هل سيدعم الأسد "حزب الله" في حرب شاملة مع إسرائيل؟

تتجه الأنظار نحو دمشق لفهم موقف الرئيس السوري الذي لا يزال غامضا

أ ف ب
أ ف ب
ملصق يحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد وزعيم "حزب الله" حسن نصر الله في دمشق في صورة تعود إلى 2017

هل سيدعم الأسد "حزب الله" في حرب شاملة مع إسرائيل؟

يشهد الصراع بين إسرائيل و"حزب الله" تصاعدا متواصلا، على الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تبذلها واشنطن وباريس. وتتأذى المناطق الحدودية بين إسرائيل ولبنان بالأعمال العدائية شبه اليومية منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيما ازدادت الهجمات الأخيرة حدة وشراسة. وقد شرع المسؤولون الإسرائيليون كرد على ذلك يلمحون باضطراد إلى هجوم وشيك واسع النطاق على طول الحدود الشمالية مع لبنان، ما أثار تكهنات بإمكان حدوث عملية عسكرية كبيرة قبل نهاية الصيف.

وبينما يترقب العالم التحركات المقبلة، تتجه الأنظار نحو دمشق لفهم موقف الأسد الذي لا يزال غامضا. فسوريا، وهي حليف رئيس لـ"حزب الله" ولها حدود مشتركة مع لبنان، يمكنها أن تؤدي دورا استراتيجيا يؤثر على نتيجة هذه المواجهة. والسؤال المحوري هنا: هل سيقدم الأسد ثانية لـ"الحزب" دعما عسكريا ولوجستيا كالذي قدمه له في الصراع مع إسرائيل في حرب يوليو/تموز 2006، بل هل يمكن أن يصل هذا الدعم إلى حد فتح جبهة داعمة؟ أم إنه سيحافظ على موقف أكثر حيادية، كالذي رأيناه في حرب غزة؟

هبة في التصعيد

ترتبط التقارير التي تحذر من احتمال شن هجوم واسع النطاق على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية بزيادة التصعيد العسكري في الآونة الأخيرة. وتشير بيانات متاحة إلى أن شهر مايو/أيار شهد أكبر عدد من هجمات "حزب الله" على إسرائيل منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقد نفذ الحزب 325 هجوما، بمعدل 10.8 هجوما يوميا، مقارنة بشهر أبريل/نيسان الذي نفذ فيه 238 هجوما، بمعدل 7.8 هجوم يوميا.

وجدير بالذكر أن استخدام "حزب الله" للصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المسيرة تضاعف مؤخرا مقارنة بشهر أبريل/نيسان 2024. وواصل "الحزب" هجماته المكثفة حتى في شهر يونيو، فاخترق المجال الجوي الإسرائيلي وألحق أضرارا بقواعد عسكرية وأصاب جنودا إسرائيليين وأشعلت قذائفه حرائق ضخمة في الغابات. وفي المقابل، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على جنوب لبنان، مستهدفة عناصر من "الحزب" وقدراته ومنشآته العسكرية باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة والطائرات المقاتلة.

التهديدات الإسرائيلية

ويتزايد حديث المسؤولين الإسرائيليين عن استعدادهم لشن هجوم واسع النطاق على طول الحدود الشمالية مع لبنان. فقد صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، في 4 يونيو/حزيران بأن إسرائيل تستعد لشن هجوم عسكري على طول الحدود الشمالية مع لبنان وأنهم يقتربون من نقطة اتخاذ القرار بعد أن أجروا تدريبات مكثفة.

استخدام "حزب الله" للصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المسيرة تضاعف مؤخرا مقارنة بشهر أبريل 2024. وواصل "الحزب" هجماته المكثفة حتى في شهر يونيو

ويأتي هذا التصريح ضمن سلسلة من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الآونة الأخيرة، تلمح كلها إلى القيام بعمل عسكري في لبنان. وحتى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ردد هذا الكلام أيضا في زيارته الأخيرة إلى الحدود الشمالية عقب الهجوم الكبير الذي شنه "حزب الله" على بلدة حرفيش في منطقة الجليل الأعلى، فقال: "نحن مستعدون لعملية مكثفة للغاية في الشمال".

