه بشق النفس على مدى نصف القرن الماضي".

يقر بايدن بأن الصين تزدهر ولكن أميركا لم تتخلف عن الركب كما يعتقد البعض، ولا يزال لديها أفضل اقتصاد في العالم، كما انخفض العجز التجاري مع بكين بنسبة 27 في المئة

لم يتقيد ترمب بهذه القاعدة خلال رئاسته، فصحيح أنه هو الذي اختار باول حاكما للاحتياطي الفيديرالي، لكنه أعرب لاحقا عن إحباطه لأن الأخير لم يخفض أسعار الفائدة لتعزيز الاقتصاد، وهو يتهم حاليا بايدن بأنه سمح للتضخم بالبقاء مرتفعا معتقدا أن باول سيخفض أسعار الفائدة في الوقت المحدد لمساعدة الأخير في إعادة انتخابه.

رويترز

 وقد أظهرت بيانات الوظائف خارج القطاع الزراعي لشهر مايو/أيار المنصرم ارتفاعا أعلى بأكثر من مئة ألف وظيفة من توقعات السوق، مما سيدفع الى تراجع آمال خفض الفائدة  حتى تموز/يوليو على الأقل، بحسب محمد العريان رئيس كلية "كوينز كولدج" في جامعة كامبريدج.

الصراع الاقتصادي والتجاري مع الصين

على الصعيد الخارجي، عمل بايدن على استعادة الدور الدولي للولايات المتحدة بعد الانكفاء الذي مارسه ترمب أيام  ولايته، فأعاد الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية وإلى اتفاقية باريس للمناخ  اللتين انسحبت منهما خلال رئاسة الأخير. وفي مواجهة الدب الروسي، قاد بايدن المعسكر الغربي الداعم لأوكرانيا وقدم الأسلحة والمال الى الأخيرة. أما بالنسبة الى العلاقة مع الصين،  فقد كان هناك اختلاف في وجهات النظر  حول مضمونها، فبايدن  يراها  "منافسة" وترمب يراها "صراعا"، وسيزيد بمقتضى ذلك الرسوم الجمركية على جميع الواردات الأميركية من الصين بنسبة 10 في المئة، وبهذا يمكن الحفاظ على الخفوضات الضريبية للأسر التي أقرها في عام 2017 والتي تنتهي في نهاية عام 2025. لكن الزيادة ستؤدي حتما إلى إجراءات انتقامية وحرب تجارية.  

في المقابل، يقر بايدن بأن الصين تزدهر ولكن أميركا لم تتخلف عن الركب كما يعتقد البعض، ولا يزال لديها أفضل اقتصاد في العالم، وعجزها التجاري مع الصين وصل اثناء حكمه إلى أدنى مستوى منذ  أكثر من عقد من الزمن، وتظهر البيانات الصادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي أن الولايات المتحدة اشترت سلعا من المكسيك أكثر من تلك التي اشترتها من الصين في عام 2023،  وانخفض العجز التجاري مع بكين بنسبة 27 في المئة، فللمرة الأولى استوردت الولايات المتحدة في العام المنصرم سلعاً من المكسيك بـ 475,6 مليار دولار، أي أكثر مما استوردته من الصين، حيث بلغت قيمة الواردات من الأخيرة  427,2  مليار دولار. ويوضح براد سيتسر من مجلس العلاقات الخارجية أن تقلص العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين سببه التحول الأميركي إلى اقتصادات آسيوية أخرى في مقدمها تايوان وفيتنام.

