من هو مارك روته الأمين العام الجديد لـ "حلف شمال الأطلسي"؟

دوافع استراتيجية لاختيار رئيس الوزراء الهولندي السابق لقيادة "الناتو"

إدواردو رامون/ "المجلة"
إدواردو رامون/ "المجلة"

من هو مارك روته الأمين العام الجديد لـ "حلف شمال الأطلسي"؟

يمر حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأكبر تحدٍّ له منذ إنشائه قبل 75 عاما، حيث يوفر اختيار رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته كأمين عام مقبل للمنظمة الطمأنينة إلى أن المنظمة قادرة على التغلب على العقبات التي تنتظرها.

لقد أثار الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 أكبر صراع شهدته أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وشكل التحدي الأكبر لحلف شمال الأطلسي منذ الحرب الباردة. قبل ذلك، كان التركيز العسكري الأساسي لحلف شمال الأطلسي ينصب على مكافحة الجماعات الإسلامية المتشددة مثل تنظيم القاعدة، وأهمها دعم المهمة التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان على مدى عقد من الزمن بعد الإطاحة بنظام طالبان أواخر عام 2001.

وفيما يستعد حلف شمال الأطلسي للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسه في حفل مهيب في واشنطن شهر يوليو/تموز المقبل، يواجه الحلف لحظة محورية في تاريخه، فقد شكل الصراع الأوكراني تحديا كبيرا، ولكن حلف شمال الأطلسي ارتقى إلى مستوى الحدث من خلال توفير الدعم العسكري الحاسم لأوكرانيا وإجراء تحول منهجي في تعامله مع روسيا. وقد أدى هذا التطور إلى تعزيز قدرة حلف شمال الأطلسي إلى حد كبير على الدفاع عن بلدانه الأعضاء ضد أي عدوان روسي محتمل. كما دفع الصراع دولا كانت في السابق محايدة مثل السويد وفنلندا إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وبالتالي تعزيز دفاعاتها الشمالية ضد روسيا.

يأتي اختيار مارك روته أمينا عاما جديدا، ليخلف ينس ستولتنبرغ في أكتوبر، خلال لحظة محورية في تاريخ "الناتو". ولا ريب في أن الخبرة الواسعة التي يتمتع بها روته والتي اكتسبها خلال عمله كرئيس سابق لوزراء هولندا تؤهله لمواجهة هذه التحديات والتعامل معها.

ولا شك في أن كييف سترحب ترحيبا كبيرا باختيار روته، رئيس الوزراء الهولندي السابق، الأمين العام المقبل لحلف شمال الأطلسي، فقد كان من أشد المنتقدين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقوة دافعة وراء الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا، وبخاصة من خلال قيادته للجهود الدولية لتزويد القوات الأوكرانية بطائرات مقاتلة أميركية الصنع من طراز "إف-16".

لا شك في أن كييف سترحب ترحيبا كبيرا باختيار روته، رئيس الوزراء الهولندي السابق، الأمين العام المقبل لحلف شمال الأطلسي

يبلغ روته من العمر 57 عاما، وقد خدم لمدة 14 عاما كرئيس لوزراء هولندا وكان مدافعا رئيسا عن الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا، ولشدّ ما أكد على أن هزيمة روسيا في ساحة المعركة في أوكرانيا أمر بالغ الأهمية لضمان أمن أوروبا في المستقبل.

وينبع موقف روته القوي ضد الكرملين من اعتقاده بأن روسيا كانت مسؤولة عن إسقاط طائرة ركاب فوق أوكرانيا عام 2014، وكان بين ركابها 196 مواطنا هولنديا من بين 298 قضوا نحبهم. وقد دفعه هذا الاقتناع إلى الدفع باتجاه قيام حلف شمال الأطلسي بتوسيع قدراته العسكرية لمواجهة موسكو وتحذير زعماء الاتحاد الأوروبي الآخرين من مخاطر الاستهانة بروسيا في عهد بوتين. وحذر روته الأمم المتحدة بعد سبعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا قائلا: "لن يتوقف عند أوكرانيا ما لم نوقفه الآن. هذه الحرب أكبر من أوكرانيا نفسها. إنها تتعلق بدعم سيادة القانون الدولي".