موقف غامض

لطالما قدمت دمشق نفسها تاريخيا على أنها رأس حربة محور المقاومة. إلا أن النظام السوري لم يعلن بوضوح عن مسار عمله إن حدث هذا السيناريو، على الرغم من تصاعد التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم واسع النطاق على طول الحدود الشمالية مع لبنان. وترى بعض التكهنات أن الأسد قد يحافظ على موقف الحياد كما فعل في الصراع في غزة، الذي دفعته إليه عوامل مثل القدرة العسكرية المستنزفة والاقتصاد المتعثر والخوف من ردود إسرائيل الانتقامية وعلاقاته المتوترة مع حركة "حماس" التي كانت حليفة قبل أن تمسي على خلاف مع دمشق الآن بسبب دعمها للانتفاضة السورية.
 ولكن علاقة الأسد بـ"حزب الله"، بخلاف علاقته بـ"حماس"، أكثر استراتيجية وقوة. وقد تجلى ذلك في دعم سوريا المحوري لـ"حزب الله" في حربه مع إسرائيل عام 2006، حيث قدم نظام الأسد مساعدات عسكرية ولوجستية مكثفة بما فيها نقل الأسلحة، فعزز بذلك قدرات "الحزب" العسكرية إلى حد كبير.

حسابات مختلفة

لا شك في أن وضع نظام دمشق المالي والعسكري يختلف كثيرا عما كان عليه عام 2006. فقواته العسكرية موزعة على مساحات شاسعة من الأراضي وعلى طول خطوط التماس مع خصومه. وقد أدى النزاع المسلح المستمر طيلة 12 عاما إلى استنفاد الإمدادات العسكرية وجعلها في حدها الأدنى. كما أن الوضع الاقتصادي مزر، ويتسم بانخفاض الإيرادات وارتفاع معدلات التضخم مع عجز كبير في الميزانية وعدم كفاية الخدمات التي توفرها الدولة.
 وعلى النقيض من علاقة الأسد المتوترة مع "حماس"، تعززت علاقاته مع "حزب الله" بشكل ملحوظ خلال الصراع. وأدى تدخل "الحزب" عسكريا في سوريا، إلى جانب الجماعات الأخرى المدعومة من إيران، دورا حاسما ليس فقط لضمان بقاء الأسد في السلطة، ولكن أيضا في مساعدة الحكومة على استعادة سيطرتها على معظم أنحاء البلاد. ويجد الأسد نفسه الآن مدينا ليس فقط لـ"حزب الله"، بل لإيران أيضا، التي تعتبر "الحزب" رصيدا استراتيجيا بالغ الأهمية ضمن شبكتها الإقليمية.

...ليس خيارا

وإذا تُرك القرار للأسد، فسيميل كما هو متوقع نحو إعطاء الأولوية لبقائه في السلطة على كل ما عداه، وهو نمط دأب عليه النظام طوال فترة الصراع في سوريا. وإذا لاحت نذر حرب مباشرة مع "الحزب"، فمن المحتمل أن يتحاشى أي دور له في الخطوط الأمامية، وسيركز بدلا من ذلك على تسهيل الدعم العسكري الإيراني لـ"الحزب".

أدى تدخل "الحزب" عسكريا في سوريا، إلى جانب الجماعات الأخرى المدعومة من إيران، دورا حاسما ليس فقط لضمان بقاء الأسد في السلطة، ولكن أيضا في مساعدة الحكومة على استعادة سيطرتها على معظم أنحاء البلاد

لذا سيعتمد العامل الحاسم على الأرجح على الضغوط التي تمارسها إيران على النظام، وعلى ما تتصوره من دور للأراضي السورية في الصراع. وعلى الرغم من ميل الأسد إلى النأي بنفسه عن الصراع في غزة، فقد استخدمت الجماعات المدعومة من إيران الأراضي السورية لشن هجمات متقطعة، وإن كانت محدودة، على الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. وهذا يشير إلى أن دمشق وطهران ربما توصلتا إلى تسوية، أو إلى أن الأسد قد تسامح على مضض مع هذه الأنشطة.
 والتقارير عن تصاعد التوترات بين الحليفين الناجمة ربما عن هذه التطورات من بين عوامل أخرى في الأشهر الأخيرة، تشير أيضا إلى مرونة العلاقة بينهما. ويمكن أن يعزى ذلك إلى تفهم إيران أو قبولها لموقف الأسد، وإلى أنها تمارس من الضغط ما يكفي للتأثير عليه بدلا من فرض تحول كامل. ويعود هذا النهج المقبول إلى أن إيران ربما لم تعد ترى سوريا عاملا محوريا لأداء دور يغير قواعد اللعبة، نظرا لمشاركة حلفاء آخرين في محور المقاومة مثل "حزب الله"، والفصائل العراقية، والحوثيين. علاوة على ذلك، لعل إيران قد اختارت تصعيد التوترات مع الأسد بسبب التداعيات الاستراتيجية المحتملة.