 السجل الاقتصادي لبايدن لا يشكل في نظر عديدين ضمانا كافيا لفوزه بالانتخابات الرئاسية، لأن الناخبين لا يزالون يربطون سياساته الاقتصادية بـ"التضخم التراكمي" الذي تسببت به

ميكايل بوسكين، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد

قبل أسابيع عدة، عدل بايدن عن موقفه وفرضت إدارته رسوما جمركية على الواردات من الصين، استباقا لمشروع ترمب في هذا الإطار، ما حدا بالبروفسور هارولد جيمس، أستاذ الأعمال الدولية في جامعة برينستون إلى التساؤل في مقال في "بروجيكت سنديكيت" ما إذا كان بايدن يرمي بالفعل إلى تدمير ذاته أمام خصمه، مما يزيد المخاوف المتفاقمة من القومية الاستبدادية لترمب ومستقبل الديمقراطية. فالجمهور، كما يقول جيمس، لا يشتري بشكل مباشر من الصين البطاريات والصلب والألومنيوم وأشباه الموصلات كما المعادن والأتربة النادرة (الجاليوم والجرمانيوم) اللازمة للبطاريات، إلا أن هذه المواد تدخل في العديد من الأجهزة المصنوعة في الولايات المتحدة.

Shutterstock

ويبدو أن بايدن أمل ألا يشعر الأميركيون بأي تأثير اقتصادي، لكن هذا الأمر غير صحيح، فالتعريفات الجمركية ستؤدي إلى تفاقم مشكلة زيادة التكاليف على شريحة واسعة من الأميركيين، وستستفيد منها حملة ترمب التي جعلت التضخم إحدى قضاياها الرئيسة وتركز على ارتفاع أسعار الضروريات لغالبية الأميركيين، مثل لحم الخنزير المقدد وغالون الحليب وعلبة البيض وحاجات استهلاكية أخرى ضرورية.

السجل الاقتصادي لبايدن لا يكفي

في الاتجاه نفسه، يرى ميكايل بوسكين، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، أن السجل الاقتصادي لبايدن لا يشكل في نظر عديدين ضمانا كافيا لفوزه بالانتخابات الرئاسية، لأن الناخبين لا يزالون يربطون سياساته الاقتصادية بـ"التضخم التراكمي" الذي تسببت به، إذ ارتفع قياسا بمؤشر أسعار المستهلك إلى مستوى لم يسجل منذ أربعين عاما وتمت تغطية العجز في التمويل العام من طريق الاقتراض في سياق تأمين فرص عمل أكبر للعمالة. وبينما ادعى البيت الأبيض والاحتياطي الفيديرالي أن التضخم كان موقتا، ارتفعت الأسعار بالفعل في عهد رئاسة بايدن أكثر من 20 في المئة. صحيح أن  الأجور وصلت اخيرا إلى نمو بالكاد أعلى من معدل التضخم، لكن العديد من الأسر ذات الدخل المنخفض تكافح من أجل تغطية نفقاتها ويتزايد التخلف عن سداد بطاقات الائتمان وقروض شراء السيارة  والمنزل.

ديف موراي

إقرأ أيضا: زلزال مالي ينتظر أميركا

في تحليل معاكس، يذكر جيفري فرينكال، أستاذ الاقتصاد في هارفرد، أن الوقائع تشير إلى بلوغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 4,3 في المئة في ظل الرؤساء الديمقراطيين في 16 ولاية رئاسية كاملة منذ الحرب العالمية الثانية، بدءا من هاري ترومان حتى باراك أوباما، في مقابل 2,5 في المئة في ظل الجمهوريين، وأقل من ذلك بشكل ملحوظ اثناء رئاسة ترمب.

خلاصة ما سبق، أن الإرث كما المشروع الاقتصادي، ليسا قاطعين في ترجيح فوز أي من المرشحين منذ الآن، ومن المتوقع أن تكون أسعار السلع والخدمات التي يتحسس بها الناخبون ذات تاثير بالغ في الأسابيع الأخيرة قبل تصويت المندوبين، وحتى ذلك الوقت ستبقى الشعارات الشعبوية مستعرة بين المرشحين، فترمب الذي يتقن هذه الشعارات أكثر نظرا الى خبرته في التعامل مع الجمهور، يتهم بايدن "بتحضيره لسياسات يسارية متطرفة في حال انتخابه"، والأخير يتهم ترمب "بأنه يرى الأمور بمنظار الانتقام والقصاص والكراهية والعقاب والانعزالية وهي من أقدم الأفكار ولا تقود أميركا إلا إلى الوراء". 

font change

مقالات ذات صلة