الاقتصاد "السياسي" السوري... من الاشتراكية والانفتاح إلى الكبتاغونhttps://www.majalla.com/node/319551/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%AA%D8%A7%D8%BA%D9%88%D9%86
هل تحقق اليوم ذاك الشعار الشهير الذي أطلقه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، حينما قال مرة في تسعينات القرن العشرين المنصرم: "سوريا ولبنان بلدٌ واحد وشعب واحد في دولتين"؟
ما تحقق في البلدين الجارين، يمكن تلخيصه في الوقائع التالية:
تصدّع الدولة في كل منهما، وزوال الحدود الدولية بينهما، وسيطرة منظمات عسكرية تدير عسيس حروب أهلية خامدة، وأعمالًا أمنية واقتصادية مشتركة، سرّية أو رمادية، على جهتي الحدود الزائلة بين البلدين.
في لبنان يدير هذه الأعمال "حزب الله" الذي عمل - قبل وبعد اغتيال رفيق الحريري في بيروت سنة 2005 وانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية - على استكمال تقويض أركان الدولة اللبنانية، الثقافية والسياسية والاقتصادية.
في سوريا تدير الأعمال الأمنية والاقتصادية إياها مع "حزب الله" تنظيمات وقوى موالية للنظام من جيش وأجهزة أمنية، بعدما تصدع الدولة السورية عقب العام 2011.
اقتصاد الحروب الأهلية في سوريا ولبنان
هكذا جرى تحويل سوريا ولبنان إلى مساحات جغرافية وبشرية مفككة ومتناثرة، تعيش فيها جماعات أهلية تتسلط عليها منظمات عسكرية وأمنية كثيرة الولاءات، وأرست نظامَ واقتصادَ حروبٍ أهلية متناسلة تديرها قوىً إقليمية ودولية متنابذة.
اقتصاد الحروب الأهلية السائد في البلدين الجارين، هو اقتصاد "سياسي" أسود، وسلطات الأمر الواقع، و"حزب الله"، هما أكبر صُنّاع المخدرات والإتجار السري بها في الشرق الأوسط
أما اقتصاد الحروب الأهلية السائد في البلدين الجارين، فهو اقتصاد "سياسي" أسود. شطر كبير منه تقوم بها سلطات الواقع (على أجزاء من سوريا)، وحزب الله (المتسلط على لبنان)، هما أكبر صُنّاع المخدرات والإتجار السري بها في الشرق الأوسط، لتمويل سيطرتهما العسكرية والأمنية. وإلى المخدرات، هناك شبكات تهريب السلع الأخرى المناسبة، حسب التقلبات والظروف، على جهتي الحدود الباهتة بين البلدين، للتهرُّب من العقوبات الاقتصادية الغربية على النظام السوري و "حزب الله".
وهناك ثالثًا المساعدات الدولية للاجئين في البلدين المنهارين سياسيًا واقتصاديًا. والمساعدات هذه تهدف إلى الحدّ من تدفّق اللاجئين منهما إلى أوروبا. أما التحويلات المالية للمهاجرين واللاجئين السوريين واللبنانيين في الخارج، إلى أهلهم في البلدين المنكوبين، فتشكل المصدر الرابع لاقتصاد الفقر والنهب السائد في كل منهما.
لكن هذه الوقائع كلها لم تتحقق دفعة واحدة، بل هي صنيعة سياسات رعيت وطوّرت في دمشق، سياسيًا واقتصاديًا، منذ مطلع سبعينات القرن العشرين، في سوريا أولًا وفي لبنان ثانيًا. ثم ورثها عنه شريكه النظام الإيراني ووكيله "حزب الله" في لبنان، بعد اغتيال رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان.
اقتصاد الريع والإتاوات في البلدين
وفي هذا السياق التقت "المجلة" الخبير الاقتصادي السوري المقيم في باريس، جهاد يازجي، الذي لخّص جملة من المعطيات والدراسات والاستطلاعات الميدانية عن الاقتصاد السياسي السوري وأطواره منذ السبعينات وحتى اليوم.
