الانتخابات الرئاسية الإيرانية... ارتباك ملحوظ في "معسكر الثورة"

لا يسعى المتشددون إلى إيجاد ائتلاف وتقديم مرشح واحد

رويترز
رويترز
لافتة للمرشح الرئاسي محمد باقر قاليباف في أحد شوارع طهران، 26 يونيو 2024

الانتخابات الرئاسية الإيرانية... ارتباك ملحوظ في "معسكر الثورة"

تدخل إيران مرحلة انتخابية جديدة إثر مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي في مايو/أيار الماضي، وبعد أن وافق "مجلس صيانة الدستور" على 6 مرشحين من أصل عشرات تقدموا بطلب لخوض الانتخابات.

وانسحب مرشحان محافظان من السباق الرئاسي بالفعل، هما أمير حسين غازي زاده هاشمي، وعلي رضا زاكاني، وحثا المرشحين الآخرين على توحيد الصف خلف "الجبهة الثورية"، في إشارة إلى دعم التيار المحافظ المتشدد على حساب التيار الإصلاحي.

وتتوقع نتائج استطلاعات الرأي أن تقتصر المنافسة الأخيرة على ثلاثة مرشحين، هم: رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي، المحسوبان على التيار المحافظ المتشدد. ومسعود بزشكيان النائب الإصلاحي.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة "هم ميهن" مقالا بقلم حميد رضا أكبر بور، أستاذ القانون الدولي العام، بعنوان: "العملاق النائم هو الناخبون الصامتون الذين لا يصوتون". ويرى الكاتب أن "بزشكيان حاول- من خلال إشراك عدد من الشخصيات الإصلاحية البارزة، على غرار محمد جواد ظريف، في البرامج الحوارية السياسية التلفزيونية- استقطاب الأغلبية الصامتة التي لا تريد التصويت في الانتخابات... ولكنه ورغم شعاراته المنادية بتحقيق العدالة وعدم ممارسة التمييز لم ينجح في تكوين خطاب خارج الصندوق. وبالتالي نجح بزشكيان في استقطاب جزء من المجتمع الصامت".

وأضافت "هم ميهن": "يجب على بزشكيان وأعضاء حملته الانتخابية تقديم خطاب ينجح في حث الأغلبية الصامتة على التصويت، وهذا لن يحصل إلا من خلال تبني خطاب يؤكد على مطالب هذه الفئة في المجتمع وتعميق الحوار معها حول مطالب تهم هذه الفئة على غرار الإقامة الجبرية لقادة الحركة الخضراء، ودور أعضاء مجلس صيانة الدستور غير المنتخبين في الإشراف المطلق على تأييد ورفض أهلية مرشحي الانتخابات، والحجاب وقمع غير الملتزمات به، والتداعيات الناتجة عن تلك الممارسات التي أدت إلى الاحتجاجات بعد سبتمبر/أيلول 2022 (إثر مقتل مهسا أميني في مقر لشرطة الأخلاق بسبب عدم التزامها بمعايير الحجاب الحكومية) والرؤية الاقتصادية، والحلول العملية التي تؤدي إلى تغيير السياسات، والهيكل الاقتصادي".

وتابع أستاذ القانون الدولي العام أن "هذه هي أهم المطالب التي تشغل المجتمع الصامت حاليا وهي مطالب خارجة عن دائرة صلاحيات رئيس الجمهورية، ولكنه يمتلك قوة عالية في المساومة بشأنها خاصة إذا كان فائزا بأصوات الأغلبية الساحقة من الناخبين".

وقال: "إن تجاهل مطالب الفئة الصامتة وإطلاق وعود فارغة دون قدرة على تحقيقها أدى إلى غياب الثقة واليأس من الطبقة الحاكمة... إن حالة التضامن وإجراء حوار صادق وتضامني مع هذه الفئة الصامتة تسهم في حثها على التصويت".

