"المجلة" في الموصل... دمار وفقر وبطالة

من حكم "داعش" قبل 10 سنوات إلى قبضة الفصائل الشيعية

"المجلة"
"المجلة"
جانب من أسواق الموصل

"المجلة" في الموصل... دمار وفقر وبطالة

الموصل- تشهد مدينة الموصل العراقية تغييرات كبيرة، بعد عشرة أعوام من احتلالها من قبل تنظيم "داعش”. إذ أصبحت الأحزاب السياسية الشيعية المقربة من إيران، هي الحاكم الفعلي في المحافظة رغم أن المدينة تعتبر ذات أغلبية سنية.

تجولت "المجلة" في مدينة الموصل، واطلعت على أوضاع السكان الذين ما زال جزء منهم خارج منازلهم، بسبب تدميرها خلال العمليات العسكرية في الأعوام 2014-2017، بالإضافة إلى تردي أوضاعهم الاقتصادية. كما أن القرار السياسي في المدينة، جرت مصادرته من قبل الأحزاب والفصائل الشيعية المقربة من إيران، عبر دعمها بعض الوجوه السنية في المدينة.

وما زال تنظيم “داعش” موجودا في العراق على الرغم من إعلان الحكومة القضاء عليه. ويشن هجمات على القوات الأمنية بين مدة وأخرى.

المراقب الأمني، فاضل أبو رغيف تحدث لـ"المجلة"، عن خريطة انتشار "داعش"، قائلا، إن التنظيم ما زال موجودا ولن يتلاشى إلا أنه في مرحلة إعادة ترتيب صفوفه داخل العراق رغم نشاطه الكبير في أفريقيا.

ووفقا لأبو رغيف، فإن الزعيم الخامس الحالي لتنظيم "داعش"، أبو حفص الهاشمي القرشي، هو من أهالي نينوى وتحديداً من مدينة تلعفر، إذ يوجد في صحراء الأنبار مع 900 مقاتل موزعين على مفارز صغيرة ثابتة وجوالة، موضحا أن اختيار أبي حفص الأنبار، كمنطقة لإدارة التنظيم، يعود للمساحة الشاسعة للصحراء من أجل الاختفاء.

وتابع أن أقل من 300 عنصر من "داعش"، يوجدون في ديالى ضمن مضافات غير معلومة. وكذلك ينتشر في المناطق المحصورة بين صلاح الدين وكركوك، مثلا وادي الشاي وواد وغيتون وأم الخناجر وجنوب كركوك في الرياض والحويجة ومكتب خالد. وأشار إلى أن "داعش"، يوجد في نينوى بشكل قليل جدا، وتحديدا في غربها، في مرتفعات بادوش والشيخ يونس.

ويقسم نهر دجلة، مدينة الموصل إلى نصفين، يطلق عليهما "الساحلان الأيمن والأيسر". وتوجد في الساحل الأيمن المدينة القديمة التي تتكون من 12 ألف منزل، وتضم معظم المباني التاريخية الإسلامية والمسيحية واليهودية. إذ اختار زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، يوم 4 يوليو/تموز 2014، جامع النوري، مكانا لظهوره الأول وخطبته الشهيرة حول الجهاد.

دمر تنظيم "داعش" الكثير من الأماكن التراثية، مثل مدينة النمرود ومسجد النبي يونس وجامع النوري قبل انسحابه من الموصل، إذ يعتبر جامع النوري رمزا للمدينة، أنشئ في القرن السادس الهجري، وتجري حاليا إعادة تأهيله، من قبل منظمة اليونسكو وبتمويل من دولة الإمارات.

من جهة أخرى، تلخصت رؤية أستاذ العلوم السياسية، في جامعة الموصل، علي بشار أغوان، في أن بعض مناطق نينوى، هشة أمنيا، نتيجة وجود عناصر "داعش" وهذه تتمركز في جنوب المحافظة مثل صحراء البعاج وامتدادها في العمق السوري وصحراء الأنبار.

"المجلة"
الموصل من الساحل الأيمن

وقال أغوان لـ"المجلة" إنه بعد سبعة أعوام من تحرير المحافظة، لا توجد تنمية شاملة تتعلق بتطوير الزراعة والصناعة وبناء المدن الحديثة، التي تساهم في استقطاب الأيدي العاملة، لذلك سيستمر الإرهاب في استغلال البطالة، وضمهم إلى تنظيم "داعش".

