اللاجئون في مصر... من ضيوف إلى أعباء على أزمة السكن

تضاعف الإيجارات 600% والمصريون يدفعون "ثمن" 9,5 ملايين لاجئ خسائر بعشرات مليارات الدولارات

Shutterstock
Shutterstock

اللاجئون في مصر... من ضيوف إلى أعباء على أزمة السكن

ألقت النزاعات الدائرة وراء حدود مصر والأوضاع الإقليمية والدولية بظلالها على اقتصاد البلاد ومعيشة المصريين، مما أدى إلى تفاقم الآثار السلبية في الشارع المصري جراء زيادة أعداد اللاجئين الهاربين من ويلات الحروب.

وبات هؤلاء اللاجئين يشكلون ضغطاً على حياة المصريين نظرا الى الارتفاعات غير المسبوقة في تكاليف السكن، إذ شهدت أسعار الإيجارات ارتفاعاً بنسبة تتراوح من 400 إلى 600 في المئة. إضافة إلى ذلك، يتحمل الاقتصاد المصري تكلفة خدمات تُقدَّم إلى هؤلاء اللاجئين تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً وفق تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

خسائر بمليارات الدولارات

فقد أثرت الأزمات الحدودية في شكل جلي في مصر على مدار السنوات المنصرمة منذ الأزمتين السورية والليبية، وقبلهما الأزمة العراقية، وأخيراً استقبالها للسودانيين والفلسطينيين. وقد استُوعِبوا في المجتمع المصري كضيوف مرحب بهم، يتمتعون بالخدمات كلها، من دون النظر إليهم كلاجئين أو مهاجرين.

إن استمرار الحرب في غزة قد يكلف الاقتصاد المصري ما بين 5,6 مليارات دولار و19,8 مليار دولار خلال السنتين الماليتين الحالية والمقبلة، مما يعني خسارة تتراوح بين 1,6 و5,2 في المئة من متوسط الناتج المحلي الإجمالي السنوي

تقرير للأمم المتحدة

ومع تفاقم الأحداث الجيوسياسية العالمية والأزمة الاقتصادية العالمية، وأخيراً حرب غزة والتوترات في البحر الأحمر، تضاعفت التداعيات على الاقتصاد المصري. فقد كشف تقرير حديث للأمم المتحدة أن استمرار الحرب في غزة قد يكلف الاقتصاد المصري ما بين 5,6 مليارات دولار و19,8 مليار دولار خلال السنتين الماليتين الحالية 2023-2024 والمقبلة 2024-2025، مما يعني خسارة تتراوح بين 1,6 و5,2 في المئة من متوسط الناتج المحلي الإجمالي السنوي. وتوقعت الدراسة أن قطاع السياحة وقناة السويس سيكونان الأكثر تضرراً، إذ قد تتقلص إيراداتهما بما يتراوح بين 3,7 مليارات دولار و13,7 مليار دولار خلال السنتين الماليتين الجارية والمقبلة.

Shutterstock
مبانٍ وأبراج باهظة الثمن مطلة على النيل.

وبصفتها الشقيقة الكبرى للدول العربية، فتحت مصر أبوابها لاستقبال الضيوف الذين تجاوز عددهم 9,5 ملايين شخص يمثلون نحو 133 دولة وفق إحصاءات لمنظمات دولية، أي ما يربو إلى نحو 10 في المئة من عدد سكان مصر، الذين باتوا يدفعون أثماناً باهظة نتيجة الضغوط التي تسبب بها هؤلاء الوافدين. وتعالت الأصوات التي تطالب الدولة بضبط الفوضى التي أصابت سوق الإيجارات في مصر، التي تخضع إلى العرض والطلب، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ارتفاع معدل التضخم جراء ارتفاع قيمة الدولار وأسعار الخبز والمحروقات والكهرباء والبضائع والخدمات كلها.

وكانت الآثار واضحة منذ نزوح السوريين بأعداد كبيرة، إذ اندمجوا بسرعة في سوق العمل. لكن مع توافد السودانيين بشكل كبير إلى مصر وتمركزهم في القاهرة والمناطق الشعبية، زاد الطلب على الشقق السكنية في حين ظل العرض محدوداً، مما أثر في شكل كبير في مستوى التضخم. وسارع مالكو العقارات إلى إجبار المستأجرين المصريين على إخلاء شققهم لتأجيرها للسودانيين واللاجئين الآخرين بأسعار خيالية، مما دفع المصريين إلى البحث عن أماكن سكن أخرى أقل في المستوى الإنشائي وقيمة الإيجار .

إقرأ أيضا: مصر وحماية سيناء مع بدء إسرائيل غزو رفح

وكان يُقدَّر عدد السودانيين في مصر قبل الأزمة في السودان بنحو خمسة ملايين شخص، لكن هذا الرقم ازداد بشكل كبير مع بداية الحرب الدائرة حالياً في السودان. يلي ذلك أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن، والصومال، والعراق، وليبيا. كما استقبلت مصر أكثر من 100 ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق سفارة فلسطين في مصر.

تدقق مصر حالياً في أعداد اللاجئين والمقيمين وتحصر ما تتحمله الدولة من خدمات مقدمة إليهم على أراضيها، والتي تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار سنوياً، في وقت برزت دعوات لترحيلهم

ودفعت التوترات الإقليمية صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال السنة المالية المقبلة 2024-2025 إلى 4,4 في المئة بدلاً من 4,7 في المئة، كما خفض البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال السنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران 2024 إلى 3 في المئة من 3,8 في المئة، وأشار إلى أن النمو يتجه إلى 3,9 في المئة عام 2024 و4,4 في المئة عام 2025.

