فاطمة النمر لـ"المجلة": الذكاء الاصطناعي فرصة لتطوير الآفاق الإبداعية

تسعى إلى تجسيد هويتها السعودية في أعمالها

فاطمة النمر

فاطمة النمر لـ"المجلة": الذكاء الاصطناعي فرصة لتطوير الآفاق الإبداعية

تجمع الفنانة فاطمة النمر في أعمالها بين التقنيات الحديثة والعناصر التراثية، لتحقق التوازن الذي ينسجم مع هويتها السعودية العربية. فالنمر التي بدأت رحلتها الإبداعية عام 1999، تستخدم في أعمالها وسائل تعبير مختلفة، منها الفنون البصرية، وفن الوسائط المتعددة، والكولاج والطباعة.

خلال مسيرتها أقامت 11 معرضا فرديا في مراكز فنية ومتاحف عالمية، من بينها معرض الفن المعاصر في متحف الفن الحديث في السويد، ومعرض "طريق البخور" في قصر "اليونسكو" في باريس، ومعارض أخرى في الشارقة والقاهرة. كما تحفل أجندتها بما هو جديد حيث ستشارك خلال الأشهر المقبلة في معارض تقام في باريس ولندن ودبي وقطر. ويبقى مرسمها هو النواة الأولى التي تبدع فيها أعمالها ومن هنا كانت بداية حديثها إلى "المجلة".

  • يقع مرسمك في القطيف وهو مطل على الخليج وعلى حديقة مليئة بالأشجار، فكيف ينعكس هذا التنوع الطبيعي على أعمالك؟

هذا التنوع الطبيعي يجد انعكاسا واضحا في أعمالي الفنية. كابنة للبحر، أجد الإلهام اللازم في جمال المحيط وسحر الطبيعة البحرية، مما يعكس تواصلي العميق مع بيئة المنطقة وثقافتها. ولذلك أسعى دائما الى تجسيد جوهر هذه البيئة الساحرة وروح حياة أهلها في أعمالي، باستخدام الألوان والزخارف والتفاصيل الدقيقة. إن لوحاتي تعبر عن انتمائي العميق الى هذه البيئة، وتعزز الروابط العاطفية والثقافية.

تلهمني الشخصيات النسائية بشجاعتها وتفانيها وإرادتها لتحقيق التقدم الإيجابي

  • المرأة هاجس لديك، فما الذين تريدين التعبير عنه من الحضور النسائي في أعمالك؟

في أعمالي، أعتبر المرأة بطلة تاريخية أو شخصية أسطورية، تبرز ثقافتنا وتاريخنا وتعكس جماله وقوته بأسلوب فني مميز. أستخدم الشكل الإنساني والشخصيات الواقعية لأبرز ثقافتنا وقيمنا وأعطي كل قطعة من أعمالي قصة ملهمة عن المرأة السعودية وقدرتها على التألق والتميز في مختلف المجالات. من خلال تراثنا وثقافتنا العربية، أجد الإلهام لخلق أعمال فنية تعبر عن الجمال والأصالة وقيمنا المجتمعية. فأعمالي تسعى إلى تمكين المرأة وتحريرها، وتعزيز قدرتها على تحقيق الأحلام والتميز في حياتها.

  • تحرصين على التنوع في ما تقدمينه عن المرأة، أليس كذلك؟

بالفعل، أركز في أعمالي الفنية على الاستدلال بجمال البيئة والطبيعة المحلية، وربطه بماضينا التاريخي وتراثنا الثري. من خلال استخدام مختلف المنسوجات والمواد المعاد تدويرها، أحاول خلق قطع فنية تحمل تفاصيل وقصصا عن المرأة العظيمة، تلك التي تروي حكايات الصمت إلى اكتشاف الذات والسلام الداخلي. باختصار، المرأة في أعمالي تعني تاريخ الجمال وثقافته، وهي مصدر إلهام دائم يساعدني في تقديم أعمال فنية ملهمة ومعبرة.

