- كيف تشكل الحروب الدينية الأسئلة الكبرى في "خارج بلاد ما بين النهرين"؟
تنطلق الرواية من وجهة نظر معينة، حول واقع الحرب في الحياة الحديثة وهو واقع سخيف بسبب وجود وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان حتى في أثناء المعركة. لكن الأمر يتعلق كذلك بمدى تأثير قضايا أخرى، مثل تجارة الفن، في حروب القرن الحادي والعشرين. مع ذلك، على المستوى الأساسي، حاولت من خلال هذه الرواية معالجة كيف أن الإيمان الديني والملل وانعدام الفرص والظلم في الوطن، تؤدي إلى تعدد السيناريوهات التي تنتهي إما إلى الحياة أو الموت، وكيفية تفسيرها.
- أثناء قراءة هذه الرواية يدرك القارئ كيف تتقاطع الحيرة الشخصية والوطنية والعالمية عند البطل. كيف تنقل هذه التعقيدات من خلال البنية السردية؟
حسنا، الطريقة الأوضح التي يمكن نقل هذه التعقيدات من خلالها، هي من خلال الشخصية الرئيسة، صالح. كونه صحافيا، وكاتب سيناريو للتلفزيون الحكومي، وناقدا فنيا، وشخصا يتجاوز في النهاية حدود كونه مجرد صحافي إلى شخص يشارك في القتال الفعلي. في عبارة أخرى، هو لم يعد مراقبا ومراسلا نزيها. هناك رهانات بالنسبة إليه في الحرب، وهذه الرهانات، كما يدرك، تتعلق بأشياء كثيرة – صناعة الحرب، وصناعة الاستشهاد، والانتهازية الأدبية، والدعاية. لذلك يجب على البنية السردية أن تظهر البطل صالح في جميع الأدوار التي يلعبها أو يُجبر على لعبها. وفي بعض هذه الأدوار يكون أداؤه أفضل من غيرها. ما يثير الاهتمام في صالح بالنسبة إليّ هو أن لديه وعيا كاملا بنفسه في كل موقف يمر به، قدرته على التعليق عليها وعلى نفسه. ومن خلال ذلك، فإنه يفكّك باستمرار مفاهيم الحرب والسلام من خلال تفكيك نفسه.
علاقات معقدة
- يلاحظ أنك كثيرا ما تناقش العلاقات الإنسانية المعقدة في رواياتك، مثل رواية "طهران في الغسق". ما الذي يجذبك الى مثل هذه المواضيع؟
من المحتمل أني أكتب بسبب رغبتي في مناقشة العلاقات الإنسانية وكيف تظهر في عدة سيناريوهات. في "طهران في الغسق"، كتبت بشكل أساسي عن مسار حياة صديقين مقربين انفصلا بعد التخرج من الجامعة. ليصبح أحدهما كاتبا وأستاذا جامعيا، لست أنا، والآخر ينضم إلى تنظيم إرهابي عبر شبكة الإنترنت المظلم التي تضم أيضا وكالات الاستخبارات ومكافحة الاستخبارات. بالإضافة إلى خط سردي آخر، حيث أستكشف علاقتين معقدتين بين الأم والابن. أنا مهتم بهذه المواضيع لأنني أرغب في فهم ما الذي يدفع الناس إلى القيام بما يقومون به والخيارات التي يتخذونها. غالبا ما يكون هناك خط رفيع بين التعاطف والخيانة، بين الإخلاص والخيانة. في هذه الرواية، كنت مهتما بشكل خاص باستكشاف هذه المواضيع حتى النهاية لأن الاختيارات التي تتخذ، مرة أخرى، اختيارات الحياة والموت.
- وصفت "طهران في الغسق" بأنها رواية سياسية. أخبرنا عن مرحلة كتابتها.
