السعودية والمغرب نحو تكامل صناعي استراتيجي في السيارات والفوسفات

أكبر تعاون اقتصادي من نوعه بين دولتين عربيتين من آسيا وأفريقيا يخدم تنويع الإنتاج وتوطينه

أكسيل أنجيل غارسيا
أكسيل أنجيل غارسيا

السعودية والمغرب نحو تكامل صناعي استراتيجي في السيارات والفوسفات

تتجه المملكة العربية السعودية والمغرب، وهما مملكتان شقيقتان من الخليج العربي وشمال أفريقيا، نحو إنشاء هياكل تكامل صناعي استراتيجي بينهما، يشمل مجالات عدة، خصوصا صناعة السيارات والبطاريات، والأسمدة الفوسفاتية، والطاقات المتجددة، والتقدم التكنولوجي، وكذلك تبادل الخبرات، وتنويع الاستثمارات، وتطوير التجارة البينية في الاتجاهين.

يمثل ذلك أكبر تعاون اقتصادي- صناعي من نوعه بين دولتين عربيتين من آسيا وأفريقيا، من شأنه تعزيز حضور الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وجعلها محركا رئـيسا لتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي وفق "رؤية 2030" السعودية، والنموذج التنموي الجديد في المغرب الذي يسعى إلى مضاعفة الصادرات الصناعية. ولا يستبعد انضمام دول عربية أخرى إلى التكامل الصناعي بين الرياض والرباط في مرحلة لاحقة، كما قالت مصادر مغربية لـ"المجلة"، وهي الإمارات العربية المتحدة ومصر، لزيادة حصة الصناعة في مكونات الناتج العربي الإجمالي، وتعزيز الحضور في مهن العالم الجديدة وسلاسل القيم والإمدادات في خريطة النظام العالمي الاقتصادي الجديد.

وصادق مجلس الوزراء السعودي، برئاسة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، في مايو/أيار الماضي، على مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارتي الصناعة والثروة المعدنية السعودية، والانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب، على هامش مؤتمر التعدين الدولي الذي استضافته الرياض مطلع السنة الجارية، بمشاركة 79 دولة و13 منظمة دولية، لبحث سبل التعاون في إنتاج المعادن الاستراتيجية في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى غرب ووسط آسيا.

تراهن السعودية على الصناعة لتنويع اقتصادها، من خلال بلورة استراتيجيات عدة تستهدف 12 قطاعا، من بينها تلك ذات الصلة بالاستدامة، والأمن، والموارد الطبيعية، وصناعات المستقبل

وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر ابراهيم الخريف

كما استضافت الرباط الدورة 28 للجمعية العامة للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين في 4-6 يونيو/حزيران، وشكل ذلك فرصة أمام الوزراء العرب لبحث فرص التعاون المتاحة، نحو تكامل صناعي، يأخذ من المعادن أرضية للانطلاق.

وقال وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر ابراهيم الخريف "إن المملكة العربية السعودية تراهن على الصناعة لتنويع اقتصادها، من خلال بلورة استراتيجيات عدة تستهدف 12 قطاعا، من بينها تلك ذات الصلة بالاستدامة، والأمن، والموارد الطبيعية، وصناعات المستقبل". واعتبر الوزير السعودي الذي زار عددا من المناطق الصناعية في مدن طنجة والدار البيضاء شملت قطاعات السيارات والفوسفات، واجتمع باتحاد رجال الأعمال، "الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، "أن هذه المبادرات تتيح العديد من فرص التعاون مع المغرب في مشاريع مبتكرة واستراتيجية". 

.أ.ب
عامل يشرف على جمع أجزاء مركبة على أحد خطوط الإنتاج في مصنع رينو، على مشارف مدينة طنجة، المغرب، 29 أبريل 2024

واتفق الجانبان على تطوير مبادرات صناعية مشتركة من شأنها المساهمة في النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل في البلدين، و"إجراء دراسات معمقة لتحديد المشاريع الصناعية المشتركة التي يمكن أن تستفيد من التقدم التكنولوجي، والبحث العلمي والخبرة التي تتوفر عليها المملكتان".

500 ألف سيارة كهربائية سعودية

وسيكون التعاون في مجال صناعة السيارات وصناعة الأسمدة الفوسفاتية، المدخل الأول لهذا التعاون الاستراتيجي، وأحد أهم أذرع التكامل الصناعي السعودي المغربي، الذي سيشمل مجالات أخرى طبية وعسكرية وتكنولوجية وفي قطاع الطاقة وغيرها.