  • هل هناك شخصية نسائية محددة تلهمك؟   

كل الشخصيات النسائية تلهمني بشجاعتها وتفانيها وإرادتها لتحقيق التقدم الإيجابي في المجتمعات والعالم سواء، فأنا بهن أتأثر وأؤثر وأفتخر كوني واحدة منهن.

  • لكنك وثقت شخصيات نسائية محددة؟

نعم من خلال معرض "دخون"، المشروع الوثائقي الذي استلزم مني تسع سنوات من البحث، ركزت فيها على توثيق واستكشاف حياة وإنجازات النساء الملهمات من شبه الجزيرة العربية. مثل قصة سلمى وموضي بسام، وفاطمة أميرة شمال، وقصص نساء أخريات، اخترت قصصهن بعناية بعد جهد وبحث شاق في مناطق السعودية.

ويستند المعرض إلى جهود فنية وتحليلية متعمقة، حيث قمت بجولة بحثية لتسجيل وتوثيق سير وحياة مجموعة من النساء بعناية فائقة. بدأت هذه الرحلة الفنية عندما شعرت بالحاجة إلى تسليط الضوء على تاريخ النساء الملهمات وتوثيق إرثهن في تاريخ السعودية وتنظيم سلسلة من المعارض، بداية من معرض "ريحانة" وانتهاء بـ"دخون".

تمكنت من اكتشاف العديد من القصص المؤثرة والمثيرة التي تعكس تحديات ونجاحات تلك النساء. ولهذا تمكن المعرض من إلهام وتعزيز الوعي بدور المرأة السعودية في المجتمع والعالم وإشراك الجمهور في حوار مهم حول التراث والهوية الثقافية. 

معرض "دخون" يقدم تجربة إرث ثقافية وتعليمية غنية، تمزج بين الجمال الفني والتأمل في تأثير النساء في صنع التاريخ والتطور الثقافي.

  • هل واجهتك تحديات كونك امرأة؟

بالطبع، كوني امرأة يعني مواجهة تحديات يومية متعددة، ومن أجل التغلب عليها، استخدمت استراتيجيات متعددة مثل بناء الثقة بنفسي، وتطوير مهاراتي الفنية والشخصية، والاستفادة من دعم الأصدقاء والعائلة الذين كانوا دائما بجانبي. كما عملت على زيادة الوعي بقضايا تهمني، مما ساعدني في تخطي التحديات بثقة وإيجابية.

قصص التحولات

  • كيف تؤثر هويتك السعودية على أعمالك؟  

هويتي السعودية تعكس تجربة شخصية وثقافية محددة، في رسالة أريد إيصالها تبين تعددية الثقافات والتواصل الإنساني بين مختلف الثقافات والمجتمعات. أرغب في تقديم صورة إيجابية ومثيرة للفضول عن التنوع والتفاعل الإيجابي بين الشعوب والثقافات، من خلال تقديم قصص تعكس الحياة اليومية والتحولات التي مر بها المجتمع السعودي، أتطلع لأن تثير أعمالي النقاشات البناءة والتفكير العميق في قضايا متنوعة تهم المجتمع بشكل عام، مع تأكيد أن الفن لا يعرف حدودا ويستطيع أن يوحد العالم بروحه الجمالية والإبداعية.

أرغب في أن يشعر المشاهدون بالانتماء العميق والعاطفة تجاه تراثنا وتاريخنا الخالد، حتى يتمكنوا من الشعور بالهوية والثقة في أصالتهم وجذورهم. وعند مشاهدة قصص نساء سعوديات، أريدهم أن يستلهموا قوة هؤلاء النساء وإرداتهن في مواجهة التحديات.

