لا نكاد نذكر جديدا، حينما نقر أن جيش التحرير الشعبي الصيني تبنى الأيديولوجيا الشيوعية، وهو ما جعله أقرب للاتحاد السوفياتي منه إلى المعسكر الغربي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص. وهذا جعل الحزب الشيوعي الصيني يعتمد بشكل أساسي على " الرفاق" في الاتحاد السوفياتي من أجل تحديث الاقتصاد والصناعة المحلية، حيث قام الاتحاد السوفياتي بإرسال مئات، إن لم يكن آلاف الخبراء في شتى المجالات من أجل المساعدة في ترسيخ نظام حكم الشيوعيين في الصين.
بعد أن استقر الحال للحزب الشيوعي الحاكم، وتعمق انقسام العالم لفسطاطين، معسكر غربي وآخر شرقي، مثلت العلاقة الاستراتيجية بين موسكو وبكين تحديا خاصا للولايات المتحدة، التي دخلت في حربٍ باردة ضد المعسكر الشرقي، مما جعل تقاربها مع حكام جزيرة تايوان أمرا استراتيجيا لا غنى عنه. على أثر هذا الواقع الجيوسياسي، ظفرت تايوان بمكانتها التكنولوجية كمصدر استراتيجي مهم في سلسلة توريد أشباه الموصلات، التقنية الأكثر تعقيدا والتي ساعدت الولايات المتحدة التايوانيين على توطينها.
إلا أن تلك الحالة الرومانسية داخل معسكر الشيوعيين لم تدم طويلا، فقد بلغت الخلافات ذروتها بين الشيوعيين السوفيات والشيوعيين الصينيين، وقد تمخض عن ذلك الاختلاف الأيديولوجي والقومي اشتباك عسكري في جزيرة زينباو (دامانسكي) في مارس/آذار 1969م.
بعث الاشتباك المسلح داخل المعسكر الشرقي برسالة عاجلة لصانع القرار في البيت الأبيض بضرورة التحرك لتفكيك هذا المعسكر من خلال التقارب مع بكين التي أرسلت هذه الرسالة المتعمدة لواشنطن التي فهمتها جيدا، وهو دون أدنى شك، ما أدى في نهاية المطاف لتسريع فكرة التقارب بين بكين وواشنطن.
بعدها بعامين تقريبا، في عام 1971م، قام وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر بزيارة سرية إلى الصين، وبعد ذلك بوقت قصير اعترفت الأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية ومنحتها المقعد الدائم في مجلس الأمن، والذي كانت تشغله جمهورية الصين بقيادة شيانغ تاي شيك في تايوان منذ عام 1945م.
هكذا، وبعد سلسلة من الزيارات السرية إلى بكين قادها وزير الخارجية حينها هنري كيسنجر، توجت الجهود بلقاء الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والرئيس الصيني ماو تسي تونغ، ووقع الرئيسان بيان شنغهاي عام 1972م. إذن، وبكلمة واحدة، كانت الزيارة بمثابة إعلان تطبيع رسمي للعلاقات بين البلدين، والذي أتى كجائزة ترضية على قرار تباعد الصين عن الاتحاد السوفياتي العدو الأساسي للولايات المتحدة.
من باب المصالح القومية الاستراتيجية للطرفين رُمي الخلاف الأيديولوجي خلفهما، واستمرت العلاقات الصينية- الأميركية في النمو والتطور، ففي عام 2000م، وقع الرئيس الأميركي بيل كلينتون قانون العلاقات الأميركية- الصينية، مما منح بكين علاقات تجارية طبيعية مع الولايات المتحدة الأميركية ومهد الطريق أمام الصين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001م. تشير بعض التقارير الصادرة عن مراكز الفكر الأميركية، إلى أنه بين عامي 1980 و2004 ارتفعت التجارة بين الطرفين من 5 مليارات دولار إلى 231 مليار دولار.
لقد استمرت العلاقات الاقتصادية والسياسية في التطور وتعززت الشراكة التجارية بين البلدين، وفي عام 2022م وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين 758.4 مليار دولار وهو الأكبر في العالم، لكن ميزان التبادل التجاري منذ الصعود الصاروخي للصين هو لصالح الأخيرة بمبلغ 367.4 مليار دولار.
هكذا، واصلت واشنطن انفتاحها على بكين، على أمل أن تبقى الأخيرة تحت مظلة واشنطن ونظامها العالمي، وأن لا تتجاوز الحدود المرسومة لها، أي أن تبقى دولة ذات صناعات بسيطة تعتمد على العمالة الرخيصة وسرعة الإنتاج وكثافته وتصدرها إلى الأسواق العالمية التي تعيش حالة تراجع في قدرة الفرد الشرائية، مما يجعل من البضائع الصينية معوضاً مهماً للمستهلك الغربي، ذاك الموعود برغيد الحياة من قبل منظري الرأسمالية الليبرالية، نظريا على الأقل.