ولدت فكرة الرواية نتيجة اهتمامي بإحدى حروب الولايات المتحدة الأميركية الكارثية في الشرق الأوسط. تدور أحداث الرواية مع بدء انتهاء الحرب في العراق. أوقات مثل هذه، عندما تحدث تحولات جيوسياسية حاسمة في منطقة ما، تفسح المجال للإثارة السياسية/ الأدبية وتمنح فرصة للكتابة. ولكن بشرط أن تنتبه إلى العامل البشري وتتجنب الجدال. لم يكن هدفي من كتابة هذه الرواية هو الكتابة عمّن هو الخيّر ومن هو الشرير، بل عن كيفية دفع البشر إلى أقصى حدود قدرتهم على التحمل في مواجهة القوى التاريخية التي تطغى عليهم. عندما أفكر، على سبيل المثل، في رواية سياسية مثيرة، أفكر في الشخصيات المتورطة في مواقف معينة بدلا من العناوين الرئيسة التي تحركهم، ثم أبدأ بالكتابة.
مراسل حربي
- كصحافي، عملت في أوكرانيا وأفغانستان والعراق. كيف تؤثر الفوضى وخطر الحرب في عملك الإبداعي؟
بما أنني لست صحافيا تقليديا، وعلاقتي بالحرب تختلف قليلا عن أي مراسل حربي نموذجي. أعني بذلك أنني مهتم بشخصية المراسل الحربي، على سبيل المثل، أكثر من اهتمامي بما يحدث بالفعل في منطقة المعركة. تعنيني التفاصيل الثانوية التي لا يراها الناس أو لا يعيرونها الكثير من الاهتمام، والأشخاص الموجودون في الأطراف، الأشخاص غير المرئيين. لذا فإن الفوضى أو الخطر في الحرب يصبحان شخصيتين في حد ذاتهما. وأنا أقر بذلك حتى قبل أن أذهب إلى الموقع، لأنني مررت به من قبل وأعرف كيف تحدث الأشياء، واحدا تلو الآخر، في هذه المواقف القصوى. بمعنى آخر، العملية الإبداعية هي حزمة أحملها بالطريقة نفسها التي قد يحمل بها صحافي آخر جهاز التسجيل أو الكاميرا أو لوحة المفاتيح. أنا أراقب المراقبين، وهذا يخلق طاقة مزدوجة، طاقة غريبة تسمح لي بالدخول إلى المناطق الداخلية للحرب حيث أشعر براحة أكبر، وأعتقد، أكثر إبداعا.
- صدرت الترجمة العربية من "طهران عند الغسق" منذ فترة وجيزة وقمت أخيرا بزيارة القاهرة، كيف تقيم هذه التجربة، وهل دارت بينك وبين المترجم نقاشات حول النص الروائي؟
كانت تلك زيارتي الأولى للقاهرة وأعتقد أن الانوجاد فعليا ورؤية الثقل التاريخي المنتشر في كل زاوية وركن في هذه المدينة المذهلة والمجنونة والجميلة والمؤلمة أحيانا، هي تجربة ثرية. الكتاب الرائعون الذين التقيت بهم، وناشري الرائع في القاهرة، والأشخاص العاديون في الشارع، جعلوني أشعر أنني في بيتي الثاني. شعب مصر، وأعتقد على وجه الخصوص أهل القاهرة، غالبا ما يسألون الشخص من أين هو. عندما أقول كلمة "إيران"، يحدث رد فعل مختلف تماما عما لو قلت إنني من فرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة. وفجأة، أجد نقاط تفاهم متبادل، ووعي مشترك، وننخرط في محادثات أشك في أن مصريا سيتمكن من إجرائها مع زائر من دول أخرى. في الحقيقة، لطالما حلمت بزيارة مصر، والآن بعدما تحقق حلمي، لا أعتقد أنني أريده أن ينتهي. لأنه، من نواحٍ عدة، تظل مصر والقاهرة، بغض النظر عن الظروف، قصر أحلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنسبة إلى الكثيرين.
بإختصار تجربة زيارة مصر لمناسبة صدور الكتاب باللغة العربية كانت مذهلة وغير متوقعة. لكن في الحقيقة مساهمتي في عملية الترجمة الفعلية لا تذكر.