بوتين وزيلينسكي و "ترمب الثاني"

المقلق أكثر لزيلينكسي، إن دونالد ترمب، صديق بوتين، قد يكون الرئيس الأميركي المقبل

بوتين وزيلينسكي و "ترمب الثاني"

القمة الدولية التي عقدت في منتجع سويسري قبل يومين، يفترض أن تكون بداية الطريق للوصول إلى اتفاق روسي - أوكراني وليس منصة إعلان التسوية. لذلك، كان طبيعيا أن يستبق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة بطلبه "استسلام" كييف، وأن يتمسك الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينكسي بانهاء "الإحتلال".

القمة أول محاولة جدية لبدء طريق طويل ووعر مليء بالألغام، للبحث عن حل للحرب المستمرة في قلب أوروبا منذ أكثر من سنتين. عقدت بمشاركة 90 دولة وجهة، كانت بينها دول ذكّرت بضرورة حضور روسيا الطرف الأساسي في الحرب والصين الداعمة لموسكو في سياق صراعها مع الدول الغربية.

ما موقف أوكرانيا قبل قمة سويسرا؟ تعرضت قوات كييف في الأشهر الأخيرة لسلسلة انتكاسات ميدانية بعدما كانت في موقف هجومي في العام الماضي. وشنت موسكو هجوما بريا جديدا على منطقة خاركيف أرهق كييف. الانتكاسات مردها للإنهاك البشري للقوات الأوكرانية بعد أكثر من سنتين من حرب طاحنة من جهة وتأخر الإمدادات العسكرية الغربية وخصوصا الأميركية بسبب الانقسام السياسي من جهة ثانية. حتى أن حزمة المساعدات العسكرية التي أقرها الكونغرس متأخرا، تحتاج وقتا كي تدخل في حيز المعارك... لتعزيز الموقف الدفاعي والتفاوضي.

كان هناك حرص غربي على دعم زيلينكسي، المنتهية ولايته الرئاسية. أعطت واشنطن ضوءا أخضر لقواته كي تستهدف أهدافا في روسيا بأسلحة غربية. وفي قمة "الدول السبع" حصل الرئيس الأوكراني على جرعات دعم إضافية: اتفاق أمني من الرئيس جو بايدن مدته عشر سنوات، يتضمن تقديم معدات وتدريب ومعلومات وضمانات. تعهد الدول الكبرى بتقديم قروض بقيمة 54 مليار دولار أميركي من فوائد الأصول الروسية المجمدة في دول غربية وقدرها حوالى 300 مليار دولار. القروض، ستقدمها أميركا وكندا واليابان وبريطانيا ودول أخرى.

تعرضت قوات كييف في الأشهر الأخيرة لسلسلة انتكاسات ميدانية بعدما كانت في موقف هجومي في العام الماضي. وشنت موسكو هجوما بريا جديدا على منطقة خاركيف أرهق كييف

