بموافقة "مجلس صيانة الدستور" الإيراني على ستة مرشحين فحسب، ينتمون بأغلبيتهم المطلقة إلى التيار المتشدد من المقربين للمرشد علي خامنئي، لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر الجاري، من أصل ثمانين مرشحا، من بينهم أربعة نساء، وفي وقت قالت أنباء متطابقة إن المرشحين تلقوا "تعليمات عليا" بعدم خوض نقاشات يمكن لها أن تضر "الوحدة الوطنية"، فيما يخص قضايا الأقليات القومية في البلاد، فإن ما سيجري في إيران هو "وظيفة الانتخابات الرئاسية"، وليس الانتخابات بحد ذاتها، أو كما قال المرشد الأعلى بأنها "تحديد الرئيس"، وليس انتخابات.
ثلاثة من المرشحين الستة ينحدرون من مدينة مشهد الشمالية الشرقية، التي صارت طوال العقدين الماضيين مركزا سياسيا استثنائيا في إيران. إذ لُوحظ في أوساط الباحثين السياسيين المهتمين بإيران، كيف أن أعضاء في النُخبة العليا من النظام، سواء في الجيش أو "الحرس الثوري" أو أجهزة القضاء والسياسة والإدارة، صاروا يتعاضدون فيما بينهم بناء على انحدارهم من محافظة خرسان (مدينة مشهد عاصمة المحافظة)، معللين ذلك بمركزية الهويتين القومية الفارسية والطائفية الشيعية في تلك المنطقة، التي تضم وحدها "الأضرحة الدينية المقدسة"، وهي مسقط رأس المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الراحل إبراهيم رئيسي والمرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني.
الأكثر إثارة للانتباه، أن المرشحين الاثنين الأكثر ترجيحا للفوز بالمنصب، اللذين يرى فيهما المرشد الأعلى صورة عن الرئيس الراحل رئيسي، كإداريين مطيعين تماما لتوجيهات المرشد، رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين ومدير مكتب خامنئي سعيد جليلي، إنما ينحدران من المحافظة ذاتها. وهو شيء تكرر في الانتخابات السابقة 2021، حينما واجه قاليباف نفسه الرئيس إبراهيم رئيسي، وانسحب لصالحه، لتكون الرئاسة من حصة مدينة مشهد.
قُبالة هؤلاء، رفض "مجلس صيانة الدستور" ترشح العضو البارز في أعلى هرم النظام ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، المنحدر من إقليم مازندران الشمالي، والذي كان يُمثل مع أعضاء آخرين حساسية أبناء العاصمة ونُخبتها التجارية تجاه استبعادهم المتواصل من مركز القرار، لصالح مدينتي قُم ومشهد.
بدلا عنه، تم قبول ترشيح عمدة طهران المثير للجدل علي رضا زاكاني، المتهم بقضايا فساد واسعة النطاق، وهو أحد المُلاحقين والمُعاقبين من قِبل عدد من دول العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة، لاتهامه بارتكاب "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"، حينما شغل منصب رئيس "منظمة الباسيج الطلابية"، التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني، التي قمعت الكثير من المظاهرات والحركات المناهضة للنظام الحاكم.
إذ يرى المراقبون في ترشيح زاكاني مجرد إرضاء دون قيمة لكل من مدينتي قم وطهران، لأنه لا يملك أية حظوظ للفوز بالمنصب. ومثله أيضا المرشح المنحدر من مدينة قم مصطفى بور محمدي، وزير العدل السابق وأحد أقوى رجالات جهاز الاستخبارات، المتهم من قِبل المعارضة والمنظمات الحقوقية الإيرانية والعالمية كمرتكب لـ"أفظع الجرائم" بحق المعتقلين السياسيين، والشريك للرئيس السابق فيما سُميت "لجنة الموت"، التي أصدرت قرارات قضائية بحق آلاف المعتقلين السياسيين أواخر الثمانينات من القرن المنصرم. وهو أيضا لا يمتلك أية حظوظ للفوز بالمنصب.