ومن ما ذكره يازجي أن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي طوّرها بشار الأسد بعد تسلمه الرئاسة خلفا لوالده في العام 2000، أضعفت كثيرا عمليات التهريب السائدة بين سوريا ولبنان. ذلك أن السيطرة السياسية والأمنية على لبنان، كانت تؤمّن له منذ مطلع التسعينات عوائد وإتاوات مالية يسد ببعضها عجزه الاقتصادي، ويوفر شطرها الأكبر الثراءَ لنخبه العسكرية والأمنية والسياسية المتسلطة على البلدين المتجاورين. لكن تلك الإتاوات المالية توقفت بعد جلاء الجيش السوري عن لبنان سنة 2005. لذا اجتمعت في حزيران/ يونيو من ذاك العام قيادات حزب البعث في سوريا - أي بعد أقل من شهرين على حدث الانسحاب العسكري - وقرّرت تبني ما سمّته "اقتصاد السوق الاجتماعي، لتعديل نظامنا الاقتصادي" بعد خسارة النخبة الأمنية السورية ما كانت تؤمنه لها سيطرتها على لبنان من إتاوات وثروات. والتعديل الاقتصادي كانت غايته الفعلية أن تحصّل تلك النخبة ثرواتها من الداخل السوري.
جيل حافظ الأسد
وسبق للرئيس حافظ الأسد أن بدأ في منتصف الثمانينات عملية انفتاح اقتصادي جزئي، لتدارك أزمات نظامه الناجمة عن معضلة ألمّت بأنظمة الحزب الواحد الاشتراكية. وأُضيف إليها هبوط قيمة الليرة السورية واللبنانية، بسبب اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان وإخراج الجيش السوري منه إلى سهل البقاع، وتعرّض النظام لأزمة سياسية واقتصادية بداية الثمانينات.
عملية الانفتاح الاقتصادي الجزئي التي أقرها القانون الرقم 10 في سوريا سنة 1991، ظلت حبرًا على ورق، لأن النظام السوري فضّل تمويل عجزه المالي من عائدات النفط الذي اكتُشف في دير الزور عام 1987
لكن عملية الانفتاح الاقتصادي الجزئي التي أقرها القانون الرقم 10 في سوريا سنة 1991، ظلت حبرًا على ورق، لأن النظام السوري فضّل تمويل عجزه المالي من عائدات النفط الذي اكتُشف في دير الزور سنة 1987، بكميات كبيرة على المستوى السوري وليس على المستوى الإقليمي. فـ 600 ألف برميل المستخرجة من النفط السوري في اليوم منذ سنة 1996، سدّت بها الدولة السورية بعض حاجاتها الضرورية في القطاعين الصحي والتربوي. لكن إنتاج النفط سرعان ما بدأ ينخفض، في مقابل جمود اقتصادي وتزايد كبير في عدد سكان سوريا، وتدني المحاصيل الزراعية واتساع الفقر المدقع في الأرياف، وتكاثف النزوح منها إلى المدن، وخصوصًا إلى العاصمة دمشق، حيث تكدّس مئات ألوف النازحين في تجمعات العمران العشوائي البائس.
وكانت الأزمة الاقتصادية الخانقة قد دفعت الأسد، قبيل رحيله في العام 2000، إلى كلام غريب عن لغته واهتماماته: ضرورة إنشاء قطاع مصرفي جديد وفاعل في سوريا. فالأسد لم يسبق أن التفت إلى الداخل السوري وحاجاته الاجتماعية والاقتصادية، إلا من زاوية هُجاسه الأمني الدائم على نظامه، وتصوُّره العظامي والفصامي عن دوره الكبير في السياسات الإقليمية والدولية، القائمة على إلغاء الداخل الاجتماعي والسياسي السوري لتحويل سوريا قوة أمنية - عسكرية إقليمية.
