الجزائر والاتحاد الأوروبي... هل يتحقق سيناريو التحكيم الدولي؟

اتفاق الشراكة بين الطرفين على المحك

شاترستوك
شاترستوك

الجزائر والاتحاد الأوروبي... هل يتحقق سيناريو التحكيم الدولي؟

عاد ملف اتفاق الشراكة بين الجزائر والأوروبيين ليتصدر الواجهة، لكن هذه المرة تختلف عن سابقاتها بالنظر إلى التطورات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية لكل طرف، فالظروف الاستثنائية التي وُقع فيها الاتفاق تختلف عن الظروف الداخلية الحالية، فقد كانت البلاد وقتها في موقف ضعف بسبب العجز الهيكلي الناجم عن الاقتصاد الريعي وأيضا الحالة الصعبة التي خرجت بها البلاد من العشرية السوداء التي شهدتها سنوات التسعينات من القرن الماضي.

وجرى التوقيع على هذا الاتفاق عام 2002، ودخلت حيز التنفيذ عام 2005. ويضع الاتفاق إطارا للتعاون في جميع المجالات، بما في ذلك التجارة.

واللافت للنظر أن الاتحاد الأوروبي لوح قبل أيام باللجوء إلى إجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادة 100 من اتفاق الشراكة، وتشرح هذه المادة طرق تسوية المنازعات بين الأطراف في الاتفاق وطرق التسوية، وتقول المادة السالفة الذكر إنه يمكن لكل طرف في مرحلة أولى إبلاغ مجلس الشراكة بكل خلاف متعلق بتنفيذ هذا الاتفاق وتفسيره، وتُسند إلى المجلس وفق المادة 100 مهمة تسوية الخلاف باتخاذ قرار في هذا السياق، واللافت للنظر أيضا أن التدابير المتفق عليها في إطار مجلس الشراكة ملزمة لكليهما.

وعلى ما يبدو فإن الأزمة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي ما زالت تستعصي على الحل رغم الدعوات المتكررة للطرف الجزائري فرئيس الدولة سبق وأن أمر خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بمراجعة اتفاق الشراكة "بندا بندا" وفق رؤية سيادية قائمة على شراكة الند للند ومربحة للطرفين مع مراعاة مصلحة الإنتاج الوطني في خلق نسيج صناعي قوي وخلق مناصب عمل.

وجاء في بيان المفوضية الأوروبية: "نظرا للجهود التي لم تفض إلى حل ودي للمسألة، فقد اتخذ الاتحاد الأوروبي هذه المبادرة للحفاظ على حقوق الشركات والمُصدّرين الأوروبيين، العاملين في الجزائر والمتضررين منها. كما تضر التدابير الجزائرية المستهلكين الجزائريين بسبب حصر خيار المنتوجات المتاح من دون مسوّغ".

لا حل وديا حتى الآن بين الطرفين 

وقد غلبت اللغة الحادة على البيان الصادر عن المفوضية الأوروبية التي أكدت أنها بادرت بتفعيل إجراءات لتسوية المنازعات ضد الجزائر، معترضة على قرارات سيادية نفذتها الجزائر منذ عام 2021 الهدف منها تنظيم الواردات وأيضا تشجيع الإنتاج المحلي من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن بين هذه الإجراءات نظام تراخيص الاستيراد وحوافز لاستخدام المدخلات المحلية في قطاع السيارات وتنظيم المشاركة الأجنبية في الشركات المستوردة.

وعلى ضوء ما ورد في بيان المفوضية الأوروبية، يتساءل الرأي العام المحلي: هل بيان الاتحاد الأوروبي يمثل تهديدا مباشرا للجزائر؟ وهل بإمكان الاتحاد الأوروبي اللجوء فعلا إلى التحكيم الدولي؟ وهل الظروف الحالية تسمح للجزائر بالتفاوض من موقع قوة عكس ما كانت عليه قبل أكثر من 20 سنة خلت؟

في سياق الموضوع يصف البروفيسور مراد كواشي الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي "احتجاجات الاتحاد الأوروبي على ما سموه القيود التي تفرضها السلطات الجزائرية، بغير المؤسسة والواهية، لأن الاتفاق الذي ربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي تقريبا منذ 20 سنة تضمن بنودا تقضي باستيراد الجزائر للسلع والبضائع الأوروبية وتسهيل الإجراءات الجمركية والجبائية، وفي المقابل يستثمر الأوروبيون رؤوس أموالهم في البلاد وينقلون التكنولوجيا ويسهلون حركة تنقل البشر غير أن هذه الشروط الأساسية لم تجسد على الميدان".

