نايجل فاراج... العائد إلى السياسة البريطانية لوقف الهجرة

من المؤكد أن دخوله المتأخر على الحملة الانتخابية سيبعث الحيوية فيها

لورا سالافيا
لورا سالافيا

نايجل فاراج... العائد إلى السياسة البريطانية لوقف الهجرة

يرتبط اسم نايجل فاراج أكثر من غيره باتخاذ المملكة المتحدة قرار خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في استفتاء عام 2016. وقد تحول الآن واحدا من أكثر الشخصيات إثارة للانقسام في السياسة البريطانية.

ولا يزال فاراج من أشد منتقدي سياسات الهجرة التي واظبت عليها الحكومات البريطانية المتعاقبة في السنوات الأخيرة، كما أن صداقته الشخصية الوثيقة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تعني أنه لا يزال يحتفظ بمكانة بارزة في المشهد السياسي البريطاني، على الرغم من فشله عدة مرات في الفوز بمقعد في مجلس العموم البريطاني. غير أن الحال قد يكون على وشك التغير بعد إعلان فاراج المفاجئ في 3 يونيو/حزيران، عن عزمه خوض الانتخابات العامة في يوليو/تموز المقبل، كممثل عن حزب "إصلاح المملكة المتحدة"، وهو الحزب اليميني الجديد الذي تأسس لمنافسة تيار المحافظين السائد. ويتولى فاراج في الوقت نفسه منصب زعيم الحزب.

وبعد أن قال في وقت سابق إنه لن يترشح للانتخابات العامة المقررة في يوليو، ها هو الآن يعلن ترشحه عن حزب "الإصلاح" في منتجع كلاكتون الساحلي الإنكليزي، وهي المنطقة التي صوتت بأغلبية ساحقة لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

وقال فاراج، الزعيم السابق لحزب استقلال بريطانيا وحزب بريكست، إنه غير رأيه بعد قضاء بعض الوقت في الحملة الانتخابية، مضيفا أنه لا يريد أن يخذل مؤيديه. وتتمتع مقاطعة "إسيكس"، التي كانت أول من انتخبته نائبا عن حزب "استقلال بريطانيا" في عام 2014، بأغلبية محافظة بلغت 24.702 صوت.

وقال فاراج عندما أعلن عن ترشحه، إنه يريد قيادة "ثورة سياسية". وأضاف "نعم، ثورة. إدارة ظهورنا للوضع السياسي الراهن، أمر غير مُجد. فليس في البلد شيء يعمل على نحو مجد".

كما توقع أن يكون المحافظون في المعارضة على الأرجح بعد الانتخابات العامة. وأعلن فاراج: "إنهم منقسمون في السياسة، وبصراحة هم لا يمثلون أي شيء في الوقت الحالي. لذا فإن هدفنا في هذه الانتخابات هو أن نحصل على ملايين عديدة من الأصوات. وأنا أتحدث هنا عن أصوات أكثر بكثير مما حصل عليها حزب (استقلال بريطانيا) عام 2015".

اتخذ فاراج قراره بالترشح بعد أن قاد حملة عامة ناجحة لحزب "الإصلاح" في شمال البلاد وفي دوفر في بداية حملة الانتخابات العامة. ومع حلول يوم الأحد من الأسبوع الماضي، كان قد اتخذ قراره بالترشح، لكنه لم يصارح أحدا بقراره ما خلا المستشارين، ومنهم أندرو ريد، محاميه وصديقه، بل إنه لم يخبر زعيم "الإصلاح" آنذاك، ريتشارد تايس، إلا يوم الاثنين التالي، خوفا من التسريبات.

وحزب "إصلاح المملكة المتحدة" شركة محدودة، يمتلك فاراج 53 في المئة مقابل 33 في المئة لتايس، لذا فهو صاحب اليد العليا، مع أن تايس هو من حصل على قرض مالي بقيمة 1.4 مليون جنيه إسترليني لتأسيس الحزب.

ومن المؤكد أن دخول فاراج المتأخر على الحملة الانتخابية في المملكة المتحدة، سيبعث الحيوية في هذه الحملة التي فشلت حتى الآن في إثارة الكثير من الحماس بين الناخبين، الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع في 4 يوليو، بعد أن دعا رئيس الوزراء ريشي سوناك في خطوة مفاجئة إلى إجراء انتخابات هذا الصيف، بدلا من الانتظار حتى الخريف، كما توقع الكثير من المعلقين.

كان فاراج، وهو المتمرس في الحملات، وجها من الوجوه التي شككت بجدوى بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. وقاد حملة هدفت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بوصفه زعيما لحزب "استقلال بريطانيا"، وهو حزب أسس خصيصا لهذه الحملة، ثم انتقل لقيادة حزب "البريكست" وها هو الآن يقود حزب "إصلاح المملكة المتحدة".

لقد تنقل طيلة حياته السياسية بين أدوار سياسية وإعلامية، وتنقل في حياته المهنية بين الأحزاب السياسية. وهو ابن مضارب في البورصة، ولد في كِنت عام 1964 والتحق بمدرسة خاصة في كلية دولويتش في جنوب لندن. يتذكره زملاؤه التلاميذ كتلميذ حرص على استفزاز الطلاب والمعلمين بتصريحاته المثيرة للجدل. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره قرر أن لا يلتحق بالجامعة، وأصبح تاجرا للمعادن في بورصة لندن عام 1982.