مخاطر أعلى

لكن المخاطر التي تتعرض لها إيران سوف ترتفع في حالة نشوب صراع واسع النطاق مع إسرائيل، ويرجع سبب ذلك في المقام الأول إلى أهمية "حزب الله" الحاسمة بالنسبة لطهران. وفي المقابل، لا يمكن المبالغة في التأثير المحتمل للنظام السوري وأراضيه على نتيجة الحرب المرتقبة. ولكن فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل من سوريا، بغض النظر عمن بادر إليها، سوف يصرف انتباه إسرائيل وربما يقلل من قواتها ومقدرتها العسكرية الموجهة لمحاربة "حزب الله" في لبنان.
لن يتركز الهدف من مثل هذه الخطوة الاستراتيجية على تحقيق مكاسب إقليمية أو على مساعدة "حزب الله" في تحقيق نصر عسكري تقليدي، فالتفوق العسكري الإسرائيلي يجعل من هذه الأهداف أمرا مستبعدا إلى حد كبير. بل سيكون الهدف دعم "حزب الله" فترة كافية حتى يتم التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار، وهي رواية من المرجح أن يصورها "حزب الله" بوصفها انتصارا له، دون الاهتمام بالتكاليف المترتبة على ذلك.

منصة إطلاق

وفي هذا السياق، قد لا تحتاج إيران إلى الضغط على النظام السوري كي ينخرط في الصراع مع إسرائيل مباشرة، ما دامت طهران وأتباعها قادرين على الاستفادة من الأراضي السورية كقاعدة إطلاق ضد إسرائيل. فالوجود الكبير للمقاتلين الذين تدعمهم إيران داخل سوريا، الأجانب منهم والمحليون، يكفي لإنشاء جبهة أخرى ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية دون مشاركة فاعلة من الأسد.
 وهذا النهج يمكّن النظام السوري من الحفاظ على موقفه الحالي بعدم الانخراط في الصراع، ومن دون أن يتسبب له في تصعيد التوترات مع إيران و"حزب الله". إلا أن هذا الموقف ليس بلا عواقب. فقد نقلت إسرائيل صراحة عبر وسائل مختلفة إلى الأسد بأنه سيواجه تداعيات خطيرة ليس فقط على أفعاله، ولكن أيضا على أفعال حلفائه العاملين فوق الأراضي السورية. وفي حال الانخراط النشط في أي فعل مؤيد لـ"حزب الله"، فليس مستبعدا أن تكثف تل أبيب هجماتها على أصول للنظام بغية الضغط على الأسد كي تغير مسار عمله والحد من الأنشطة العدائية التي تنطلق من سوريا ضد إسرائيل.
 لذا من غير المرجح أن يبقى المدى الذي سينخرط فيه النظام السوري في سيناريو كهذا، ثابتا على حاله، ولو أنه يبدو الآن خيارا غير مطروح. إذ من المتوقع أن يتقلب هذا المدى حسب الديناميات العسكرية المتغيرة والمتطورة على الأرض، بما فيها الضغط على "حزب الله" والحاجة إلى الدعم الخارجي وكثافة الهجمات الانتقامية التي تشنها إسرائيل داخل سوريا.
ومن المتوقع أن تفضي هذه الديناميات المتغيرة إلى مفاوضات متكررة ومكثفة تشمل الأسد وإيران وإسرائيل، وقد يتخطى كثير منها مجرد التواصل اللفظي.
 أما سوريا وأهلها فسوف يبقون في هذا الوقت مجرد بيادق في مباراة شطرنج جيوسياسية تتخطى قدرتهم على التأثير.

font change

مقالات ذات صلة