ويقول مراد كواشي في حديث إلى "المجلة" إن "الفائدة لم تعد إلا على الأوروبيين، والدليل على هذا الخسائر الفادحة التي تكبدتها الخزينة العمومية بسبب الإعفاءات الجمركية، ورغم ذلك لم تفرض الجزائر حصارا كبيرا على السلع الأوروبية ما عدا بعض الإجراءات التي اتخذتها والتي تندرج في إطار ترشيد الاستيراد وليس توقيفه، ولا يزال الاتحاد الأوروبي يتصدر قائمة كبار الشركاء التجاريين وما زالت هناك علاقات تجارية قائمة".

تنويع الشركاء الاقتصاديين

وللجزائر موقف رسمي وواضح وفق مراد كواشي، فهي تتطلع اليوم إلى شراكة اقتصادية مثمرة قائمة على مبدأ "رابح-رابح" للرفع من حجم المبادلات التجارية التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة من 22.3 مليار يورو عام 2013 إلى نحو 14.9 مليار يورو عام 2023 الأرقام التي أعلنتها المفوضية الأوروبية.

وبخصوص إمكانية لجوء الاتحاد الأوروبي إلى التضييق والإضرار بمصالح الجزائر، يجيب الخبير الاقتصادي والدكتور بوشيخي بوحوص الأستاذ المحاضر في جامعة مستغانم بالقول إن "هناك عوامل كثيرة وظروفا تحول دون لجوء الاتحاد الأوروبي لمثل هذه الإجراءات أهمها العلاقات الثنائية المشتركة التي تربط الجزائر بالدول الأعضاء، إذ إن لديها اتفاقات كل على حدة مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا وسلوفينيا ويمكن أيضا الأخذ بعين الاعتبار حرصها على أن تكون عضوا ضمن "بريكس" بهدف تحسين فاعلية الاقتصاد مرتكزة في ذلك على العلاقات السياسية القوية التي تربط البلاد بالدول المشكلة لهذا التجمع الاقتصادي القوي".

من العوامل الأخرى التي تثير القلق الأوروبي اعتماد الجزائر في السنوات الأخيرة على سياسة تنويع الشركاء وتعميق شراكاتها الاستراتيجية

نقطة أخرى يجب التنويه إليها تتمثل في حجم الخسائر الفادحة التي تكبدتها الخزينة العمومية بالدولار، ويقول الدكتور بوحوص بوشيخي إن "التفكيك الجمركي كان في غير صالح الجزائر، حيث استفاد الاتحاد الأوروبي من دخول سلع ومعدات في حدود 220 مليار دولار على مدى عشر سنوات أي دخول 22 مليار دولار على الأقل واردات من الاتحاد الأوروبي كل سنة، بينما الجزائر صدرت بنحو 10 مليارات أي مليارا واحدا فقط كل سنة".

ويستبعد الخبير الاقتصادي البروفيسور رمضاني لعلا أن تستطيع أوروبا الاستغناء عن الغاز الجزائري، لا سيما بعدما ضيعت روسيا في 2022 مكانتها كأكبر مورد للغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي إذ تراجعت حصتها من 34 في المائة عام 2021 إلى 24 في المائة عام 2022 وفق وكالة الطاقة الدولية.

ويقول رمضاني لعلا في حديثه لـ"المجلة" إن "هذا العامل سيدعم الجزائر لدى جلوسها على طاولة المفاوضات فهي اليوم في المرتبة الثانية في قائمة كبار مصدري الغاز إلى أوروبا عبر الأنابيب، بعد النرويج التي احتلت المرتبة الأولى وقبل ثلاثة دول أخرى منها روسيا، ومن المرجح وحسب التقرير السنوي الجديد لمنتدى البلدان المصدرة للغاز أن تحافظ الجزائر على مكانتها كممون مهم للغاز الطبيعي للسوق الأوروبية على المدى الطويل وقد يكون هذا إلى غاية سنة 2050".

ومن العوامل الأخرى التي تثير القلق الأوروبي اعتماد الجزائر في السنوات الأخيرة على سياسة تنويع الشركاء وتعميق شراكاتها الاستراتيجية مع بكين وروسيا وتركيا ورغبتها أيضا في الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون" (هيئة دولية تأسست عام 2001) وهي تضم حاليا كلا من روسيا والصين والهند وكازخستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وأربع دول أخرى بصفة عضو مراقب وهي أفعانستان وإيران وبيلاروسيا ومنغوليا.

font change

مقالات ذات صلة