ولاحظ يازجي أن الأسد اعتمد معادلة أمنية – اقتصادية للتصدي لاهتزاز نظامه في عقد الثمانينات، بسبب أزمته الاقتصادية، خلال الصراع مع "الاخوان المسلمين"، وإخراج إسرائيل جيشه من بيروت إلى سهل البقاع اللبناني سنة 1982. وكانت ركيزة تلك المعادلة ولاءُ قطبين أساسيين لنظامه:
كان رجال أعمال أربعة دمشقين كبار معتمدين في نظام حافظ الأسد. ثلاثة منهم سُنة، ورابعهم شيعي، والخامس علوي
النخبة الأمنية والعسكرية اللصيقة به والمتسلطة على الدولة السورية.
النخبة الاقتصادية التجارية التقليدية الدمشقية، التي سمح لها بتوسيع أعمالها التجارية والاستثمارية في القطاع الخاص. وذلك بموجب عقود يمنحها إياها النظام، مقابل اقتطاع نخبته الأمنية والعسكرية حصة من أرباحها. وكان رجالُ أعمالٍ أربعةٍ دمشقين كبار معتمدين في نظام حافظ الأسد. ثلاثة منهم سُنّة، ورابعهم شيعي، ورجل صلة النظام السوري بإيران في هذه المعادلة. وهناك رجل خامس علوي وقريب الأسد بالمصاهرة، وصار مليارديرًامن طريق صفقات وإتاوات متنوعة مكّنة منها التصاقه الداخلي الحميم بعائلة الأسد وبالنظام الأمني.
جيل الأسد الشاب
بعد تولي بشار الأسد الرئاسة، لم تصمد هذه المعادلة لأسباب عدة، منها:
كان بشار من جيل العولمة والإنترنت والاتصالات الدمشقي المديني، على خلاف جيل والده العسكري والريفي، شأن فريقه الأمني والعسكري وفي قيادة حزب البعث. الجيل القديم كان قد تصدّر السلطة في أجهزة الأمن وبدأ يحصّل الثروة من طريق ريوعها وإتاواتها في جهاز الدولة، منذ ولائه لـ"حركة الأسد التصحيحية" في مطلع السبعينات.
ورث الأسد عن والده أزمة اقتصادية مزمنة خافتة، ناجمة في وجه من وجوهها عن ترهل جهاز الدولة "الاشتراكي" البيروقراطي، المتضخم والعتيق والرث، والذي لم يعد قادرًا على تأمين فرص الريوع والثروة للجيل الجديد من أبناء المسؤولين في النظام، ولا على تأمين الوظائف للأجيال الشابة في القطاع العام.
وجد الأسد الإبن الشاب ومستشاروه أن هذه المعضلات علاجها ضخُّ دمٍ جديد في نظام والده من طريق توسيع القطاع الخاص الاقتصادي الجديد. لذا بدأ رئاسته بالحديث عن الأمل والانفتاح والاستثمار في القطاعات الجديدة. وهكذا عوّل جيل شاب من السوريين على الخطوات الإصلاحية التي يمكن أن يقدم عليها الأسد. ودام التعويل على ذلك سنواتٍ خمس بين 2000 و2005.
وكما حاول الأسد الأب الاعتماد على النفط السوري، ومن ثم على تلك المعادلة الأمنية - الاقتصادية، للتصدي لأزمات نظامه في الثمانينات والتسعينات، حاول الأسد الإبن الاعتماد على القطاع الخاص الجديد، وعلى الجيل الشاب من أبناء النخبة الأمنية - والاقتصادية المغلقة، لتجديد نظامه الموروث. وهكذا بدأ بتوسيع القطاع المصرفي الخاص، مستعينًا بالمصارف اللبنانية التي فتح بعضها فروعًا في دمشق. ومن أعمال القطاع الخاص التي شرع النظام بتوسيعها تصدّرت الاتصالات والإعلام التجاري والخدمات والسياحة والمطاعم والمقاهي العصرية، استثمر فيها شباب أقرباء وابناء ضباط في الأمن والجيش.
هذه الملامح الجزئية من الخريطة الشبابية الجديدة للاستثمارات وتحصيل الثروات من القطاع الخاص، كسرت المعادلة التقليدية القديمة التي اعتمدها الأسد الأب. وعلى الرغم من استفادة فئات اجتماعية من جيل جديد علوي وسني من انطلاق هذه القطاعات الاقتصادية الجديدة، فإن الفاعلين الكبار فيها كانوا من العلويين. وهكذا خسر النظام رجال الأعمال التقليديين السنّة، ثم خسر لبنان كمساحة سياسية - أمنية وللإتاوات والثروات المالية.
