القدس- نادرا ما تُناقش حركة اليمين المتطرف في إسرائيل بوصفها جزءا من الموجة الشعبوية العالمية، ويعود سبب ذلك إلى الطبيعة الفريدة للدولة اليهودية وإلى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. إلا أن الأيديولوجيا التي يدعمها أمثال وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، أو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أو حتى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، على علاقة كبيرة باليمين العالمي المتطرف، ولعل نجاحهم ينبع في الأساس من الجذور نفسها.
وقد اعترف ممثلو حركة اليمين الإسرائيلي المتطرف أنفسهم بهذه الصلات الوثيقة. فنتنياهو مثلا يجد من الأسهل عليه مصادقة شخصيات شعبوية مثل رئيس المجر فيكتور أوربان، ورئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب نفسه، بالمقارنة مع بعض القادة العالميين الآخرين (أو أولئك الذين لا يتبعون أصدقاء نتنياهو الشعبويين).
وليس في الأمر صدفة مطلقا. فمشاعر اليمين المتطرف في إسرائيل تنهض على الآليات نفسها وعلى الحجة نفسها: الدفاع عن هوية واحدة مفردة نقية، على حساب كل الهويات الأخرى، أو على حساب مبدأ الديمقراطية. وبن غفير- وهو في الأساس من دعاة التفوق اليهودي- يعتقد أن اليهود في إسرائيل يجب أن يتمتعوا بحقوق أكثر من غيرهم. وقال ذلك بنفسه أكثر من مرة. ولا يترك حزبه )القوة اليهودية( متسعا لأي تفسير آخر.
وفي إسرائيل، تأخذ هذه الحجة معنى أعمق. فالهوية الأساسية لإسرائيل قائمة على مبدأين رئيسين: إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية. غير أن هذين المفهومين لا يمتزجان معا بسهولة دائما، لا بل يناقض أحدهما الآخر بطرق عديدة في الواقع. فإذا كانت إسرائيل دولة يهودية، فما مصير الأقليات؟ وإذا كانت إسرائيل دولة يهودية، فهل ينبغي أن تحل قوانين التوراة محل قوانين الدولة- وهي دولة ليس لها دستور محدد؟
لطالما كانت هذه التناقضات قائمة، لكنها اكتسبت أهمية جديدة في السنوات الماضية. إذ إن قطاعا من الطيف السياسي الإسرائيلي اتخذ على نحو متزايد خياره: إذا حدث تصادم بين هذين المبدأين المؤسسين، فالأولوية دوما للهوية اليهودية للبلاد.
وليس تقويض الديمقراطية في إسرائيل مقابل الحفاظ على الهوية الأساسية للدولة من قبيل الصدفة التاريخية. وفي الوقت الذي كان نتنياهو يدفع باتجاه إصلاح قضائي، لم يكن للتحالف بين نتنياهو واليمين المتطرف أن يفكك التوازن الوحيد الذي يضبط سلطة الحكومة، فيما يتزايد الشقاق بين المبدأين اللذين يشيران إلى هوية إسرائيل. وقد اتخذ الشعبويون في إسرائيل قرارهم حول أي المبدأين يأتي أولا عندهم. وهو اختيار بديهي: بالنسبة لأمثال سموتريتش أو بن غفير، أن تكون إسرائيل ديمقراطية فهو مجرد وضع مؤقت (وهو الوضع الذي تعيشه إسرائيل الآن) أما طابعها اليهودي فهو ضرورة.