بعض مناطق نينوى، هشة أمنيا، نتيجة وجود عناصر "داعش" وهذه تتمركز في جنوب المحافظة مثل صحراء البعاج وامتدادها في العمق السوري وصحراء الأنبار

وتبلغ نسبة الفقر في محافظة نينوى 85 في المئة حاليا، وفقا لمدير إحصاء نينوى نوفل سليمان، وهي أعلى بنسبة الضعف عند المقارنة مع  عام 2018، التي كانت 38 في المئة، وذلك بسبب هجرة الفلاحين إلى المدينة، بعد شح المياه نتيجة الاحتباس الحراري وقلة الإيرادات المائية من دول المنبع. 
ولفت إلى أن أحد أهم الملفات التي تصدرت المشهد في المحافظة بعد "داعش"، هي ظهور "حزب العمال الكردستاني" في قضاء سنجار، وهو فصيل مسلح تركي، لديه اتفاقات غير رسمية مع الكثير من الفاعلين داخل المنطقة، وقال سليمان إنه يسيطر على ملفات حساسة مثل الأمن وتهريب المخدرات والإتجار بالبشر والسلاح، وهو ما شجع على قيام تركيا، بتنفيذ عمليات داخل نينوى، بحجة وجود "حزب العمال الكردستاني". 

"المجلة"
سوق في الموصل

وأشار أغوان إلى ظهور مشكلة جديدة، تتعلق بقيام متنفذين من خارج المحافظة، بتوظيف أشخاص على مستويات عالية رسمية، واستخدام جهات مسلحة، من أجل الحصول على المقاولات والأعمال الاقتصادية الأخرى وهو ما أثر بشكل كبير على ملف الإعمار. 
وقد حصل في محافظة نينوى، تغيير كبير في البنية السياسية خلال الانتخابات المحلية الأولى بعد مرحلة "داعش". إذ حصل الإطار التنسيقي، وهو كتلة سياسية شيعية تضم الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية المقربة من إيران، على الأغلبية داخل مجلس المحافظة، وهي المرة الأولى في تاريخها، حيث تصنف كمحافظة ذات اغلبية سنية، ويأتي بعدهم الكرد والشيعة، والأقليات من المسيحيين والإيزيديين وغيرهم. فالقوى السياسية الشيعية الفائزة، التي تسمى "اتحاد أهل نينوى"، حصلت على 16 مقعدا من أصل 29 مقعدا، وهم جميعهم مقربون من إيران، وتضم أيضا عددا من الفائزين السنة ومن "الاتحاد الوطني الكردستاني"، وجاءت بعدها "كتلة نينوى الموحدة" التي تضم الأحزاب السنية، وحصلت على تسعة مقاعد، ومن ثم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني الذي حصل على أربعة مقاعد. 

حصل في محافظة نينوى تغيير كبير في البنية السياسية خلال الانتخابات المحلية الأولى بعد مرحلة "داعش". إذ حصل "الإطار التنسيقي" على الأغلبية داخل مجلس المحافظة

وتوزعت المناصب الرئيسة في المحافظة على النحو التالي: الكتلة الشيعية، حصلت على رئيس مجلس محافظة نينوى ونائبه والنائب الثاني للمحافظ. بينما حصلت الكتلة السنية على منصب محافظ نينوى فقط، وكذلك الأكراد حصلوا على منصب نائب محافظ نينوى، فأصبحت الكتلة الشيعية قادرة على التحكم الكامل داخل الحكومة المحلية، بسبب الأغلبية السياسية.

"المجلة"
إعادة ترميم مسجد النوري في الموصل

ولفت أغوان إلى أن نتائج الانتخابات الأخيرة، دفعت إلى الواجهة قوى سياسية لا تمثل الأغلبية الاجتماعية في نينوى، من خلال نمو الثقل السياسي الشيعي، مقابل تراجع السنة والكرد، خصوصا أن جزءا من السنة فازوا، ضمن الإطار التنسيقي، وهذا لا يمكن اعتباره تغييرا ديموغرافيا، كما أن بعض القوى ما زالت تحاول التعبير عن نفسها من خلال السلاح. 

النازحون والأقليات

يستضيف إقليم كردستان 23 مخيما للنازحين، يوجد فيها 157 ألف شخص، غالبيتهم من سنجار، وفقا لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، رغم مرور 7 سنوات، على الانتهاء من العمليات العسكرية، فمدينة سنجار، تعتبر أعقد الملفات في المحافظة، إذ تسيطر بعض الفصائل الشيعية عليها، لاستخدامها في ضرب إسرائيل، بالإضافة إلى وجود "حزب العمال الكردستاني" الذي يتحالف مع هذه الفصائل. 
وقال وكيل وزير الهجرة والمهجرين، كريم النوري لـ"المجلة" إن العودة الطوعية للنازحين ما زالت مستمرة، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على إغلاق جميع المخيمات نهاية شهر يوليو/تموز المقبل. 
بينما قال السياسي الإيزيدي، صائب خضر لـ"المجلة"، إن الأوضاع العامة للإيزيدين غير جيدة، لأن النازحين ما زالوا بعيدين عن مناطقهم، بسبب الصراع بين بغداد وأربيل، إذ ترفض حكومة كردستان عودتهم لأسباب سياسية واقتصادية. 
وأضاف أن حكومة بغداد، حتى الآن، لم تقم بتعويض أهالي سنجار بالأموال لإعادة بناء منازلهم المدمرة، وتطوير البنى التحتية الأخرى مثل المستشفيات والمدارس وغيرها، رغم أن الوضع الأمني جيد، مشيرا إلى أن ملف المخطوفات ما زال مستمرا، وهناك لجنة من الأجهزة الأمنية تتابعه. حيث اختطف "داعش" ستة آلاف امرأة إيزيدية، وعاد ثلاثة آلاف امرأة إلى ذويهن، وما زالت الباقيات عند "داعش" في مناطق العراق وسوريا. 