أتطلع لأن تثير أعمالي النقاشات البناءة والتفكير العميق في قضايا متنوعة

  • ما الأسئلة التي تسعين إلى طرحها في أعمالك؟

أعتقد أن الفن لا يتعلق فقط بالجمال البصري، بل يعبر أيضا عن تساؤلات وأفكار وعواطف. الأسئلة المطروحة هي جزء من تجارب تشجع على التفكير والتأمل والتحليل. أما الأسئلة التي تتكرر في أعمالي، فتتعلق غالبا بمفاهيم مثل الهوية والذات، والعلاقات الإنسانية، وتأثير المجتمع والبيئة على حياتنا. أسعى دائما إلى خلق تجارب فنية تعبر عن تلك المفاهيم بطرق مبتكرة وتلهم المشاهدين ليبحثوا عن إجابات داخل أنفسهم ويرتبطوا عاطفيا وذهنيا بالعمل الفني.

  • بدأت بتصميم المجوهرات، لماذا لم تستمري بهذا الاتجاه؟

لأنني وجدت أن كل الفنون يكمل بعضها بعضا. يمكن للفنان أن يستوحي مختلف الفنون والتقنيات لإنشاء تجارب فنية جديدة ومبتكرة. فالمجوهرات وتصميم الديكور، على سبيل المثل، يمكن أن يكونا مصدر إلهام لتصاميم فنية أخرى، والعكس صحيح أيضا.

هذه الروح المتعددة في الفن تسمح للفنان بخوض تجارب مختلفة في التعبير عن نفسه بأشكال مختلفة ومتنوعة، وتمنح الجمهور فرصة لاكتشاف الجمال وتنوع الفنون وتقديرها.

  • كيف تستخدمين الحروف في أعمالك؟

الحروف تعكس بالنسبة إليّ أكثر من مجرد رموز أو أحرف، فهي جزء لا يتجزأ من هويتي العربية وثقافتي. وبتصميم الحروف بأسلوبي الفني الخاص، أعيد تعريفها وأعطيها أسلوبا جديدا، فتعبر عن رؤيتي وأفكاري بشكل فريد ومختلف.

لا تمثل الحروف بالنسبة لي وسيلة للتواصل فقط، بل تمثل أيضا وسيلة للتعبير الفني، فأستخدم تفاصيلها وزخارفها لإضافة جمال وعمق إلى أعمالي وخاصة على السجاد، بالإضافة إلى ذلك يمكن للحروف أن تحمل المعاني والرموز الخاصة، التي تساهم في توجيه الرسالة الفنية وإيصالها بشكل أكثر فعالية وتأثيرا على المتلقي.

الذكاء الاصطناعي

  • في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ما التحديات التي تواجهك كفنانة؟

 أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على عالم الفن في المستقبل. إذ يمكن استخدامه بعدة طرق مبتكرة، مما يفتح الأبواب لاستكشاف مجالات جديدة وتوظيف التكنولوجيا في إثراء تجربة الفن وتواصلها مع الجمهور. فالذكاء الاصطناعي فرصة للفنانين لتطوير مهاراتهم وتوسيع آفاقهم الإبداعية. من خلال تحليل البيانات والأنماط، يمكن الذكاء الاصطناعي مساعدة الفنانين في اكتشاف أفكار جديدة وتطوير مشاريع فنية مبتكرة.

على الرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي في المجال الفني، يجب الاعتراف أيضا بأنه سلاح ذو حدين، يمكن أن يساعد في توسيع مجالات الإبداع وتحسين التجارب الفنية، ولكنه قد يثير بعض التحديات والتساؤلات حول الأخلاقيات والأصالة الفنية.

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد أدوات، بل شراكة تعزز إمكاناتنا الإبداعية وتدعم تطور الفن

  • هل تعاملتِ مع الذكاء الاصطناعي؟

بدأت بالتعامل مع الذكاء الاصطناعي بمتعة، وأجد أنه يساعدني في توسيع مخيلتي وتحويل أفكاري إلى أعمال فنية ملهمة. يمكنني تخيل صور مكتملة ومشاريع ثلاثية الأبعاد من خلال التكنولوجيا، وهذا يمنحني إمكانات جديدة للتعبير الفني وتقديم أعمال مبتكرة ومميزة.

في نهاية المطاف، التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد أدوات، بل شراكة تعزز إمكاناتنا الإبداعية وتدعم تطور الفن والتعبير الفني في عصرنا الحديث.

font change

مقالات ذات صلة