يحاول بزشكيان استقطاب الكتلة الصامتة في الاقتراع الرئاسي 

وسبق يوم الاقتراع مناظرات انتخابية بين المرشحين الستة، قبل انسحاب هاشمي وزاكاني، سعى خلالها المرشحون، خاصة الوجوه البارزة المحسوبة على السلطة الحاكمة وأنصارهم، إلى حشد الناخبين.

ويقول محسن صالحي خواه، في مقال بصحيفة "هم ميهن": "لقد سجلت الانتخابات الثلاثة الماضية أدنى معدلات تصويت لأسباب مختلفة، غير أن عدم الإقبال على التصويت كان يصب في مصلحة التيار المحافظ والمتشدد الذي لا يرغب في زيادة نسبة الإقبال على التصويت".

وأضاف أن "التيار المحافظ والمتشدد يسعى إلى توجيه التصويت واقتصاره على قاعدتهم الأيديولوجية... ويمكن القول من خلال إلقاء نظرة على وسائل الإعلام المحسوبة على هذا التيار خاصة صحافته إنهم يشعرون بالقلق من اتفاق كل الأطياف الإصلاحية على اسم واحد وهو مسعود بزشكيان كما أن هذا المعسكر يعاني من منافسات وصراع داخلي ولم يتمكن من حلحلة خلافاته قبل الانتخابات بسبب حادث وفاة إبراهيم رئيسي بشكل مفاجئ وإجراء الانتخابات المبكرة، وبالتالي فإن القلق يساور هذا التيار بسبب توزيع أصواتهم بين أكثر من مرشح واحد".

أ.ف.ب
نساء يمشين أمام ملصقات انتخابية للمرشح الرئاسي الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان في طهران

وأشار رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المتشددة حسين شريعتمداري إلى هذا القلق من توزيع أصوات القاعدة الموالية للتيار المتشدد بين أكثر من مرشح، قائلا: "يتساءل الكثير من القوى الثورية والملتزمة هذه الأيام: لأي من مرشحي المعسكر الثوري يجب أن يصوتوا؟ ويرى أنه يجب التصويت لصالح مرشح توافقي بعد ائتلاف مرشحي الثورة. ويتساءلون إذا لم يحصل ائتلاف بين مرشحي الثورة وبقي أكثر من مرشح واحد من التيار الأصولي حتى النهاية فماذا سيحصل؟ الإجابة هي حينها الأمر سيان فصوتوا لمن تشاءون".

ورأت صحيفة "هم ميهن" أن "ارتفاع نسبة التصويت سينهي لعبة التيار المتشدد الذي لا يرغب في حث الناخبين على المشاركة في الانتخابات. ولكن لا يمكن التكهن بحجم الإقبال من قبل المجتمع الصامت والأصوات الرمادية وذلك بعد مرور 5 أعوام على تكريس السياسة الإقصائية والظروف الاقتصادية السيئة وارتفاع منسوب الاستياء العام وقمع القاعدة الانتخابية للإصلاحيين... فإذا شاركت الأغلبية الصامتة في الانتخابات قد يؤدي ذلك إلى تغيير المسار وتصويب الأمور ولكن المهمة لن تكون سهلة".

المنافسة في "معسكر الثورة"

ورأت صحيفة "مردم سالاري" في عددها الصادر يوم 26 يونيو/حزيران أن "المعسكر المسمى معسكر الثورة  (التياران المحافظ والمتشدد) يواجه 3 تحديات رئيسة للوصول إلى اتفاق على مرشح واحد: الأول من هو المرشح المتقدم في نتائج استطلاعات الرأي؟ لأن سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف يزعم كلاهما أنه متقدم على الآخر. حيث يستند كلا المرشحين على استطلاعات رأي لا يمكن تأكيد مصداقيتها. لذلك فمن غير الواضح تقدم أي منهما على الآخر. لقد أدى هذا الأمر إلى ارتباك معسكر الثورة... التحدي الآخر هو إقناع أنصار المرشحين (جليلي وقاليباف) بالتصويت لغيرهما وهو أمر صعب للغاية لأننا نشهد جدلا لفظيا سياسيا حادا بين أنصارهما في الشبكات الاجتماعية منذ الآن. والأمر التالي هو أن معسكر الثورة يأخذ في الحسبان أيضا إمكانية توجيه جزء من أصوات المرشح الذي ينسحب من المنافسة إلى مسعود بزشكيان وهذه عملية حسابية حساسة للغاية، حيث إن وقوع أي خطأ بشأنه يؤدي إلى زيادة الأصوات الذاهبة إلى بزشكيان".

