عمالة الكويت الوافدة في مهب التجاوزات

هدر للحقوق واستغلال ومخالفة المعايير الدولية في السكن والسلامة العامة

رويترز
رويترز
أثناء تشييع جنازة شيبو فاغيز، أحد ضحايا حريق المبنى في المنقف جنوبي مدينة الكويت، في ولاية كيرالا، الهند، 16 يونيو 2024.

عمالة الكويت الوافدة في مهب التجاوزات

كشف حريق المنقف في 12 يونيو/حزيران المنصرم مستوى غير مقبول من الاستهتار وعدم إلتزام الشروط والضوابط والمواصفات المتعلقة بالسلامة العامة، وحماية حياة الأفراد الواجب اتباعها في المساكن، وخصوصاً في المباني التي تضم العديد من الشقق السكنية في الكويت.

بطبيعة الحال، هذه التجاوزات والممارسات غير السوية تلحقها ممارسات أخرى تتصل بحقوق الإنسان ورعاية أفراد العمالة الأجنبية في البلاد، التي أثير حولها العديد من الملاحظات من المنظمات الأهلية العاملة في مجال حقوق الإنسان وتم ذكرها في تقارير دولية التي رفعت إلى الحكومة الكويتية.

في الكويت التي تأسست على التكافل ورعاية الفقراء والمساكين وتوفير الدعم لهم، كيف أصبح ممكناً لأصحاب الشركات ومالكي العقارات السكنية، أن يشبعوا جشعهم من خلال استغلال العمالة الهامشية، بحيث لا يدفعون للعاملين أجورهم المستحقة ولا يوفرون لهم السكن الملائم الذي يلتزم الشروط الأمنية والصحية ومعايير النظام والسلامة والحماية من الأخطار، ومنها خطر الحريق.

اتضح أن المبنى الذي احترق كان سكناً لعمال إحدى الشركات العاملة في القطاع النفطي في منطقة العبدلي. يتكون المبنى من ستة طوابق ويبلغ عدد سكانه 196 عاملاً موزعين على شقق صغيرة، ويقطن الأفراد في غرف ضيقة لا يمكن الهروب منها بسهولة عند حدوث الكوارث.

تجاوزات لشروط البلدية

يفترض أن تلتزم عقارات السكن الاستثماري في الكويت بشروط بلدية الكويت من إدارة المطافىء وتعليمات إدارة البيئة. لكن نظام البناء في البلاد خضع لتغيرات متواترة بفعل تدخلات أعضاء المجلس البلدي ومن ورائهم أعضاء مجلس الأمة. تمكن الكثير من مالكي عقارات السكن الاستثماري، أي عمارات الشقق المتعددة الأدوار، الحصول على موافقات من البلدية لتصغير مساحة الشقق وزيادة أعداد الغرف وتقليص مساحة دورات المياه والحمامات والمساحات المخصصة للخدمات مثل المطابخ. تتم تلك الموافقات نتيجة التدخلات المذكورة لصالح هؤلاء المالكين، ورضوخ السلطات الحكومية المختصة، أو بسبب فساد الجهاز الوظيفي.

.أ.ف.ب
خياطون يصنعون "الدشداشة"، الزي التقليدي الكويتي، في متجر للخياطة في مدينة الكويت، 2 أبريل 2023.

وتشمل هذه التجاوزات عدم الالتزام بالشروط المتعلقة بالتمديدات الكهربائية أو التمديدات الصحية أو توفير أجهزة مكافحة الحرائق، والتقتير في الإنفاق على شروط السلامة وتوفير السكن الصحي الملائم، خصوصاً في العمارات السكنية التي يقطنها العمال الفقراء أو الذين يتم إسكانهم في مساكن جماعية من قبل الشركات التي يعملون لصالحها، والتي تسعى لتقليص نفقاتها على أجورهم ومخصصات إيجارات سكنهم. عند زيارة مناطق محددة يسكنها هؤلاء العمال مثل جليب الشيوخ أو الفروانية أو المهبولة أو المنقف وعدد آخر من مناطق الكويت، يتخيل المرء بأنه يمر في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة في دول مثل مصر أو نيجيريا، وغيرها من دول العالم الثالث المكتظة بالسكان والتي تعاني من مستويات فقر عالية.