هجرة الأقليات

ويعيش في نينوى عدد كبير من الأقليات، مثل المسيحيين والإيزيديين والشبك والبهائيين وغيرهم، الذين سبى تنظيم "داعش" نساءهم. لكن أوضاعهم بعد تحرير المدن ما زالت مأساوية، نتيجة الصراعات السياسية المحلية. 
وقال رئيس الحركة الآشورية، يونادم كنا لـ"المجلة"، إن المسيحيين في نينوى تقلص عددهم إلى 70 ألف شخص، بعد أن كانوا أكثر من 150 ألفا قبل "داعش"، مشيرا إلى أنهم يتعرضون حاليا للابتزاز ودفع الإتاوات من قبل بعض المجاميع المسلحة التي تستغل عنوان الدولة. 
وأضاف أن مركز محافظة نينوى، أي مدينة الموصل، أصبح خاليا من المسيحيين، ولم يعد إليها أي مسيحي، رغم أنه قبل مجيء "داعش"، كان العدد كبيرا جدا، موضحا أن أداء الدوائر الحكومية وغياب البنى التحتية والتداخل في القرارات المحلية بين حكومتي بغداد وأربيل، وغيرهما، أحد العوامل وراء عدم عودة المسيحيين.

ملف التعويضات

وما زال الدمار شاخصا للعيان في مدينة الموصل القديمة، رغم المحاولات الفردية للأشخاص بإعادة بناء منازلهم، ولكن الأوضاع الاقتصادية المزرية، وعدم منح الدولة التعويضات، يقف عائقا أمام إعادة تأهيل المدينة، إذ تقوم الحكومة بإعادة بناء الجسور الرابطة بين الساحلين الأيمن والأيسر، وكذلك بعض البنية التحتية للمدينة، إذ أنفق منذ عام 2018 إلى العام الماضي 1.6 مليار دولار على المحافظة، حسب وزارة المالية.

مركز محافظة نينوى، أي مدينة الموصل، أصبح خاليا من المسيحيين، ولم يعد إليها أي مسيحي، رغم أنه قبل مجيء "داعش"، كان العدد كبيرا جدا

وقال سعيد علي، وهو من أهالي الموصل القديمة لـ"المجلة"، إن ملف التعويضات المالية، أحد أعقد الملفات في المحافظة، فبيوتنا مدمرة، وغير قادرين على بنائها، لأننا لا نملك المال بسبب محدودية الدخل الذي يبلغ يوميا 10 دولارات، مشيرا إلى أن الأشخاص الذين يحصلون على التعويضات المالية، عليهم أن يدفعوا 40 في المئة إلى بعض الموظفين، والجماعات المتنفذة داخل المدينة. 
وأشار إلى أن الأشخاص الذين حصلوا على التعويضات، مرتبطون بالفصائل المسلحة الشيعية، أو ببعض السياسيين المتنفذين، أما الأشخاص الذين ليس لديهم أي انتماء سياسي، فحتى الآن لم يجر تعويضهم. 
وأكد أن "المدينة تحكمها حاليا الفصائل الشيعية التي فرضت نفسها علينا بالقوة"، بسبب مشاركتها في تحرير المدينة من تنظيم "داعش".
بينما قال الأستاذ الجامعي أنس الطائي لـ"المجلة"، إن مشاكل العراق العامة، تنعكس بشكل سلبي على الموصل، ففرص العمل، ما زالت شحيحة، وعزوف الشباب الموصلي عن المشاريع التجارية والصناعية والزراعية وغيرها، إذ أغلقت الكثير من هذه المشاريع، مشيرا إلى أن ملف التعويضات يعتبر أسوأ ملف حتى الآن، إذ لم يجر تعويض 10 في المئة من المواطنين، بينما المحافظات الأخرى التي تضررت من "داعش"، جرى تعويضها بالكامل. 
وأشار إلى أن سبب هذا الملف الشائك، هو الصراع السياسي داخل المحافظة، بين الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض السياسيين السنة، حيث إن كل سياسي يذهب وراء مصالحه الخاصة في تحقيق الأصوات بدلا من مصالح المحافظة.

font change

مقالات ذات صلة