كما اعتبر بعض أعضاء الناتو رئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالاس مرشحة محتملة، لكن موقفها المتشدد تجاه روسيا جعلها خيارا مثيرا للخلاف، وأهدرت فرصة صنع التاريخ من خلال تعيين أول امرأة في قيادة "الناتو".
وفي النهاية، جاءت المنافسة الجادة التي واجهها روته خلال حملته التي استمرت سبعة أشهر لتولي منصب "الناتو" بدلا من الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس. ولذلك، حين قرر يوهانيس سحب ترشحه في النهاية استطاع السياسي الهولندي ضمان نجاحه. وأبلغ يوهانيس حلفاء "الناتو" بانسحابه خلال اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع الوطني. ومع دعم جميع أعضاء "الناتو" الآخرين لروته بالفعل، انضمت رومانيا إلى الأعضاء الـ31 الآخرين في الحلف بتأييد ترشيح روته. وأشار ينس ستولتنبرغ، الذي تنتهي فترة ولايته البالغة عشر سنوات في الأول من أكتوبر، إلى أن روته كان مرشحا "قويا للغاية" ليحل محله.
ولد روته عام 1967 وهو الأصغر بين سبعة أفراد في عائلة من الطبقة الوسطى في لاهاي. وتوفيت زوجة إسحاق، والد روته، الأولى في معسكر اعتقال ياباني في إندونيسيا، فهربت العائلة من المستعمرة السابقة واستقرت في لاهاي، حيث تزوج إسحاق من أخت زوجته الراحلة، والدة روته، وأدار وكالة لبيع السيارات.
درس روته التاريخ وعمل مديرا للموارد البشرية في شركة المنتجات الاستهلاكية المتعددة الجنسيات يونيليفر، ثم أصبح رئيس وزراء هولندا للمرة الأولى في أكتوبر 2010. وقد استقال في يوليو/تموز الماضي بعد أن ثار جدل داخل ائتلافه المكون من أربعة أحزاب حول حدود الهجرة.
ولا يزال روته يعيش في الجزء نفسه من لاهاي الذي نشأ فيه، في منزل اشتراه مع أصدقائه عندما كان طالبا. وهو يركب الدراجة للذهاب إلى العمل، وعندما سلم استقالة حكومته إلى الملك ويليام ألكسندر العام الماضي، قاد سيارته المتهالكة من طراز "ستيشن ساب" إلى القصر الملكي المزخرف.
ويحب مارك روته أن يبقي على حياته الخاصة ملكا له، ولكننا نعرف أنه عازب يقضي إجازته مع والدته في بلدة بوتن في غيلديرلاند. وصورة روته العامة صورة شخص متواضع وعملي ومقتصد يقدر البساطة والعمل الجاد. وهو معروف بموقفه الواقعي الذي يلقى صدى لدى الشعب الهولندي. لقد أدلى بتصريحات تعكس طبيعته الحذرة والمسؤولة، مثل القلق بشأن الديون وتفضيل تنظيف فوضاه، كتلك الحالة التي أصر فيها على أن ينظف بنفسه قهوة سكبها في مبنى البرلمان، رافضا المساعدة من عمال النظافة.
وعلى الرغم من مكانته البارزة في السياسة الأوروبية، يظل روته متواضعا بشكل ملحوظ. فحتى في أثناء خدمته كزعيم للحكومة، بقي لعدة سنوات يدرس الدراسات الاجتماعية مرة واحدة في الأسبوع في مدرسة ثانوية بالعاصمة لاهاي.
وتطلب تأمين دور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي حشد روته لمهاراته الدبلوماسية جميعها، واستطاع أن يقنع المتشككين، بمن في ذلك رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدعم ترشحه. وفي ذلك، قال روته للصحافيين بعد الإعلان عن ترشحه في لاهاي: "لقد استغرق الأمر وقتا طويلا جدا. إنها عملية معقدة، ولكن ذلك شرف كبير لي". ثم ركب دراجته مبتعدا عن العمل.
وأشار متحدث سابق باسم "الناتو" إلى أن روته مناسب لهذا المنصب، فهو "شخص برغماتي وواحد من السياسيين الأوروبيين القلائل الذين استطاعوا أن يطوروا علاقة عمل جيدة ليس مع جو بايدن فحسب، ولكن أيضا مع دونالد ترمب. وقالت أوانا لونجيسكو، المتحدثة الرسمية السابقة باسم "الناتو": "يمكن أن يشكل ذلك رصيدا رئيسا لحلف شمال الأطلسي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني".
ولا ريب في أن قدرة روته على إقامة علاقات قوية مع زعماء العالم ستكون ذات قيمة لا تقدر بثمن في دوره الجديد. وسيواجه التحدي المتمثل في الحفاظ على دعم الحلفاء لقتال أوكرانيا ضد الغزو الروسي مع منع أي تصعيد يمكن أن يجر "الناتو" مباشرة إلى حرب مع موسكو. وقد طور في السابق علاقات جيدة مع الكثير من القادة البريطانيين والأميركيين، ويعتبر على نطاق واسع أحد أنجح زعماء الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي يخوض الآن معركة الترشح لإعادة انتخابه.
ولسوف تثبت هذه التجربة أهميتها الكبرى، خاصة وأن عودة ترمب المحتملة تثير قلق بعض القادة الغربيين بسبب تصريحاته السابقة التي شككت في التزام الولايات المتحدة بدعم حلفاء "الناتو" في حالة تعرضهم لهجوم. وفي مؤتمر ميونيخ الأمني العام الماضي، حث روته القادة على التوقف عن "التذمر والنواح بشأن ترمب"، داعيا إياهم إلى زيادة إنتاج الدفاع والذخيرة، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية.
ومن شأن تعيين روته أن يطمئن أولئك على ضفتي الأطلسي الذين يعتقدون أنه من الأهمية بمكان أن يقدم حلف شمال الأطلسي جبهة موحدة وفعالة في دعمه لأوكرانيا وردع روسيا عن المزيد من العدوان على حدود أوروبا.
يُعرف روته بأسلوبه الإداري أكثر من قيادته الحكيمة. ويقال إن اقتباسه المفضل يأتي من المستشار الألماني السابق هيلموت شميدت الذي قال مرة: "يجب على الأشخاص الذين لديهم رؤى أن يراجعوا طبيبا ليعالجوا أنفسهم"، مما يشير إلى التركيز على الحلول العملية بدلا من الأحلام المثالية. ويعكس شعاره الشخصي المستمد من القول الهولندي المأثور: "اذهب مع التيار، اذهب دائما مع التيار"، قدرته على التكيف والتنقل في المواقف المعقدة.