احتضان "السبع" لأوكرانيا اتسعت مروحته في سويسرا، سواء بخطابات الدعم لكييف أو برفض شروط موسكو، حيث ذهب البيان الختامي إلى تأكيد "التزامنا مبادئ السيادة والاستقلال ووحدة أراضي كل الدول بما فيها أوكرانيا، ضمن حدودها المعترف بها دوليا". ووقوفا عند مطالب بعض الدول الوسطية الحاضرة، ظهر تأكيد "الاعتقاد" بأن التوصل إلى السلام يتطلب مشاركة "جميع الأطراف وحوارا بينها".
كان زيلينكسي يريد حشد الدعم لخطته ذات النقاط العشر وتتناول جوانب الصراع بما فيها الأمن الغذائي والنووي ووقف النار وتبادل الأسرى والمحاسبة. لكن أهم نقاطها بناء "هيكل أمني في الفضاء اليورو-أطلسي بما يتضمن ضمانات لأوكرانيا" و"سحب القوات الروسية ووقف العمليات القتالية وإعادة الحدود بين أوكرانيا وروسيا لسابق عهدها" ما يعني الانسحاب من جميع الأراضي بما فيها شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في العام 2014.
ماذا عن بوتين؟ أعلن الرئيس الروسي عشية قمة سويسرا شروطه لوقف النار، وتشمل انسحاب قوات كييف بالكامل من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومنطقتي خيرسون وزابوريجيا الأوكرانية، المناطق التي أعلن الكرملين ضمها في العام 2022، رغم عدم سيطرتها الكاملة على أي منها. ولا تزال العاصمتان الإقليميتان خيرسون وزابوريجيا تحت سيطرة كييف، ما يعني انسحاب الجيش الأوكراني من أراضيه. وأضاف شرطا يتمثل بتخلي اوكرانيا رسميا عن مشروعها الانضمام إلى "حلف شمال الأطلسي" (ناتو). 
"التنازل" الذي قدمه بوتين يتعلق بـ"احتفاظ كييف بالسيادة الأوكرانية" على منطقتي خيرسون وزابوريجيا الجنوبيتين "شرط أن تكون لروسيا روابط برية قوية مع شبه جزيرة القرم". ربما لان أولويته إنشاء "جسر بري" بين روسيا وشبه جزيرة القرم، على طول الساحل الجنوبي لأوكرانيا.
واضح أن بوتين يريد "شرعنة" المكاسب العسكرية. ردود فعل كييف وحلفائها على "خطة" الكرملين، كانت متوقعة. زيلينكسي رفض "إنذار" بوتين. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبرها "استسلاما". المستشار الألماني أولف شولتز  قال انها "غير جدية". الأمين العام لـ "ناتو" اعتبرها تفتقد لــ"حسن نية" من الرئيس الروسي، الذي قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عنه إنه "ليس في وضع يسمح له بأن يملي على أوكرانيا ما يجب عليها فعله لتحقيق السلام". أما مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، فاعتبر اقتراح بوتين "غير معقول"، لأنه يعني أن أوكرانيا "لن تتخلى عن الأراضي التي تحتلها روسيا حاليا فحسب، بل سيتعين عليها أن تترك المزيد من الأراضي الخاضعة لسيادتها".

ما يقلق زيلينكسي هو بالضبط ما يراهن عليه بوتين. معظم قادة "الدول السبع" الذي قدموا الدعم لأوكرانيا واحتضنوه في ايطاليا لن يكونوا حاضرين في القمة المقبلة

للوهلة الأولى، تبدو شروط بوتين تعجيزية تفرض الإذعان على زيلينكسي. والأمر الطبيعي أن تقابل بتمسك كييف بشروطها للتسوية. الشيء الجديد، إن كل طرف بدأ يعبر عن تصوراته للحل في شكل علني. هذا مهم لأنه يساهم في رسم ملامح التسوية وتهيئة شروط داعمة للحل وتوفير ذخيرة كافية لترويج الانتصار.

أغلب الظن أن بوتين سيبقى على مواقفه المتشددة ومطالب الحد الأقصى. هو باق في الكرملين، وجدد رئاسته الممتدة لربع قرن، رغم نزيف البشر والقتلى. قواته تواصل القتال واقتصاده يلتف على الحصار.
 ما يقلق زيلينكسي هو بالضبط ما يراهن عليه بوتين. معظم قادة "الدول السبع" الذي قدموا  الدعم لأوكرانيا في قمة إيطاليا يعانون من انتكاسات داخلية وتحديات انتخابية. معظم قادة "السبع" الذين احتضنوه في ايطاليا لن يكونوا حاضرين في القمة المقبلة. 
المقلق أكثر لزيلينكسي ، إن دونالد ترمب، صديق بوتين، قد يكون الرئيس الأميركي المقبل. والأشهر المقبلة، قد تكون غير كافية لتغيير الوقائع الميدانية لتحسين شروط التسوية.

font change