شركتان "قابضتان على الاقتصاد"
وفي العام 2007 تأسست في سوريا شركتان قابضتان (هولنغ) للاستثمارات الجديدة في القطاع الخاص، وفي طليعتها الاتصالات. وفي "شركة شام القابضة" تجمّع نحو 70 رجل أعمال، يتصدرهم قريب للرئيس، وملك وحده 51 في المئة من أسهمها، وخيّر المستثمرين الجدد بين الدخول فيها للحصول على بعض المكتسبات، وبين عدم الدخول الذي يخرجهم من قطاع الأعمال الجديدة.
وهكذا رفض الدخول في هذه الشبكة ابنُ أحد الأقطاب الاقتصاديين التقليديين الدمشقيين الكبار في العادلة التي أرساها حافظ الأسد، فهُمّش. ثم لم يلبث أن أصاب التهميش الاقتصادي في تحصيل الإتاوات والثروات من القطاع الخاص الجديد، ركنين أساسيين من السنة الموالين للأسد الأب في الجهازين السياسي والعسكري، كما أصاب أولادهم الشبان. وهكذا شعرت عائلات دمشقية تجارية تقليدية بالتهميش والخروج من المعادلة الاقتصادية الجديدة.
توسع الأعمال في القطاع الخاص الجديد - وقد سيطر عليه قطبان أساسيان تابعان لرأس السلطة في النظام السوري - أدى إلى نشوء جيل شاب مديني من الفئة المتوسطة المحدثة
وهذا ما يفسر وقوف عدد كبير من العائلات السنّية الدمشقية ورجال أعمالها التقليديين إلى جانب الاحتجاجات السورية في العام 2011، فيما وقفت عائلات أخرى على الحياد بين النظام والاجتجاجات التي تفشى في عشاياها الفقر المدقع في الأرياف السورية الداخلية. ما أدى إلى تضخّم النزوح السكاني منها، ونشوء مخيمات لأعداد كبرى من النازحين المفقرين.
أما توسُّع الأعمال في القطاع الخاص الجديد - وقد سيطر عليه قطبان أساسيان تابعان لرأس السلطة في النظام السوري - فأدى إلى نشوء جيل شاب مديني من الفئة المتوسطة المحدثة. وكانت مجموعات من ذاك الجيل تتقاضى مرتبات عالية بالمعايير السورية، لقاء عملها في القطاع الخاص الجديد: الاتصالات والإعلام والمهن الفنية والخدمات السياحية والمصارف وسوق العقارات التي ارتفعت أسعارها في دمشق.
والمجموعات الشابة تلك، منقطعة عن الأرياف السورية الفقيرة، وجذبها نمط الحياة المدينية العصري في دمشق، حيث تكاثرت المطاعم الحديثة، والاختلاط الشبابي بين الجنسين في السهر والترفيه، والانعتاق من الحياة والروابط العائلية التقليدية. وصار في مستطاع بعض شبان وشابات هذه الفئة اقتناء سيارات بالتقسيط، والسفر السياحي خارج سوريا، بسبب عملهم في القطاع الخاص الجديد. ومن علامات هذه الحقبة الاجتماعية المحدثة، ازدهار المسلسلات التلفزيونية السورية، وانتشارها عربيًا.
اقتصاد الحرب ورجاله
همّشت الحرب والعقوبات الغربية رجال أعمال القطاع الخاص الذين اعتمدهم النظام السوري في العقد الأول من الألفية الثالثة. فهم ما عادوا بقادرين على تأمين حاجات النظام وموارد الضرورية المستجدة. واقتصاد الحرب والعقوبات فرض على النظام الاستعانة بـ "رجال أعمال" من تكوين وطينةٍ اجتماعيين مختلفتين لتأمين تلك الحاجات والموارد. وفي ذلك السياق استُبعد رجال الأعمال الذين اعتمدهم النظام زمن السلم السابق، لاعتماد آخرين لصيقين ببيئة الحرب وميليشياتها وقواها الفاعلة والمسيطرة في المناطق المختلفة، بعدما فقدت السلطة وأجهزتها وحدتها ومركزيتها السابقتين.