وتابعت "مردم سالاري": "يرى بعض المراقبين أن احتمال عدم حسم الانتخابات وإجراء الجولة الثانية أمر وارد ولذلك قد لا يسعى المعسكر الثوري إلى إيجاد ائتلاف وتقديم مرشح واحد. وفي النهاية فإن صناديق الاقتراع ستكون هي الحكم. ولكن المشكلة هنا أن تصرفات المجتمع الإيراني سياسيا غير قابلة للتنبؤ وبالتالي هناك احتمال في أن يتكون في اللحظات الأخيرة تيار يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في الأصوات لصالح بزشكيان وحسم الانتخابات في الجولة الأولى وخاصة في ظل تعدد المرشحين المحافظين".

وكتب نبي الله عشقي ثاني، في جريدة "آرمان ملي"، مقالا بعنوان "نصوت للتغيير". ويرى الكاتب أن "إقبال الشباب على الانتخابات قد يكون عاملا حاسما في نتيجة الانتخابات". وأضاف أن جيل ما بعد الثورة الذي ولد وترعرع في ظل السلطة الراهنة لديه شخصية اجتماعية ومطالب لا تتطابق مع الظروف العامة للبلاد. ويجب أن نتساءل: ماذا فعلنا بهؤلاء الشباب حتى تخلوا عنا وعن أدائنا؟ يجب على المرشحين أن يستقطبوا جيل الشباب ليمهدوا إلى مشاركة واسعة في الانتخابات وقبل ذلك يجب عليهم تقديم برامج بشأن توفير فرص للدراسة والعمل والزواج والسكن للشباب. يجب أن تتمتع هذه البرامج بالواقعية وأن لا تكون مجرد وعود انتخابية... إن جيل الشباب في إيران لا يفهم لماذا ترغب السلطة الحاكمة في الحد من التواصل في الكثير من دول العالم في حين أن هذه السياسة لم تؤدِ إلى نتائج إيجابية للبلاد وتوفير الرخاء للمواطنين وانخفاض الهجرة. فكيف لنا أن نتوقع من الشباب أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع؟".

هناك ارتباك ملحوظ في "معسكر الثورة" 

وهاجم غلام رضا صادقيان في مقال بعنوان "تناقضات ورغبات انتخابية" في صحيفة "جوان" المتشددة، هاجم التيار الإصلاحي قائلا إن "الإصلاحيين كانوا يزعمون منذ سنوات عديدة أن مرشد الثورة لا يرغب في فوز مرشح إصلاحي وأن المشاركة الواسعة تؤدي بالتأكيد إلى فوز الإصلاحيين". وترى "جوان" أن هذه السياسة المزدوجة والمتناقضة من قبل الإصلاحيين "مدمرة"، وذلك لأن "المرشد لا ينظر إلى الانتخابات نظرة محلل سياسي، بل يريد مصلحة الشعب".

وأضاف: "يزعم الإصلاحيون أن مرشد الثورة وافق على تأييد مرشح إصلاحي لأنه اضطر إلى أن يوافق على عودة الإصلاحيين إلى السلطة"!

وتابعت "جوان": "هذه المزاعم والتحليلات الإصلاحية مستغربة لأنهم يريدون الآن تصويت الشعب بنسبة عالية في حين أن الإصلاحيين ابتعدوا عن الاقتراع والانتخابات في الأعوام السابقة... يزعم قادة التيار الإصلاحي- ومنهم خاتمي- أنهم يصوتون، ولكن ليس بهدف إضفاء الشرعية على النظام... هذه هي ديمقراطية الإصلاحيين الغاضبين لأنهم يعرفون أنهم عاجزون عن استقطاب الناخبين".

font change

مقالات ذات صلة