السعودية تطمح لأن تكون بين الدول الخمس الكبرى في تصنيع السيارات الكهربائية وتصديرها في أفق 2030

تتطلع السعودية لأن تكون بين الدول الخمس الكبرى في تصنيع السيارات الكهربائية وتصديرها في أفق 2030، بإنتاج سنوي يقدر بـ500 ألف مركبة كهربائية قبل نهاية العقد الحالي، عبر مراحل وخطوات بدأتها بإنشاء شركة "سير"، وهي أول علامة تجارية لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة العربية السعودية، كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعلن إطلاقها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. والشركة هي مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وشركة "فوكسكون" (Foxconn) للتكنولوجيا التايوانية، لتصنيع السيارات الكهربائية، من شأنه مساعدة المملكة في تنويع اقتصادها من خلال تصنيع أشباه الموصلات، ومكونات السيارات الكهربائية، والخروج تدريجيا من الاقتصاد المعتمد على النفط، بحسب "وول سترتيت جورنال".

ترخيص تركيب هيكل "بي. إم. دبليو"

وحصلت الشركة السعودية على تراخيص تركيب مكونات السيارات على هيكل "بي. إم. دبليو" الألمانية (BMW AG). وتقدر قيمة المشروع بنحو 9 مليارات دولار، ويقع داخل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية على مساحة مليون متر مربع، مما يجعل منها أكبر منصة لصناعة السيارات في الشرق الأوسط. 

Shutterstock
سيارة لوسيد السعودية، في معرض دبي للطيران.

ويتطلع الصندوق السعودي أيضا إلى تطوير مصنع للبطاريات، موجهة إلى السيارات الكهربائية، في أفق 2028. وتشهد صناعة المركبات ذات المحركات والمقطورات ونصف المقطورات تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت الإيرادات من 1,18 مليار دولار عام 2022 إلى 1,27 مليار دولار عام 2023 لتصل إلى 1,28 مليار دولار عام 2024.

وقدرت إيرادات تصنيع معدات النقل الأخرى بنحو 600 مليون دولار عام 2022، وتجاوزت 645 مليون دولار عام 2023. ويتوقع أن تصل إلى 646 مليون دولار بحلول عام 2024، وفق تقرير صادر عن المركز الوطني السعودي للتنمية الصناعية. ويتوقع أن تبلغ مبيعات السيارات الإجمالية في السعودية 1,31 مليون عربة بحلول عام 2025. 
وتصدرت المملكة معدلات عدد السيارات والمركبات التجارية الجديدة المبيعة أو المسجلة في الشرق الأوسط والمنطقة في عام 2022.

السعودية صارت تعتبر أكبر منصة لصناعة السيارات في الشرق الأوسط بـ9 مليارات دولار بعد الاتفاق مع "بي. إم. دبليو" الألمانية 

عقب جولته داخل المنطقة الصناعية للسيارات في طنجة، واجتماعه بالمسؤولين التنفيذيين في منظومة صناعة السيارات، وزيارته شركة "تي. أي. كونكتفتي" (TE Connectivity) المتخصصة في صناعة القطع والأجهزة الكهربائية، قال الخريف، "إن المملكة بصدد توطين عدد من الصناعات النوعية بما في ذلك صناعة السيارات، والاستفادة من التجارب المتميزة في صناعة السيارات عربيا وعالميا، ومنها التجربة المغربية التي تعتبر الأولى عربيا في إنتاج السيارات".

للمزيد إقرأ: قصة نجاح صناعة السيارات في المغرب

وصادفت هذه التصريحات توقيع اتفاقية استثمارية كبيرة بين مجموعة "غوشن هاي تيك" الصينية الألمانية والحكومة المغربية بقيمة 1,3 مليار دولار، لإنشاء مصنع ضخم في القنيطرة شمال الرباط لإنتاج البطاريات الكهربائية، وعبوات تخزين الهيدروجين الأخضر، لعدد من مصنعي السيارات الجديدة في العالم. 