يُنظر إلى حزب "الإصلاح"، وإلى اللحظة التي اتخذ فيها فاراج قراره بالترشح، على أنه حزب هامشي إلى حد كبير في السياسة البريطانية

ترك فاراج حزب المحافظين بعد أن وقعت المملكة المتحدة على معاهدة ماستريخت عام 1992، وهي المعاهدة التي دعت إلى "اتحاد أوثق من أي وقت مضى" بين الدول الأوروبية. وكان أحد الأعضاء المؤسسين لحزب "استقلال المملكة المتحدة"، الذي كان حينها مجموعة هامشية صغيرة، وأخفق عندما ترشح لأول مرة للبرلمان عام 1994 في الانتخابات الفرعية في إيستلي. ثم انتخب عضوا في البرلمان الأوروبي، عن جنوب شرقي إنكلترا عام 1999 وبقي فيه حتى عام 2020.
بعد أن أصبح زعيما لحزب استقلال المملكة المتحدة أول مرة عام 2006، أصبح وجها مألوفا على شاشة التلفاز وحقق تقدما في الانتخابات الأوروبية عام 2009، حيث حصل حزب "استقلال المملكة المتحدة" على أصوات أكثر من "حزب العمال" و"حزب الديمقراطيين الأحرار".
ثم أدى دورا رائدا في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016. وبعد التصويت لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي، استقال من حزب "استقلال المملكة المتحدة".
وفي الفترة التي أعقبت تصويت المملكة المتحدة لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، ولكن قبل مغادرتها، أطلق حزب "بريكست" في أبريل/نيسان 2019. وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، غير اسم حزبه إلى حزب "إصلاح المملكة المتحدة". لكن فاراج ترك العمل السياسي في الصف القيادي عام 2021 وبدأ العمل التلفزيوني كمقدم برامج في قناة "جي بي نيوز" المؤسسة حديثا.

أ ف ب
نايجل فاراج يلقي خطابا في تجمع انتخابي في 3 يونيو

تأسس حزب "الإصلاح" عام 2021 كإعادة إطلاق لحزب "بريكست"، وقد زادت شعبيته في استطلاعات الرأي على حساب "المحافظين". ويركز حزب "الإصلاح" على الحد من الهجرة، على نحو يجعله على يمين   "حزب المحافظين"، وفي الوقت الذي يضع فيه كل من سوناك والسير كير ستارمر، زعيم "حزب العمال" المعارض، الاقتصاد في مقدمة أولوياتهم في خطابهما الانتخابي، قال فاراج إنه سيخوض الانتخابات على مسألة الهجرة فقط.
ويُنظر إلى حزب "الإصلاح"، وإلى اللحظة التي اتخذ فيها فاراج قراره بالترشح، على أنه حزب هامشي إلى حد كبير في السياسة البريطانية. ولم يكن للحزب حتى وقت قريب أي عضو في البرلمان، ولم يحصل على أول ممثل له في مجلس العموم إلا بعد انشقاق نائب رئيس "حزب المحافظين" السابق لي أندرسون في مارس/آذار، بعد أن علقت عضويته في البرلمان بسبب تعليقات أدلى بها وطالت عمدة لندن صادق خان.
أحد التعهدات الرئيسة لحملة الحزب هو فرض ضريبة على الشركات التي تواصل توظيف العمال الأجانب في المملكة المتحدة. وتبعا لذلك، سيتعين على تلك الشركات أن تدفع للتأمين الوطني نسبة 20 في المئة عن العمال الأجانب، مقارنة بالنسبة الحالية البالغة 13.8 في المئة. كما يعارض حزب "الإصلاح" خطط "حزب العمال" لإنهاء الإعفاءات الضريبية على المدارس الخاصة. ويسعى لانسحاب المملكة المتحدة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تشرف عليها محكمة ستراسبورغ، كي يتسنى استخدام المراكز الخارجية التي تعالج قضايا المهاجرين غير الشرعيين ومنعهم من طلب اللجوء.

لن يظهر التأثير الكلي لقرار فاراج بالترشح عن حزب "الإصلاح" على نحو ملموس إلا بعد أيام

أما في مجال الطاقة، فيريد الحزب إلغاء الخطط التي تسعى لجعل صافي الانبعاثات صفرا، واعتماد زيادة التنقيب عن الغاز والنفط بدلا من ذلك. وتشمل سياساته الأخرى تقديم قسائم لزيارة الطبيب الخاص إذا لم يتمكن المرضى من رؤية الطبيب العام خلال ثلاثة أيام، وإلغاء الفائدة على قروض الطلاب، وزيادة أعداد الشرطة، وإبقاء "أيديولوجية (ابق مستيقظا) بعيدة عن الفصول الدراسية"، وإلغاء رسوم ترخيص التلفزيون، وإصلاح مجلس اللوردات والحد من "الإنفاق المسرف".
لن يظهر التأثير الكلي لقرار فاراج بالترشح عن حزب "الإصلاح" على نحو ملموس إلا بعد أيام قليلة، ولكن استطلاعا مبكرا أجرته شبكة "سكاي نيوز" أظهر حصول "حزب العمال" على 40 في المئة، و"حزب المحافظين" على 19 في المئة، و"الإصلاح" على 17 في المئة، وهو ما سيثير قلق بعض المحافظين بالتأكيد خوفا من خسارة الناخبين على يمين حزبهم لصالح حزب "الإصلاح" بعد أن بات فاراج زعيما له. 
وإذا لم يفعل قرار فاراج بالترشح في انتخابات كانت تفتقر أساسا إلى الجاذبية إلى حد كبير أي شيء آخر سوى إضافة بعض الديناميكية التي تشتد حاجة الحملة إليها، فسيكون ذلك كافيا. ومن يدري؟ فقد يؤدي ذلك حتى إلى حصول زعيم "الإصلاح" على مقعد في البرلمان البريطاني المقبل.

font change

مقالات ذات صلة