في يناير/كانون الثاني الماضي، توغل الجيش الإسرائيلي في وسط وغرب مدينة خانيونس، حيث قَتل ودَمر وحَاصر المئات من المدنيين، سواء من سكان المدينة أو من النازحين الغزيين من مختلف مناطق القطاع إلى خانيونس قبل التوغل. وحاصر الجيش مُجمع ناصر الطبي لأكثر من أسبوعين، استهدف خلالهما عددا من النازحين في ساحات المُجمع الطبي والطواقم الطبية والمرضى، وبسبب عدم القدرة على دفن القتلى في المقابر، اضطر من هم داخل مجمع ناصر إلى دفن القتلى في الساحة بجوار مبنى المشرحة وثلاجات الموتى.
عائلات زيدان، واحدة من عائلات خانيونس التي كانت قد نزحت إلى مدينة رفح قبل التوغل في خانيونس، إلا أنّ بعض أفراد العائلة حوصروا داخل ناصر. وتلقت العائلة خبر مقتل ابنهم نبيل في العشرينات من عمره خلال الحصار، حيث تم دفنه وصديقه في المكان ذاته، تقول شقيقته لـ"المجلة": "بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، حضرنا إلى ساحة المستشفى وبحثنا عن جثمانه، لكن دون جدوى، وأبلغونا أن الجيش عمل على نبش القبور ومصادرة الجثامين خلال الانسحاب، ولم نجد أحدا".
انتهى الأمر بالنسبة للعائلة، بتسجيل ابنهم نبيل كمفقود لدى وزارة الصحة وجهاز الدفاع المدني، لكن بعد قرابة شهرين من تاريخ التبليغ عن مقتله، وبالتحديد في مارس/آذار الماضي، عاد الجيش الإسرائيلي للتوغل البري وسط وغرب خانيونس، واستمر لقرابة أسبوعين، وعقب الانسحاب، بداية أبريل/نيسان، وصل العائلة خبر انتشال جثامين من داخل ساحات المُجمع الطبي.
تقول شقيقة نبيل: "أصبحت يوميا أحضر أنا وأمي لمستشفى ناصر، كل يوم كان هناك انتشال جثامين، شفنا مناظر مش المفروض نشوفها، بس كان عندنا أمل نلاقي جثمان أخويا، خاصة بعد ما تم انتشال جثمان صديقه من مقبرة جماعية، اخرجوا منها عشرات الجثامين".
في 24 أبريل، كانت طواقم الدفاع المدني ما زالت تعمل على انتشال جثامين القتلى من ساحات مُجمع ناصر الطبي، وبينما تم الحفر لعمق أكثر من ثلاثة أمتار تحت سطح الأرض، استخرجت الكباشات أحد الجثامين الملفوفة في كفن أبيض، فُتح الكفن، وصرخت الأم "ابني نبيل ابني نبيل، هي هادي جاكيته". طالبت الأم الكشف عن ملابسه الداخلية التي تحفظها وعلقت في ذاكرتها، لتصرخ مرة ثانية: "والله هو ابني نبيل، هو ابني نبيل".