وتعتزم المجموعة رفع استثمارها إلى 6,6 مليارات دولار في أفق 2028، تماشيا مع تنامي الطلب على السيارات الكهربائية، وتراجع سوق المحركات الحرارية التقليدية في أفق 2030. وأنتج المغرب 750 ألف سيارة العام المنصرم، ويعتزم رفع الانتاج إلى مليون عربة عام 2025، على أن يتحول تدريجيا إلى منتج للسيارات الكهربائية والهجينة ويتخلى عن المحركات الحرارية التقليدية.

آفاق الشراكة

تفتح الشراكة السعودية المغربية الباب للتحول إلى منصات عالمية لصناعة سيارات المستقبل الكهربائية، لما يملكه البلدان من إمكانات وخبرات وتجارب. وهناك جدال علمي وتقني بين المهندسين، حول خيارات السيارات الكهربائية، بالكامل BEV، أو الهجينة HEV، أو الهيدروجينية. ويمكن استخدام هذه التقنيات في مجال الطيران واليخوت والنقل البحري والقطار السريع. ويحتاج البلدان إلى خط بحري دائم لربط ميناء جدة وميناء طنجة لتكامل المشاريع الصناعية وتحفيز التجارة والمبادلات، وهو مطلب قديم جديد لمجلس الأعمال السعودي المغربي.

عززت الاكتشافات الجديدة للفوسفات في عدد من مناطق السعودية موقعها في جغرافيا منتجي الأسمدة الفوسفاتية، وتتطلع المملكة لأن تكون ثانية بعد المغرب

لا شك أن التحولات العلمية والتقنية في الصناعات الجديدة، تصب في صالح المنطقة العربية، التي تتوفر على مخزون هائل من المعادن الدقيقة المطلوبة في الأسواق العالمية لصناعة الغذاء، وبطاريات السيارات الكهربائية، والأدوية، والعطور، وغيرها من الصناعات، والتي يمكنها أن تشكل رهانا اقتصاديا واعدا للأجيال المقبلة، من خلال إعادة تصنيع تلك المعادن عوض تصديرها خاما دون فائض قيمة صناعي.

الفوسفات أم التعاون

ويمثل التحول الصناعي في الفوسفات أحد النجاحات الممكنة، إذ يُستخدم الفوسفات في العديد من الصناعات الكيميائية أهمها، تحضير مكونات الفوسفور، وحامض الفوسفوريك، المستخدم في الصناعات التعدينية والحربية والطبية والغذائية وحتى في عيدان الثقاب. 

كما يستخدم الفوسفات في صناعة الأسمدة المختلفة، لزيادة المحاصيل الزراعية وتخصيب الأرض وتحسين الإنتاج الغذائي، بالإضافة إلى إمكان استخراج بعض المعادن النادرة والعناصر المشعة، ومنها اليورانيوم، الذي يمكن من تشغيل المحطات النووية والكهربائية.

وتملك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من 80 في المئة من الاحتياطي العالمي من الفوسفات، منها 50 مليار طن في المغرب، الذي أنتج 40 مليون طن عام 2023. 

2,5 تريليون دولار القيمة المالية للموارد المعدنية السعودية

وحلت الأردن ثانية بـ10 ملايين طن، والسعودية ثالثة بـ9 ملايين طن، ومصر رابعة بـ5 ملايين طن، وتونس خامسة بـ4 ملايين طن. وقدر سوق الفوسفات الخام بنحو 80 مليار دولار عام 2023، بينما يتنامى الطلب على الأسمدة الفوسفاتية التي زادت أهميتها مع اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا بحسب "غلوبال فوسفات ماركت".

الأسمدة الفوسفاتية

عززت الاكتشافات الجديدة للفوسفات في عدد من مناطق السعودية موقعها في جغرافيا منتجي الأسمدة الفوسفاتية. وتتطلع المملكة لأن تكون ثانية بعد المغرب الذي صدر العام المنصرم ما قيمته 12 مليون دولار من أنواع الفوسفات المختلفة. وتقدر حاليا القيمة المالية للموارد المعدنية السعودية بنحو 2,5 تريليون دولار (9,3 تريليون ريال سعودي)، وفقا لتصريحات مسؤولين في الرباط.

وشكل موضوع التعاون المغربي السعودي في قطاع الفوسفات حدثا عالميا لدى المعنيين، باعتبار أن البلدين يملكان احتياطيات ومخزونا كبيرا وإمكانات تكامل في وسائل الإنتاج والخبرة، مما قد يؤثر في أسواق وأسعار الفوسفات لاحقا.

font change

مقالات ذات صلة