خلال فترة ولايته، زادت هولندا إنفاقها الدفاعي لتتجاوز عتبة 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المطلوبة لأعضاء "الناتو". فقد قدمت البلاد طائرات مقاتلة من طراز "إف-16"، ومدفعية، وطائرات دون طيار، والذخيرة إلى كييف، واستثمرت بكثافة في قواتها المسلحة. وفي الأشهر الأخيرة من توليه منصبه، وقع روته أيضا على اتفاق أمني مدته عشر سنوات مع أوكرانيا.

ولذلك، فإن في اختياره أمينا عاما إشارةً إلى التزام قوي بدعم أوكرانيا وتعزيز القدرات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي ضد العدوان الروسي.

وقد أنشأ مارك روته علاقة قوية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، ولم يتردد في دعمه. ويتذكر روته اجتماعه الأول مع زيلنسكي قبل خمس سنوات، قائلا: "كان من الواضح آنذاك أن هذا الرجل لديه مهمة، وإنني لأحسب أن نجاح أوكرانيا يعتمد إلى حد كبير على التصميم الذي أظهره منذ البداية".

د.ب.أ
مارك روته في صورة مع الأمين العام السابق لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ (يمين) في بداية قمة الناتو عام 2018

في المقابل، أعرب روته عن شكوكه بشأن قوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلا: "لا تبالغوا في تقدير بوتين. لقد تحدثت إلى الرجل كثيرا، وهو ليس قويا كما يبدو".

في أوائل العام الماضي، أشارت المناقشات التي دارت خلف الكواليس حول من سيخلف ستولتنبرغ بشكل متكرر إلى إمكان اختيار وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس كمرشح رئيس. ومع ذلك، فإن أسلوب والاس القتالي وانتقاده للقوى الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا لعدم بذل المزيد من الجهد لدعم أوكرانيا، أدى إلى نفور الكثير من القادة الأوروبيين البارزين. ونتيجة لذلك، سحبت الولايات المتحدة، وهي لاعب رئيس في اختيار الزعيم المقبل لحلف شمال الأطلسي، دعمها لوالاس. وكحل وسط، طُلب من ستولتنبرغ، الذي كان دعمه لأوكرانيا حاسما في حشد الدول الأعضاء في "الناتو"، تمديد فترة ولايته لمدة عام آخر.

اختيار روته أمينا عاما إشارة إلى التزام قوي بدعم أوكرانيا وتعزيز القدرات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي ضد العدوان الروسي

كما اعتبر بعض أعضاء الناتو رئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالاس مرشحة محتملة، لكن موقفها المتشدد تجاه روسيا جعلها خيارا مثيرا للخلاف، وأهدرت فرصة صنع التاريخ من خلال تعيين أول امرأة في قيادة "الناتو".

وفي النهاية، جاءت المنافسة الجادة التي واجهها روته خلال حملته التي استمرت سبعة أشهر لتولي منصب "الناتو" بدلا من الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس. ولذلك، حين قرر يوهانيس سحب ترشحه في النهاية استطاع السياسي الهولندي ضمان نجاحه. وأبلغ يوهانيس حلفاء "الناتو" بانسحابه خلال اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع الوطني. ومع دعم جميع أعضاء "الناتو" الآخرين لروته بالفعل، انضمت رومانيا إلى الأعضاء الـ31 الآخرين في الحلف بتأييد ترشيح روته. وأشار ينس ستولتنبرغ، الذي تنتهي فترة ولايته البالغة عشر سنوات في الأول من أكتوبر، إلى أن روته كان مرشحا "قويا للغاية" ليحل محله.

ولد روته عام 1967 وهو الأصغر بين سبعة أفراد في عائلة من الطبقة الوسطى في لاهاي. وتوفيت زوجة إسحاق، والد روته، الأولى في معسكر اعتقال ياباني في إندونيسيا، فهربت العائلة من المستعمرة السابقة واستقرت في لاهاي، حيث تزوج إسحاق من أخت زوجته الراحلة، والدة روته، وأدار وكالة لبيع السيارات.

درس روته التاريخ وعمل مديرا للموارد البشرية في شركة المنتجات الاستهلاكية المتعددة الجنسيات يونيليفر، ثم أصبح رئيس وزراء هولندا للمرة الأولى في أكتوبر 2010. وقد استقال في يوليو/تموز الماضي بعد أن ثار جدل داخل ائتلافه المكون من أربعة أحزاب حول حدود الهجرة.

ولا يزال روته يعيش في الجزء نفسه من لاهاي الذي نشأ فيه، في منزل اشتراه مع أصدقائه عندما كان طالبا. وهو يركب الدراجة للذهاب إلى العمل، وعندما سلم استقالة حكومته إلى الملك ويليام ألكسندر العام الماضي، قاد سيارته المتهالكة من طراز "ستيشن ساب" إلى القصر الملكي المزخرف.

