يميل كثير من العراقيين إلى فكرة "الحاكم العسكري" بديلاً عن فوضى الديمقراطية. وربما يطرحونها حلاً للفساد. لذلك تجد الدعوات إلى تمركز السلطة بيد حاكم واحد أوحد حاضرة دائماً في نقاشات إصلاح نظام الحكم. والمفارقة أن من يتبنى هذه الفكرة قد يكون من النخب الأكاديمية أو السياسية وحتى الثقافية.
آخر الدعوات طرحها السيد حميد الياسري قائد لواء "أنصار المرجعية" في "الحشد الشعبي" التابع للعتبات الدينية. وكانت ضمن دعوة وجهها للتظاهر ضد الفساد في محافظة المثنى. ودعا فيها البرلمان ورئيس الوزراء إلى إرسال "حاكم عسكري" نزيه لطرد الفاسدين.
قد تعبر دعوة السيد الياسري عن عدم دراية بالدستور والقوانين الحاكمة التي لا تمنح لرئيس مجلس الوزراء ولا البرلمان الحق في أن يصدرا قرارا بحل مجلس المحافظة وإقالة المحافظ وتعيين حاكم عسكري بديلاً عنهما لتسيير شؤون المحافظة. لكنه يدرك تماماً أن هذه الدعوة لها قوة جاذبية في استقطاب الجمهور الناقم على الطبقة الحاكمة.
مشكلة التفكير بالحلول لأزمات النظام السياسي في العراق تراهن بعضها على "شخصية القائد" والركون إلى "نظرية البطل في التاريخ". يمكن وصفها بأنها تمثل نوعاً من القفز فوق الواقع والتعايش مع الأحلام. ففكرة البطل المنقذ من الأزمات تفترض وجود بطل يصنع الحدث بقوة تأثيره وبما يملكه من قدرات عبقرية وهو الرجل "السوبرمان" كما يسميه الفيلسوف الألماني نيتشه. أو تفترض وجود أحداث وتطورات ممكن أن يستفيد منها شخص أو أشخاص محددين ويتحولون إلى أبطال يغيرون مجرى تاريخ دولة ما. والافتراضان ربما يحتاجان إلى التداخل حتى يمكن أن يتحقق التغيير السياسي في العراق.
تفكير الجمهور، مشكلة أيضا. فالكثير من العناوين السياسية التي تحكمنا الآن تتعيش على وهم "الزعامة السياسية" التي همها صناعة الجمهور الممتثل، ببلاهة تحيزاته، واستعداده للركض وراء من يسوسه، فحياته خواء إن لم يكن ثمة انقياد وسوْس وإن لم يكن ثمة خضوع أعمى لزعيم، والتمجيد به ورفع صوره وترديد شعاراته.
إذ كيف يمكن للعراقيين الذين تجرعوا الموت والخراب ودفعوا ثمن التغيير نحو النظام الديمقراطي بدمائهم عندما تحدوا الجماعات الإرهابية، ودخلوا في دوامة حرب أهلية، يبحثون عن "حاكم واحد أوحد" يخلصهم من حكم الفاسدين ويستعيد لهم الدولة؟ صحيح أن الطبقة الحاكمة بعد 2003 والتي وصلت إلى السلطة عبر الانتخابات، لم تتمكن من محو آثار الدكتاتورية، وبيضت الكثير من صفحاتها عندما جعلت السلطة تحت سيطرة الاوليغارشيات التي تحكم باسم الطائفة أو القومية، وتمادت كثيراً في الفساد وأسست لفوضى السلاح المنفلت. لكن الشعب يبقى مصدر خوف لهذه الطبقة، ومصدر تهديد لبقاء هذه المنظومة الحاكمة، كما حدث في احتجاجات تشرين الاول/ اكتوبر 2019. وهذا المكسب لا يمكن التضحية به، والتفكير بالخضوع لحكم الدكتاتور.