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) April 15, 2024
فالنفط مثلًا - وهو في الحرب واقتصادها سلعة ضرورية كالسلاح، ومصدره شمال شرق سوريا، حيث سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية (قسد) - اعتمد النظام لتأمينه رجل صفقات وتهريب على صلة بالميليشيات. وسرعان ما أثرى وصار مليونيرًا. وفي دمشق اعتُمد رجل مماثل لتأمين حاجات النظام الأخرى.
كان هذان الرجلان وأمثالهم نتاج اقتصاد الحرب واجتماعها. وصلاتهم وروابطهم ضعيفة ببيئة اجتماعية - اقتصادية محددة ومستقرة. إنهم رجال صفقات رمادية بين النظام والقوى والميليشيات المتنازعة. حتى النظام نفسه تنازعته مراكز قوى، قد تكون ناجمة عن عملية توزيع أدوار فرضها اقتصاد الحرب ودبيب فوضاه.
وهكذا نشأ عن عملية توزيع الأدوار مركزان أساسيان:
"المكتب الاقتصادي" الخاص بفرقة عسكرية خاصة في الجيش السوري.
"المكتب الاقتصادي" الأخر قريب من القصر.
وتوزعت بين هذين المكتبين الصفقات والأعمال الاقتصادية الرمادية الكبرى، لتكديس الثروات الخاصة ولتأمين حاجاته الضرورية. وقد تكون الأدوار توزّعت في هذا المجال بين المكتبين الاقتصاديين المذكورين
الكبتاغون ربما أصبح القطاع الأكثر قيمة في الاقتصاد السوري، فسوريا صارت منتجا ومصدرا رئيسيا للكبتاغون
تقرير للبنك الدولي عن الاقتصاد السوري في عام 2023
لقد أصبح المكتب الإقتصادي ورجاله الجهة الأولى المسيطرة على العمليات الاقتصادية والاستثمارات في مناطق سيطرة النظام. لكن أولئك الرجال المعتمدين، غالبًا ما يتعرضون للإقصاء والاعتقال، ويُستبدلون برجال آخرين.
انتاج الكبتاغون و"الفرقة الرابعة"
أما أعمال التهريب وصفقاته، فالأوزن والأفعل فيها هو "مكتب الفرقة الرابعة الاقتصادي". وتتوزع أعمال التهريب الكبرى التي يديرها هذا المكتب على الحدود الأردنية واللبنانية، أكثر من العراقية.
ففي 6 حزيران/ يونيو الجاري، ضبطت أجهزة الأمن الأردنية عملية تهريب 9,5 ملايين حبة كبتاغون و143 كلغ من الحشيش، مخبأة في جرافات ثقيلة دخلت إلى الأردن من جنوب سوريا. وحسب تقرير عن الاقتصاد السوري في سنة 2023 نشره البنك الدولي على موقعه الإلكتروني ورد أن "الكبتاغون ربما أصبح القطاع الأكثر قيمة في الاقتصاد السوري. فسوريا صارت منتجًا ومصدرًا رئيسيًا للكبتاغون. وبناء على بيانات عن مضبوطات المخدرات في جميع أنحاء العالم، تُقدَّر القيمة السورية السنوية للكبتاغون سوري المنشأ بـ 5,6 مليارات دولار بين العامين 2020 و2023. وتستفيد الجهات الفاعلة في سوريا (النظام) والمرتبطة بها (حزب الله في لبنان) بـ 1,8 مليار دولار سنويًا من بيع الكبتاغون، الذي يشكل ما يقرب من ضعف الإيرادات المحصّلة من جميع الصادرات السورية المشروعة في العام 2023".