ويحب مارك روته أن يبقي على حياته الخاصة ملكا له، ولكننا نعرف أنه عازب يقضي إجازته مع والدته في بلدة بوتن في غيلديرلاند. وصورة روته العامة صورة شخص متواضع وعملي ومقتصد يقدر البساطة والعمل الجاد. وهو معروف بموقفه الواقعي الذي يلقى صدى لدى الشعب الهولندي. لقد أدلى بتصريحات تعكس طبيعته الحذرة والمسؤولة، مثل القلق بشأن الديون وتفضيل تنظيف فوضاه، كتلك الحالة التي أصر فيها على أن ينظف بنفسه قهوة سكبها في مبنى البرلمان، رافضا المساعدة من عمال النظافة.

وعلى الرغم من مكانته البارزة في السياسة الأوروبية، يظل روته متواضعا بشكل ملحوظ. فحتى في أثناء خدمته كزعيم للحكومة، بقي لعدة سنوات يدرس الدراسات الاجتماعية مرة واحدة في الأسبوع في مدرسة ثانوية بالعاصمة لاهاي.

وتطلب تأمين دور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي حشد روته لمهاراته الدبلوماسية جميعها، واستطاع أن يقنع المتشككين، بمن في ذلك رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدعم ترشحه. وفي ذلك، قال روته للصحافيين بعد الإعلان عن ترشحه في لاهاي: "لقد استغرق الأمر وقتا طويلا جدا. إنها عملية معقدة، ولكن ذلك شرف كبير لي". ثم ركب دراجته مبتعدا عن العمل.

وأشار متحدث سابق باسم "الناتو" إلى أن روته مناسب لهذا المنصب، فهو "شخص برغماتي وواحد من السياسيين الأوروبيين القلائل الذين استطاعوا أن يطوروا علاقة عمل جيدة ليس مع جو بايدن فحسب، ولكن أيضا مع دونالد ترمب. وقالت أوانا لونجيسكو، المتحدثة الرسمية السابقة باسم "الناتو": "يمكن أن يشكل ذلك رصيدا رئيسا لحلف شمال الأطلسي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني".

ولا ريب في أن قدرة روته على إقامة علاقات قوية مع زعماء العالم ستكون ذات قيمة لا تقدر بثمن في دوره الجديد. وسيواجه التحدي المتمثل في الحفاظ على دعم الحلفاء لقتال أوكرانيا ضد الغزو الروسي مع منع أي تصعيد يمكن أن يجر "الناتو" مباشرة إلى حرب مع موسكو. وقد طور في السابق علاقات جيدة مع الكثير من القادة البريطانيين والأميركيين، ويعتبر على نطاق واسع أحد أنجح زعماء الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي يخوض الآن معركة الترشح لإعادة انتخابه.

ولسوف تثبت هذه التجربة أهميتها الكبرى، خاصة وأن عودة ترمب المحتملة تثير قلق بعض القادة الغربيين بسبب تصريحاته السابقة التي شككت في التزام الولايات المتحدة بدعم حلفاء "الناتو" في حالة تعرضهم لهجوم. وفي مؤتمر ميونيخ الأمني ​​العام الماضي، حث روته القادة على التوقف عن "التذمر والنواح بشأن ترمب"، داعيا إياهم إلى زيادة إنتاج الدفاع والذخيرة، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية.

ومن شأن تعيين روته أن يطمئن أولئك على ضفتي الأطلسي الذين يعتقدون أنه من الأهمية بمكان أن يقدم حلف شمال الأطلسي جبهة موحدة وفعالة في دعمه لأوكرانيا وردع روسيا عن المزيد من العدوان على حدود أوروبا.

يُعرف روته بأسلوبه الإداري أكثر من قيادته الحكيمة. ويقال إن اقتباسه المفضل يأتي من المستشار الألماني السابق هيلموت شميدت الذي قال مرة: "يجب على الأشخاص الذين لديهم رؤى أن يراجعوا طبيبا ليعالجوا أنفسهم"، مما يشير إلى التركيز على الحلول العملية بدلا من الأحلام المثالية. ويعكس شعاره الشخصي المستمد من القول الهولندي المأثور: "اذهب مع التيار، اذهب دائما مع التيار"، قدرته على التكيف والتنقل في المواقف المعقدة.

font change

مقالات ذات صلة