خطة هوكشتاين للبنان... الحرب قد تتأجل لكن وقوعها حتمي

 أ ف ب
أ ف ب
الموفد الاميركي الخاص آموس هوكشتين يتحدث الى وسائل الاعلام بعد اجتماعه برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في بيروت في 18 يونيو

خطة هوكشتاين للبنان... الحرب قد تتأجل لكن وقوعها حتمي

بعد تسعة أشهر من الصراع بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، أخذت المناوشات متوسطة الحدة تتصاعد بين إسرائيل وميليشيا "حزب الله" الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران. وفيما تستهدف إسرائيل بشكل متزايد كبار القادة العسكريين في "الحزب"، يشن الأخير هجمات تدريجية جنوبا عبر الحدود، في الوقت الذي تسخن فيه حدة الخطاب بين الطرفين.

وفي الأسبوع الماضي، حذّر زعيم "حزب الله" حسن نصر الله قائلا: "على إسرائيل أن تشعر بالخوف". وبيّن أنه في حالة نشوب حرب، "فلن يكون هناك مكان آمن من صواريخنا وطائراتنا المسيرة". وفي غضون ذلك، حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من نشوب صراع "على نطاق مختلف" ضد "حزب الله".

وفي حين تفضل إسرائيل و"حزب الله" تأجيل أو تجنب ما يمكن أن يكون صراعا فتاكا ومكلفا للغاية، فإن وقوع حرب أخرى يبدو على نحو متزايد أمرا لا مفر منه. والحق أنه منذ هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول والتعبئة اللاحقة لوكلاء إيران الإقليميين ضد إسرائيل، بقي تركيز واشنطن على الجهود الرامية إلى تهدئة الوضع ومنع الصراع من التوسع. لكن إدارة الرئيس بايدن، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة، تقصر في بلوغ هذه الأهداف، بينما أخذ الوقت لمنع التدهور في النفاذ.

وتتمثل استراتيجية إدارة بايدن لمنع هذه الحرب في مبادرة دبلوماسية يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للفصل بين القوات الخاصة الإسرائيلية ووحدات القوات الخاصة التابعة لـ"حزب الله" المعروفة باسم "الرضوان." وبعد 7 أكتوبر، قامت إسرائيل بإجلاء حوالي 70 ألف مواطن من منطقة حدودها الشمالية، خوفا من أن تحاكي "قوات الرضوان" تكتيكات "حماس" وتعبر الحدود لاختطاف إسرائيليين. والحق أن "حماس" هي من استعار تكتيك "حزب الله". ففي عام 2018، اكتشفت إسرائيل وكشفت علنا عن أربعة أنفاق أنشأها "الحزب" والتي عبرت الحدود إلى الأراضي الإسرائيلية. وقد تم تصميم هذه الأنفاق لتسهيل الهجمات السرية وعمليات الاختطاف المحتملة. وفي ذلك الوقت، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن "حزب الله" كان يعتزم استخدام هذه الأنفاق للتسلل إلى إسرائيل واختطاف إسرائيليين.

فلا عجب إذن من أن تصر إسرائيل، في سعيها لكي يعود هؤلاء السكان إلى بيوتهم، على ضرورة تغيير الوضع الراهن على طول الحدود، إما من خلال الدبلوماسية أو بقوة السلاح. وتلتزم إسرائيل بإقامة منطقة عازلة خالية من "حزب الله" على طول حدودها الشمالية في جنوب لبنان.

ويتلخص الحل الذي يقترحه هوكشتاين في إحياء وتنفيذ نسخة معدلة من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى فعليا الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في عام 2006، والذي كان يهدف– من بين الأحكام الأخرى– إلى منع "حزب الله" من الانتشار جنوب نهر الليطاني على طول الحدود مع إسرائيل. ومع ذلك، كانت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تفتقر إلى القدرة والإرادة لمنع الحزب من إعادة ترسيخ وجوده على الحدود.

والآن، يسعى المبعوث الأميركي إلى التوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه أن ينقل قوات "حزب الله" إلى مسافة 7 كيلومترات تقريبا شمال الحدود– إلى حدود نهر الليطاني تقريبا– ونشر عدة آلاف من جنود الجيش اللبناني في مكانهم، مقابل أن تنهي إسرائيل تحليق الطائرات والمسيرات الإسرائيلية في سماء لبنان، وستبدأ إسرائيل ولبنان مناقشات حول النقاط الحدودية المتنازع عليها على طول ما يسمى "الخط الأزرق"، مما قد يؤدي إلى إعادة توحيد بلدة غجر المتنازع عليها لصالح لبنان.

تصر إسرائيل، في سعيها لكي يعود هؤلاء السكان إلى البلدات الشمالية، على ضرورة تغيير الوضع الراهن على طول الحدود، إما من خلال الدبلوماسية أو بقوة السلاح

أخيرا، ووفقا لاقتراح هوكشتاين، سوف تعزَّز قوات اليونيفيل المنتشرة في جنوب لبنان، والتي يبلغ قوامها 13 ألف جندي– وهي بالفعل أكبر قوت دولية لحفظ السلام عددا بالمقارنة مع المساحة التي تشغلها في العالم– بمراقبين إضافيين، ربما من ألمانيا، لتحسين مراقبة جهود "حزب الله" للخداع وإعادة نشر قواته في المناطق المحظورة  والإبلاغ عن ذلك في حال وقوعه. 