وعلى الحدود اللبنانية - السورية هناك "حزب الله" شريك الفرقة الرابعة في عمليات التهريب على أنواعه. أما الشريك الآخر في التهريب على حدود سوريا الشمالية، فهي "هيئة تحرير الشام". وهناك شريك ثالث على حدود سوريا الشمالية الشرقية، هو "قوات سوريا الديموقراطية" الكردية (قسد). لكن الأوضاع على الحدود السورية - العراقية، معقدة بعض الشيء. فمكتب الفرقة الرابعة الاقتصادي ليس وحده هناك، حيث لـ"الحشد الشعبي" العراقي وللحرس الثوري الإيراني حضورهما، إضافة إلى جهاز الأمن العسكري السوري.
اقتصاد سوريا اليوم
يمكن أخيرا تلخيص ما ورد عن الاقتصاد السوري في تقرير البنك الدولي للعام 2023، على النحو التالي:
في العام 2023 انخفض الناتج المحلي السوري إلى 6,2 مليارات دولار، ويتوقع انخفاضه 1,5 في المئة في العام 2024.
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) January 25, 2024
بعد زلزال فبراير/ شباط 2023 الذي أصاب جنوب تركيا وشمال سوريا، انتعشت حصة سوريا من المساعدات الدولية الإنسانية، لكنها سرعان ما انخفضت، ليبلغ إجماليها 2,8 مليار دولار للعام 2023، أي بانخفاض نسبته 5 في المئة عن العام 2022.
يستمر انخفاض الدعم الحكومي للمواد الأساسية في سوريا: الوقود والغذاء والدواء.
وصلت حال عدم اليقين في حياة الناس إلى مستويات عالية جدًا. (وهذا ما يؤدي إلى استمرار موجات النزوح واللجوء).
انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141 في المئة، في العام 2023.
ارتفاع معدل التضخم في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية بنسبة 93 في المئة في العام 2023، بسبب تخفيضات الدعم الحكومي.
انخفاض سنوي مستمر في إنتاج النفط بنسبة 5,5 في المئة.
أدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى توجيه المساعدات الإنسانية الدولية إلى القطاع، فانخفضت هذه المساعدات للسوريين. وهذا ما يفاقم حالات سوء التغذية ويعمّق الفقر وتفشي الأمراض في سوريا.
أدت الغارات الجوية الإسرائيلية على المطارات الرئيسية في سوريا، إلى انخفاض عدد الرحلات الجوية في سوريا بنسبة 42 في المئة في الربع الأخير من العام 2023. وهي تدنت بنسبة أعلى في الأشهر التي انقضت من العام 2024.
في عام 2023، انخفض الناتج المحلي السوري إلى 6,2 مليارات دولار، وانخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141%
أخيرًا، يمكن التساؤل: ماذا يسع تنظيمات النظام أن تفعل في هذه الحال؟
في تقرير اقتصادي عن الاقتصاد السوري، كتبه قاسم البصري، ونشره موقع "الجمهورية" في 27 مايو/ أيار 2024، ورد أن حملات إغارة رجال الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، تصاعدت وتضاعفت على أسواق الصرافة في دمشق وسواها. وذلك لسلب أموال الصرافين وتجار العملات والناس الذين يصرفون ما يصلهم من الخارج من مساعدات مالية، ولتجريد التجار من رؤوس أموالهم.
هل تشبه الأجهزة الأمنية ورجالها وغاراتها هذه، ما كانت تفعله "فرق الشطار والعيارين" في دمشق الحقبة الأخيرة من حكم المماليك؟ وكان الباحث إيرا لابيدوس قد وضع كتابًا عن حال المدن في بلاد الشام في نهاية الحقبة المملوكية، وذكر فيه أن تلك الفرق كانت تغير على الأسواق في المدن بغية السلب والنهب.
أما "المكتبان الاقتصاديان" الوارد ذكرهما أعلاه فيتقاسمان الاقتصاد "السياسي" السوري ويديرانه من خلف ستار صفيق، بتوكيل وسطاء ومحاسيب وأزلام للقيام باعمال السلب والنهب في جغرافيا بشرية واجتماعية حطمها ودمرها وشرد الملايين من أهلها نظامٌ حكمها على نحو يصعب تشبيهه بغير استعمار داخلي.