يشير كثير من الدارسين إلى أن الرواية العربية بدأت أساسا من المرويات التاريخية، وليس أدل على ذلك من البدايات التي نعرفها عند جرجي زيدان وعلي أحمد باكثير بل وحتى نجيب محفوظ وغيرهم. هكذا احتلت الرواية التاريخية منذ وقت مبكر مكانة مهمة في بدايات نشأة الرواية العربية وانتشارها، إلا أن تلك المكانة سرعان ما تراجعت بعد انتشار الروايات الواقعية التي تتحدث عن المجتمع العربي وما فيه من مشكلات وأزمات، ويشعر القراء بأنها أكثر قربا منهم وتعبيرا عنهم والتصاقا بعالمهم.
عندما حازت رواية "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) عام 2017 انشغل الكثير من النقاد والكتّاب بفكرة التأريخ الروائي للشخصيات التاريخية، سواء من باب التنظير لذلك النوع من الكتابة والإشارة إليه والإشادة بأهميته، أو استكشاف حيوات علماء آخرين والكتابة عنهم والدوران حولهم، ولم تكن رواية علوان هي الوحيدة في ذلك المضمار، فقد سبقه الكثيرون ممن عادوا إلى التاريخ العربي لتناول سير العلماء والمفكرين العرب، فوجدنا رواية "العلامة" لبنسالم حميش يتناول فيها سيرة ابن خلدون، كما كتب واسيني الأعرج عن عبد القادر الجزائري روايته، "كتاب الأمير"، وكتب محمد العدوي رواية "الرئيس" عن ابن سينا، وغيرها من الروايات.
"الوراق" وابن النفيس
تتباين مشاريع الكتاب والروائيين وتختلف أهدافهم حول اختيار الشخصيات التاريخية التي يقررون استعادتها وتناولها في أعمالهم الروائية، وبدا لافتا في السنوات الأخيرة اهتمام عدد من الروائيين بالتأريخ لفترات زمنية محددة وتناول شخصيات تاريخية كان لها أثر كبير في الفلسفة أو العلم والثقافة، من هؤلاء الروائي المصري يوسف زيدان الذي سطع نجمه بعد فوز روايته "عزازيل" بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) عام 2009، وكان لدراسته للتراث والمخطوطات أكبر الأثر على إنتاجه الأدبي، حتى أنه ركز في رواياته الثلاث الأخيرة على تناول شخصيات تاريخية، فكتب عن عالِم البصريات ابن الهيثم وصلته بالخليفة الحاكم بأمر الله في روايته "حاكم جنون ابن الهيثم"، كما تناول أطرافا من سيرة ابن سينا في روايته "فردقان اعتقال الشيخ الرئيس"، وها هو يطل علينا أخيرا بروايته "الوراق" التي يحكي فيها جزءا من سيرة وحياة ابن النفيس التي بدا فيها اختلاف عما عهده القراء منه في رواياته السابقة.