لطالما كان تعامل الإسلاميين مع الديمقراطية، تعاملا برغماتيا. فعندما ترفع المعارضة لواء المطالبة بنظام ديمقراطي للطعن في شرعية الأنظمة الدكتاتورية أو عندما تكون ضامنة لتحشيد الجمهور في الانتخابات، يكون أول مطالب الإسلاميين ديمقراطية نظام الحكم.
ولا توجد علاقة تربط بين أحزاب الإسلام السياسي والديمقراطية غير الانتخابات. فمنذ تسعينات القرن الماضي كان تعامل الإسلاميين مع الديمقراطية برغماتيا. فهم يؤمنون بالانتخابات فقط. أمّا بقية المبادئ والمرتكزات التي تتعلق بالحقوق والحريات فهي محل نقاش وجدل، وبعضها مرفوض جملة وتفصيلا. حتى الموقف من الانتخابات لم يكن هو نفسه في ستينات القرن الماضي؛ لأن حضورها في الشارع لم يكن يوازي أو ينافس حضور الأيديولوجيات التي كانت تهيمن على الساحة السياسية والفكرية والثقافية.
في العراق القوى الفاعلة في المشهد السياسي، تنتمي من حيث الفكر أو الشعارات إلى حركات الإسلام السياسي، وتحديدا القوى السياسية الشيعية. إذ عندما نتحدث عن الإسلاميين فإنهم يتمثلون في الفاعلين السياسيين الشيعة، وهم منذ تصدرهم نتائج أول انتخابات بعد تغيير نظام الحكم، إلى يومنا هذا يتربعون على سدة الحكم.
لكن، حتى مواقفهم من الالتزام بالانتخابات لا يبدو مبدئيا، إنما هو مرتهن بنتائجها، فإذا كانت النتيجة الفوز والحصول على مقاعد برلمانية تؤهلهم لتقاسم غنائم السلطة، عندها تتم الإشادة بالانتخابات ويتحولون مدافعين عنها أكثر من منظّري الديمقراطية أنفسهم. أما إذا كانت النتائج تشير إلى خسارة فادحة أو الحصول على مقاعد أقل من المتوقع، فهنا تتعالى الصيحات بالتزوير والطعن وتُستَحضَر كل نظريات المؤامرة التي يمكن لها أن تبرر الخسارة، وبالتأكيد لا ننسى فرضية دول خارجية تآمرت وسخّرت كل طاقاتها وجهودها للتلاعب بنتائج الانتخابات.
طوال السنوات الماضية كانت وظيفة نتائج الانتخابات الرئيسة في العراق، منح الشرعية لنظام الصفقات والتوافقات بين الزعماء السياسيين. وذلك نتاج تفكير مأزوم بالديمقراطية بصورةٍ عامة والانتخابات تحديدا، لأن زعامات الطبقة السياسية تعتقد أن أي خسارة في الانتخابات سوف لا تنحصر في عدد المقاعد وإنما تكمن في إمكانية خروجها من حلبة التنافس على السلطة والنفوذ حيث عملت طوال أكثر من عشرين عاما على تأسيس المنظومة السياسية وفق قواعد تقاسم غنائم السلطة وتحويل الدولة ومؤسساتها إلى دوائر لِزبائن وحاشية زعماء الأحزاب.
"الديمقراطية" في العراق نموذج هجين، فهي توافقية عند تشكيل الحكومات وتقاسم السلطة، في الكثير من القرارات يراد فرضها بإرادة الأغلبية المكوناتية الطائفية. لذلك القيادات السياسية التي كانت تَتصدَّر المشهدَ طوال السنوات الماضية تريد ترسيخ مبادئ جديدة لنموذجٍ ديمقراطي يختصرها إلى صفقات وتفاهمات بين الزعماء السياسيين، وإذ استشعرت خطر تبعات خسارتها في الانتخابات بدأت تسوّق خطابا سياسيا يحمل في طياته نبرات التحذير من الانقلاب على بنية التوافقات، على اعتبار أن هذا الانقلاب يؤدّي إلى تهديد السِلمِ الأهلي أو يقودنا إلى حربٍ أهلية. وعندما تكون لها الأغلبية داخل البرلمان تحاول تمرير الكثير من القرارات تحت مبدأ إرادة الأغلبية التي تتشكل المكونات منها.