ضبط اللاجئين أو ترحيلهم

تتجه مصر حالياً إلى التدقيق في أعداد اللاجئين والمقيمين وحصر ما تتحمله الدولة من خدمات مقدمة إليهم على أراضيها والتي تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً، وفق رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي. تأتي هذه الخطوة بعد دعوات تطالب الحكومة المصرية بإبعاد اللاجئين نظراً إلى ما يقوله البعض إنهم يقفون وراء تفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد.

ونظراً إلى حدود مصر المتاخمة لخطوط النزاع، ألقى العديد من المصريين المتضررين باللوم على اللاجئين، ولم تسلم الحكومة من الانتقادات بسبب عدم تقنين أوضاعهم ووضع حد لاستقبالهم. كذلك يطالبون بمراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

أ.ف.ب.
لاجئون من السودان يصطفون للدخول إلى مصر عند معبر أرجين.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي وقّع  في مارس/آذار الماضي اتفاقات في مصر تضمنت حزمة تمويل بقيمة 8,06 مليارات دولار على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضاً واستثمارات وتعاوناً في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب. إلا أن البعض يرى أن ما يُقدّم إلى مصر من دعم من المجتمع الدولي لايسمن ولا يغني من جوع.

شكاوى ارتفاع الإيجارات

أثناء تجول "المجلة" في بعض الأحياء السكنية في القاهرة الكبرى، لاستبيان الآثار الملحوظة للارتفاعات المتصاعدة في القيمة الإيجارية للعقارات، التقت بعدد من المستأجرين وأصحاب العقارات. تباينت الآراء بين مالكي العقارات (المؤجرين)، إذ برر بعضهم أنهم لجأوا لرفع القيمة الإيجارية بتلك النسب للحصول على دخل مرتفع لمواجهة ارتفاع معدل التضخم وتكلفة المعيشة. إلا أن المستأجرين خياراتهم محدودة، فإما الموافقة على رفع القيمة الإيجارية بحسب رؤية صاحب العقار وقراره أو إخلاء الشقة.

وعبر هاني، 45 سنة، الذي يقطن في شقة إيجار بقيمة خمسة آلاف جنيه (100 دولار) في الشهر، عن غضبه من الضغوط التي تسببت بها الحروب حتى في السكن. بينما قالت منى، 55 سنة، التي تقطن في ضاحية الزيتون، إنها تبحث حالياً عن شقة إيجار، إذ لا تستطيع في الوقت الراهن الحصول على شقة تمليك لأن الأسعار تتجاوز في منطقتها ما بين مليوني جنيه (40 ألف دولار) وثلاثة ملايين جنيه (60 ألف دولار)، بعدما تعرضت إلى ضغط من المالك بزيادة القيمة الإيجارية أربعة أضعاف من أربعة آلاف و500 جنيه (90 دولاراً) إلى 18 ألف جنيه (360 دولاراً). وترى أوال السودانية، 30 سنة، والتي فرت إلى مصر عقب النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أنها تعاني من الضغوط نفسها، فهي لجأت وأشقاؤها الثلاثة إلى استئجار شقة في ضاحية عين شمس الشعبية، لكن بعدما كانت تسدد شهرياً نحو ألفين و500 جنيه (50 دولاراً) ارتفعت القيمة قبل شهر إلى خمسة آلاف جنيه (100 دولار).

 

عدم رضا اللاجئين... والمصريين

في المقابل، تواجه مصر أيضا عدم "رضا اللاجئين" بسبب ضعف الخدمات والازدحام السكاني، على الرغم من معاملتهم معاملة المواطن المصري، وفي بعض الأحيان في شكل أفضل من أهل البلد، ما زاد من استياء المصريين. ويسعى هؤلاء إلى اللجوء إلى دول أوروبية.

وطالب خبراء الاقتصاد بضرورة فرض زيادة على رسوم الإقامة في مصر، وإجراء حصر للاجئين ومعرفة مصادر أموالهم، وتطبيق الرقابة الشديدة على الأسواق والمنازل التي تُؤجَّر لهم. وهناك مطالبات بضرورة أن تعمد الدولة إلى تسجيل القادمين أو اللاجئين، على غرار ما تفعله الدول العربية، من خلال تطبيقات تثبت تاريخ دخولهم والمدة المقررة لبقائهم، ومن المسؤول عنهم، وأوراقهم اللازمة لتقنين أوضاعهم. ويتوقع الخبراء أن تتفاقم الأزمات والسلوكيات غير المحمودة إذا استمرت الدولة في مساندة اللاجئين على حساب أهل البلد.

إقرأ أيضا: المساعدات الإنسانية والمسؤولية عن الحماية في السودان

وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور طاهر مرسي أن مصر "لطالما كانت ملجأ للثوار من أنحاء العالم كله، خصوصاً الأفارقة". وقال: "ما يحدث الآن من رفع لأسعار الإيجارات هو سلوك نابع من أزمة اقتصادية عامة يعاني منها المصريون. وعلى الرغم من حصول الدولة على دعم من الاتحاد الأوروبي للتغلب على مشكلة اللاجئين، إلا أن الإيجارات لم تنخفض، ما يوضح أن الخلل ليس اقتصادياً بحتاً، بل هو خلل اجتماعي يحتاج إلى تفعيل قوانين صارمة لضبط السوق. ولا يمكن أن نغفل الأثر الاقتصادي للحروب التي تحيط بمصر، فهي تضر بالاقتصاد الكلي في شكل أكبر من حصرها في مشكلة اللاجئين فقط، ما يستدعي دعماً أكبر من المجتمع الدولي لصالح الاقتصاد المصري".

font change

مقالات ذات صلة