بعد تسعة أشهر من الصراع بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، أخذت المناوشات متوسطة الحدة تتصاعد بين إسرائيل وميليشيا "حزب الله" الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران. وفيما تستهدف إسرائيل بشكل متزايد كبار القادة العسكريين في "الحزب"، يشن الأخير هجمات تدريجية جنوبا عبر الحدود، في الوقت الذي تسخن فيه حدة الخطاب بين الطرفين.
وفي الأسبوع الماضي، حذّر زعيم "حزب الله" حسن نصر الله قائلا: "على إسرائيل أن تشعر بالخوف". وبيّن أنه في حالة نشوب حرب، "فلن يكون هناك مكان آمن من صواريخنا وطائراتنا المسيرة". وفي غضون ذلك، حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من نشوب صراع "على نطاق مختلف" ضد "حزب الله".
وفي حين تفضل إسرائيل و"حزب الله" تأجيل أو تجنب ما يمكن أن يكون صراعا فتاكا ومكلفا للغاية، فإن وقوع حرب أخرى يبدو على نحو متزايد أمرا لا مفر منه. والحق أنه منذ هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول والتعبئة اللاحقة لوكلاء إيران الإقليميين ضد إسرائيل، بقي تركيز واشنطن على الجهود الرامية إلى تهدئة الوضع ومنع الصراع من التوسع. لكن إدارة الرئيس بايدن، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة، تقصر في بلوغ هذه الأهداف، بينما أخذ الوقت لمنع التدهور في النفاذ.
وتتمثل استراتيجية إدارة بايدن لمنع هذه الحرب في مبادرة دبلوماسية يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للفصل بين القوات الخاصة الإسرائيلية ووحدات القوات الخاصة التابعة لـ"حزب الله" المعروفة باسم "الرضوان." وبعد 7 أكتوبر، قامت إسرائيل بإجلاء حوالي 70 ألف مواطن من منطقة حدودها الشمالية، خوفا من أن تحاكي "قوات الرضوان" تكتيكات "حماس" وتعبر الحدود لاختطاف إسرائيليين. والحق أن "حماس" هي من استعار تكتيك "حزب الله". ففي عام 2018، اكتشفت إسرائيل وكشفت علنا عن أربعة أنفاق أنشأها "الحزب" والتي عبرت الحدود إلى الأراضي الإسرائيلية. وقد تم تصميم هذه الأنفاق لتسهيل الهجمات السرية وعمليات الاختطاف المحتملة. وفي ذلك الوقت، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن "حزب الله" كان يعتزم استخدام هذه الأنفاق للتسلل إلى إسرائيل واختطاف إسرائيليين.
فلا عجب إذن من أن تصر إسرائيل، في سعيها لكي يعود هؤلاء السكان إلى بيوتهم، على ضرورة تغيير الوضع الراهن على طول الحدود، إما من خلال الدبلوماسية أو بقوة السلاح. وتلتزم إسرائيل بإقامة منطقة عازلة خالية من "حزب الله" على طول حدودها الشمالية في جنوب لبنان.
ويتلخص الحل الذي يقترحه هوكشتاين في إحياء وتنفيذ نسخة معدلة من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى فعليا الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في عام 2006، والذي كان يهدف– من بين الأحكام الأخرى– إلى منع "حزب الله" من الانتشار جنوب نهر الليطاني على طول الحدود مع إسرائيل. ومع ذلك، كانت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تفتقر إلى القدرة والإرادة لمنع الحزب من إعادة ترسيخ وجوده على الحدود.
والآن، يسعى المبعوث الأميركي إلى التوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه أن ينقل قوات "حزب الله" إلى مسافة 7 كيلومترات تقريبا شمال الحدود– إلى حدود نهر الليطاني تقريبا– ونشر عدة آلاف من جنود الجيش اللبناني في مكانهم، مقابل أن تنهي إسرائيل تحليق الطائرات والمسيرات الإسرائيلية في سماء لبنان، وستبدأ إسرائيل ولبنان مناقشات حول النقاط الحدودية المتنازع عليها على طول ما يسمى "الخط الأزرق"، مما قد يؤدي إلى إعادة توحيد بلدة غجر المتنازع عليها لصالح لبنان.