ليست "النظرية الفرنسية" French Theory مفهوما فلسفيا، وإنّما هي اسم أطلق على "تلقي" بعض جامعات الولايات المتحدة الأميركية لمزيج من النظريات الفلسفية والأدبية والاجتماعية التي كانت فرنسا مهدا لها، وكذا على ما كان لذلك من امتداد وصدى هنا وهناك. انبثقت هذه التسمية من الجامعات ومراكز البحث الأميركية خلال سبعينات القرن الماضي، انطلاقا من فلسفات عرفت النور في فرنسا خلال الستينات. وقد لاقت هذه "النظرية" نجاحا في أقسام الدراسات الإنسانية ابتداء من 1980 حيث ساهمت في ظهور ما عرف بـ"الدراسات الثقافية"، و"دراسات الجندر" و"الدراسات ما بعد الاستعمارية"، وقد كانت الأبحاث الجامعية الأميركية تضم كل ذلك تحت اسم "ما بعد البنيوية". على هذا النحو، يمكننا أن نقول إن "ما بعد البنيوية" قد ظهر أمام متلقين جامعيين أميركيين بعد 1966، فكان صناعة أميركية جاءت تطويرا لمنتوج فرنسي.
فكر 68
يشمل هذا التيار الأسماء الفرنسية جميعها التي كانت تحوم حول ما عرف بـ"فكر 68" ابتداء من لوي ألتوسير وسيمون دوبوفوار وميشال فوكو، وجاك لاكان وجيل دولوز وجوليا كريستيفا وجان فرانسوا ليوتار وروني جيرار وجاك دريدا وجان بودريار. أما في الجانب الأميركي فأشهر أسماء هذه النظرية، جوديث باتلر وإدوارد سعيد وريتشارد رورتي وإيف كوسوفسكي.
إذا كان ميلاد "النظرية الفرنسية" قد تمّ، بلا منازع، في الولايات المتحدة، فإن الفلسفة الفرنسية لسنوات 1960-1980 لم تعبر المحيط كي تهاجر جاهزة مكتملة، وإنما تشكلت أيضا هناك. فقد ظهرت، وتجلت لنفسها، عل الأقل في جزء منها، في سياق أكاديمي أميركي. لتبين ذلك، وإبراز مدى متانة العلاقة بين بعض الجامعات الأميركية وبعض المفكرين الفرنسيين المعاصرين، يكفي أن نأخذ مثل جاك دريدا، فقد عبر المحيط الأطلسي لأول مرة سنة 1956، بعد أن اجتاز شهادة الامتياز في الفلسفة، فاستقر في هارفارد مدة سنة كاملة كـ"مستمع خاص"، وقرأ جيمس جويس لأول مرة في "مكتبة ويدنير". كما شرع في ترجمة كتاب إدموند هوسرل، "أصل الهندسة"، في كامبريدج. وفي ما بعد، لم ينفك يزور الولايات المتحدة. وابتداء من 1975 أصبح يشغل منصب أستاذ زائر في جامعات أميركية مشهورة. واستمر الأمر على هذه الحال حتى أواخر حياته. وليست حال دريدا فريدة من نوعها. يمكننا أن نذكر أسماء أخرى كبول ريكور وجان بودريار.