 رويترز
آلية مدرعة تابعة لقوات حفظ السلام الدولية "يونيفيل" في جنوب لبنان في 11 اكتوبر 2022


ولسوف يلبي هذا الترتيب، إذا ما جرى الاتفاق عليه، مطلب إسرائيل بدفع "قوات الرضوان" إلى التراجع، ما يسمح لسكان الشمال بالعودة إلى منازلهم بشكل مؤقت. وحتى لو لم يستمر الاتفاق، كما يتوقع الكثيرون، فإنه سيمنح الجيش الإسرائيلي فترة راحة يحتاجها بشدة قبل الصراع التالي. وفي الوقت نفسه، من شأنه أن يقدم لـ"حزب الله" نصرا ملموسا من خلال استعادة المزيد من الأراضي اللبنانية من خلال العمليات العسكرية ضد إسرائيل. ومن المرجح أن يحتفل التنظيم بهذه النتيجة باعتبارها "نصرا إلهيا" ثانيا، على غرار روايته بعد حرب عام 2006.
وعلى الرغم من هذه الفوائد المحتملة لكلا الجانبين، فإن مبادرة هوكشتاين لا تزال تكافح من أجل اكتساب المزيد من الثِقَل، ومع تسرب الوقت، يبقى الزمن هو القضية الأساسية. وعلى الرغم من أن "حزب الله" لا يريد حربا واسعة النطاق، فإنه يظل ملتزما بحملة المقاومة ضد إسرائيل إلى أن يتم التوصل إلى وقف رسمي لإطلاق النار بين إسرائيل و"حماس". ولذلك لا تزال هذه الهدنة، التي تتطلب على الأقل عودة الرهائن الإسرائيليين ووقف الأعمال العدائية، بعيدة المنال وتبدو هدفا بعيد التحقق.
وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطا داخلية متزايدة لإعادة مواطنيها إلى الشمال في الوقت المناسب لبدء العام الدراسي 2024 في أواخر سبتمبر/أيلول. وفي غياب وقف إطلاق النار في غزة ومع اقتراب شهر سبتمبر، تقوم إسرائيل بتصعيد أعمالها في لبنان. ويتعرض كبار قادة "حزب الله" البارزين للقتل بشكل شبه يومي. ويقوم "حزب الله" أيضا بتصعيد أعماله، حيث قام مؤخرا بإطلاق طائرات استطلاع دون طيار فوق حيفا واستهدف بلدات إسرائيلية في الجنوب حتى الجليل الأدنى.
ومع ذلك، لا يزال من الممكن تجنب الحرب. يقال إن إسرائيل في المراحل النهائية من حملتها العسكرية في رفح، ومن المتوقع أن تعلن الدولة اليهودية نهاية "العمليات القتالية الكبرى" في الأسابيع المقبلة، ولكن من دون وقف رسمي لإطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، لن يكون من المرجح أن يتوقف "حزب الله" عن عملياته بشكل كامل، وخاصة إذا استمرت إسرائيل في توجيه ضربات دورية ضد تشكيلات "حماس" التي عادت إلى الظهور في غزة.
وعلى الرغم من خسارة ما يقرب من 400 من عناصره والتهجير المستمر لنحو 70 ألفا من الناخبين الشيعة من جنوب لبنان، يبدو "حزب الله" مرتاحا نسبيا للوضع الحالي ولا نراه في عجلة من أمره لتقديم تنازلات. بيد أن الحكومة الإسرائيلية، في المقابل، تتعرض لضغوط كبيرة لتغيير الوضع الراهن في جنوب لبنان وتسهيل العودة الآمنة لمواطنيها إلى الشمال. إن مجرد وقف الأعمال العدائية لن يكون كافيا، الأمر الذي قد يدفع إسرائيل في نهاية المطاف إلى تكثيف عملياتها ضد "حزب الله". ومع استمرار "الحزب" في إطلاق النار على عمق أكبر داخل إسرائيل، تزداد فرص وقوع إصابات جماعية في صفوف المدنيين، ما يشكل بدوره سببا محتملا آخر للحرب.
يدرك الجيش الإسرائيلي العواقب الوخيمة للحرب مع "حزب الله". ولعل ذلك الصراع إن وقع سيكون الأكثر تكلفة في تاريخ إسرائيل من حيث الخسائر العسكرية والمدنية، فضلا عن الأضرار التي قد تلحق بالبنية التحتية. وفوق ذلك، قد تجد إسرائيل نفسها أيضا في حالة حرب مع إيران، مما يزيد من تفاقم الوضع. ومن المرجح أن يكون الثمن بالنسبة للبنان أعلى من ذلك.

يبدو "حزب الله" مرتاحا نسبيا للوضع الحالي ولا نراه في عجلة من أمره لتقديم تنازلات. بيد أن الحكومة الإسرائيلية، في المقابل، تتعرض لضغوط كبيرة لتغيير الوضع الراهن في جنوب لبنان

وقد تنجح الدبلوماسية الأميركية في نهاية المطاف في التوصل إلى تفاهم، على غرار الاتفاق الذي توصل إليه وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستوفر في عام 1996 بعد عملية "عناقيد الغضب" التي شنتها إسرائيل ضد "حزب الله". ولكن أي ترتيب من هذا القبيل سيكون على الأغلب ترتيبا قصير الأجل. بعد هجوم 7 أكتوبر والهجمات اللاحقة التي لا هوادة فيها من قبل وكلاء إيران الإقليميين في اليمن والعراق والهجوم الصاروخي غير المسبوق الذي شنته إيران في 13 أبريل/نيسان، ستتبنى إسرائيل بالضرورة موقفا أكثر استباقية في مواجهة تهديداتها المباشرة. ومن المؤسف أن إنهاء الحرب في غزة لن يخفف من التهديد الذي يشكله "حزب الله". ورغم أن الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" قد تتأجل، فإن صراعا واسع النطاق قد يصبح أمرا لا مفر منه في نهاية المطاف.

font change

مقالات ذات صلة