تجاوزات تشمل عدم التزام الشروط المتعلقة بالتمديدات الكهربائية والصحية أو توفير أجهزة مكافحة الحرائق، والتقتير في الإنفاق على شروط السلامة وتوفير السكن الصحي الملائم

وهناك مشكلة ذات بعد اقتصادي تتعلق بالتخزين، إذ تفتقر البلاد للمساحات الكافية المخصصة للتخزين لتلبية احتياجات الشركات والمؤسسات التي تعمل في قطاع التوزيع السلعي أو الخدمات. لذا، تجد العديد من العمارات تشمل سراديب تستغل للتخزين من دون التزام المعايير الملائمة لأعمال التخزين التي تشترط توفير الوقاية من الحرائق وإجراءات أخرى لحماية البيئة ومنع التلوث والتأثير على صحة السكان في العمارات السكنية.

تكدس السلع... والأفراد

هناك أيضا مشكلة تحتاج الى حل، وهي تكدس العمال الأفراد في مساكن صممت للعائلات الصغيرة في شقق صغيرة قد لا تتجاوز مساحتها خمسين متراً مربعاً. ولم تتمكن الحكومة من تحفيز القطاع الخاص لبناء مساكن خاصة بهؤلاء العمال تلتزم الشروط الضامنة لحياة آدمية كريمة.

.أ.ف.ب
قوات الأمن الكويتية في المبنى الذي اشتعل فيه الحريق وأودى بحياة 49 شخصا وأصيب العشرات من العمال الأجانب، 12 يونيو 2024.

هل تتحرك الحكومة؟

لا شك أن ظاهرة العمالة الهامشية في الكويت نتجت من ممارسات غير مشروعة تتمثل في المتاجرة بالعمال وأخذ الإتاوات السنوية منهم من أجل الحصول على إقامات في البلاد. هذه الممارسات التي تهدف لتنفيع مجموعة من المواطنين على حساب إنسانية الوافدين واستغلالهم بشكل غير مقبول، تتطلب تطبيقا واضحا للقوانين ذات الصلة والتي تحظر كافة الممارسات غير المشروعة.

ينظر الإصلاحيون في البلاد إلى الأمور بتفاؤل حذر آملين أن تعمل الإدارة الحكومية على تغيير السلوكيات والممارسات من خلال تطبيق القانون، وتشريع قوانين جديدة

الآمال كبيرة على تفاعل الحكومة مع كارثة المنقف وتطبيق الإجراءات على أصحاب العقارات والشركات التي تستخدم العمالة، من أجل رعاية حقوق العاملين وتمكينهم من الإقامة في البلاد بموجب معايير وشروط متفق عليها دولياً وتتواءم مع حقوق الإنسان المعتمدة أممياً. كما يتعين على الحكومة اتخاذ تدابير لتوفير المساحات اللازمة للتخزين بعيداً من السكن الاستثماري والخاص. ومعلوم أن العمال الذين يسكنون في العمارات المكتظة يعملون في الخدمات، ومعظمهم من العمالة غير الماهرة وتتراوح أجورهم الشهرية بين 150  و250 دينارا، أي ما لا يمكنهم من السكن في شقق خاصة، حيث يبلغ إيجار الشقة التي تحوي غرفة نوم واحدة في منطقة بعيدة نسبياً عن مدينة الكويت ما يقارب 250 ديناراً.

يعتمد هؤلاء على الشركات التي يعملون لديها لتوفير سكن جماعي لهم. بطبيعة الحال تسعى الشركات للحصول على عمارات بإيجارات متهاودة، وربما بعيدة عن مواقع العمل دون الالتفات إلى توفير الضمانات الملائمة لحماية العاملين أو تأمين معيشة مقبولة لهم، في سعي لتوفير الأموال التي تنفقها على الكراء.

غيتي
يشكل العمال الأجانب نحو 70 في المئة من القوى العاملة في الكويت.

نهج جديد وتفاؤل حذر     

تعيش البلاد الآن حال ترقب وانتظار لما سوف تقدم عليه القيادة السياسية من إصلاحات بنيوية، اقتصادية واجتماعية وثقافية، بما يرتقي بمكانة الكويت ويعزز سمعتها الخارجية بعدما عانت من الإهمال والفوضى والمحسوبية خلال العقود المنصرمة منذ تحرير البلاد من الاحتلال العراقي الغاشم. فقد أكدت تصريحات الشيخ فهد اليوسف الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية أن هناك نهجاً مختلفاً للتعامل مع التجاوزات والممارسات المجتمعية غير السوية أو اللائقة، ولذلك ينظر الإصلاحيون في البلاد إلى الأمور بتفاؤل حذر آملين أن تعمل الإدارة الحكومية على تغيير السلوكيات والممارسات من خلال تطبيق القانون. وإذا كانت القوانين الحالية قاصرة، فلا بد من تشريع قوانين جديدة أو تعديل القوانين السارية بما يعزز العملية الإصلاحية على كافة الصعد.

font change

مقالات ذات صلة