سارع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى تأييد الاتفاق الشامل الذي اقترحته الولايات المتحدة بخصوص الحرب في غزة، وأعلن أنه "يعمل مع الشركاء في المنطقة من أجل السلام والأمن للجميع". هكذا، تتفاعل فرنسا مع متغيرات الشرق الأوسط وتسعى للبقاء في نادي الدول المؤثرة للدفاع عن مصالحها ودورها الدبلوماسي.
ألقت مسألة عدم الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية ومقاربة باريس لحدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتتماته، بظلالهما على موقع فرنسا القيادي في الاتحاد الأوروبي. في المقابل، استمرت مساعي فرنسا بخصوص الملفات اللبنانية وإصرارها على إنجاز تقدم من دون أن يكون هناك يقين من تحققه. وهذا الأداء الفرنسي المتأرجح في الشرق الأوسط يعبر عن ارتباك في الخيارات وعن مواصلة سلسلة النكسات على أكثر من مسرح خارجي.
التأرجح الفرنسي حيال المسألة الفلسطينية
كان من اللافت أن تعترف ثلات دول أوروبية جديدة بدولة فلسطين (إسبانيا وأيرلندا والنرويج) من أجل إنقاذ ما تبقى من "حل الدولتين" وأن ترفض باريس هذه الخطوة على لسان الرئيس ماكرون لأن الوقت المناسب للقيام بهذه البادرة الدبلوماسية لم يحن بعد ولأنه لا يريد "اتخاذ قرارات تحت وقع المشاعر". ويعبر ذلك تماما عن التأرجح الفرنسي منذ 7 أكتوبر وعدم القدرة على الانتقال من موقع منحاز تماما لإسرائيل إلى موقف متوازن وفعال. بيد أنه في الوقت نفسه تدرس باريس بعناية طرق الاعتراف المحتمل، وتسعى للتنسيق مع بعض الشركاء الأوروبيين لجعل هذه "البادرة الدبلوماسية مفيدة".
داهمت الحرب الشرق الأوسط وانعكست على أوروبا وفرنسا تحديدا بينما كانت الدبلوماسية الفرنسية بتوجيه من الإليزيه لا تزال تبحث منذ عدة سنوات عن "معايير جديدة" لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي طال أمده. وانتهى الأمر بإيمانويل ماكرون إلى توضيح موقفه بعد تردد وتأخر عبر إعلان رفضه "التأجيل الممنهج" لتنفيذ حل الدولتين، لكنه سرعان ما ربط رؤية الاعتراف بديناميكية مفيدة قوامها تنفيد الكثير من الإصلاحات في السلطة الفلسطينية وتحقيق التوازن الإقليمي وضم شركاء أوروبيين إليها وتقديم الضمانات الأمنية لإسرائيل والفلسطينيين.
بالنسبة للسلطة الفلسطينية، يكشف مصدر فرنسي عن "رهان ماكرون على تغيير القيادة الفلسطينية والدفع برئيس الوزراء الجديد محمد مصطفى على رأس السلطة الفلسطينية". لكن هذا الرهان لا يبدو قابلا للتحقق مع رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستعادة السلطة دورها، ولأن الرئيس محمود عباس لا يبدو مستعدا للتخلي عن منصبه، ولأن حركة "حماس" تشبّه حكومته بحكومة فيشي الفرنسية تحت الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية.
أما مسألة التوازن الإقليمي التي يضعها ماكرون على جدول أعماله التمهيدي للاعتراف وربط ذلك بالتطبيع العربي-الإسرائيلي، فدونه عقبة كبيرة وهي ربط المفاوضات الحالية التي تقودها واشنطن بشرط عربي جديد: شروع إسرائيل في "طريق لا رجعة فيه نحو الدولة الفلسطينية"... لذلك، فإن "التوازن الإقليمي" الجديد الذي يتحدث عنه ماكرون، قد لا يرى النور قريبا.