الصين ومعضلة تايوان

الجزيرة مرشحة جديا لدخول دائرة النار

غيتي
غيتي
القوات المسلحة التايوانية تجري تدريبات روتينية لمدة يومين لإظهار الاستعداد القتالي في 11 يناير 2023

الصين ومعضلة تايوان

العالم ليس على ما يرام. اضطرابات سياسية وصدامات عسكرية بلا كابح. النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية واستقر به الحال مع نهاية الحرب الباردة، والمنوط به ضبط إيقاع الحركة السياسية والاقتصادية العالمية تعرض لامتحان كفاءة جدي، فظهر أن عجزه أكبر من قدرته على احتواء النزاعات العسكرية الكبرى.

تُعد الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة، إحدى علامات الشيخوخة المبكرة اللافتة على النظام الدولي، وهي تراجع المسار السياسي في التعاطي مع الأزمات لصالح الخيار العسكري. لكن الأخطر، أن هذا ليس كل شيء. بل إن رقعة النار قد تدخل طور التمدد وليس الانكماش، فجزيرة تايوان مرشحة جدية لدخول دائرة النار، وقد تشكل مسرحا لصراع العمالقة- الولايات المتحدة والصين- وفخا لإسقاط طموحات التنين الصيني.

لقد تمكن "الحزب الديمقراطي التقدمي" في جزيرة تايوان، بقيادة لاي تشينغ تي، من الفوز على الأحزاب التقليدية في الجزيرة خلال الأشهر القليلة الماضية، مما فتح الباب أمام مواجهة محتملة بين حكومة تايبيه وحكومة بكين. الأخيرة، عبرت صراحة عن تحفظها على فوز "الحزب الديمقراطي التقدمي"، الذي من وجهة نظر صينية خالصة يمثل خطرا على وحدة الأراضي الصينية؛ بسبب دعوات الاستقلال التي تبناها الرئيس الجديد لاي تشينغ تي.

في خطاب التنصيب، دعا السيد لاي تشينغ الصين إلى "وقف الترهيب السياسي والعسكري ضد تايوان، وتقاسم المسؤولية العالمية مع تايوان في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وكذلك المنطقة الكبرى وضمان تحرر العالم من هذه التهديدات"، معلنا في الوقت ذاته أن "تايوان هي بالفعل دولة مستقلة ذات سيادة".

لقد تمكن الحزب الديمقراطي التقدمي في جزيرة تايوان بقيادة لاي تشينغ تي من الفوز على الأحزاب التقليدية في الجزيرة خلال الأشهر القليلة الماضية

وعلى الجانب المقابل، وكأول رد فعل صيني على ما اعتبرته تفويضا تايوانيا للانفصاليين، نفذ جيش التحرير الشعبي الصيني مناورة عسكرية على مدار ثلاثة أيام سُميت "السيف المشترك"، قام خلالها الجيش وقوات خفر السواحل الصينية بعمل محاكاة لهجوم "برمائي" يحاكي سيناريو حصار تايوان، وقطع سبل التواصل مع الجزيرة، حيث أعلن القائد العسكري لي شي، المتحدث باسم قيادة "المسرح الشرقي لجيش التحرير الشعبي"، أن قيادة المسرح قامت بتمرين عسكري، وذلك لاختبار "قدرات القيادة على السيطرة بشكل مشترك على ساحة المعركة وشن ضربات مشتركة والسيطرة على المناطق الحيوية".

إن هذه الأجواء التصعيدية حول جزيرة تايوان لا تتعلق فقط بحصول الحزب الديمقراطي التقدمي التايواني على ولاية ثالثة، ولكنها تشي بإعادة الاعتبار لموقع تايوان الجيوسياسي لكبح تقدم الصين وإشغالها داخل حدودها.

نبذة عن التاريخ السياسي لجزيرة تايوان

في القرن العشرين شهدت تايوان دورتين من تطور النظام السياسي، حيث هيمن النظام الياباني الاستعماري على النصف الأول من القرن في حين سيطر القوميون المهاجرون من بر الصين الرئيس على النصف الآخر.

في البداية، كان كلا النظامين مستقلين إلى حد كبير، بل ومعزولين عن المجتمع المحلي، لكن مع مرور الوقت أصبحت مصالح النخبة في الدولة أكثر تشابكا مع المجتمع المحلي. فيما تلا ذلك أضحت نخبة المحليين وسيط الضرورة بين المجتمع المحلي والنخب الحاكمة، وقد نجح كلا النظامين (النظام الاستعماري ونظام المهاجرين) في ترسيخ أسس الولاء والامتثال والسيطرة على المجتمع والتعبئة وتنظيم العمل السياسي. هكذا، وببساطة شديدة، نجحت السلطة- الدولة- في إجراء تحديث اجتماعي وسياسي مثّل مصدرا مهما لشرعية الأنظمة التي حكمت تايوان خلال قرن.

في ظل حكم القوميين لجزيرة تايوان ممثلين بحزب " الكومينتانغ"، وهو الحزب الذي كان يحكم بر الصيني الرئيس قبل نجاح "الحزب الشيوعي الصيني" في إسقاط حكمهم مع نهاية الحرب الأهلية التي بدأت 1927م واستمرت حتى نهايتها عام 1949م بانتصار الشيوعيين، ترسخ النظام السياسي الوطني التايواني تدريجيا وسط المجتمع المحلي وأعيد تعريف المواطنة بما يتوافق مع دستور الدولة الفعلي، وقد ساعدتها الولايات المتحدة على ترسيخ الحكم الذاتي من خلال الضغط على الصين التي خرجت للتو من حربٍ أهلية طاحنة وتعاني أزمة اقتصادية مميتة مما سمح لتايوان بالبقاء.

هنا، يُقر عدد من المختصين في التاريخ السياسي لجزيرة تايوان بأنه لفترات طويلة من تاريخ الجزيرة، حتى بعد اندحار الاستعمار الياباني، لم يكن هناك دعم اجتماعي ملموس للنضال السياسي من أجل السيادة والاستقلال الوطني، وكان هذا هو الحال في تايوان حيث لم يظهر المجتمع المحلي طموحات استقلالية بعد كمجتمع سياسي مستقل ذي هوية سياسية خاصة، إلا بعد ترسخ حزب "الكومينتانغ" في هيكل السلطة.

العلاقة الأميركية- الصينية والصراع على تايوان

بعد هذا التذكير السريع بالتاريخ السياسي لجزيرة تايوان، يمكن لنا الحديث عن جزء من تاريخ العلاقات الأميركية- الصينية لما له من تأثير حاسم على شكل الصراع على جزيرة تايوان، والذي مر بمنعطفات حاسمة منذ نشأت جمهورية الصين الشعبية، التي ولدت نتيجة لانتصار جيش التحرير الصيني في الحرب الأهلية الصينية على القوميين المدعومين من الولايات المتحدة، ونفيهم إلى تايبيه في تايوان.

نتيجة لهذا العداء التاريخي بين الحزب الشيوعي الصيني والقوميين الذين يقيمون في تايوان، شدد جيش التحرير الصيني حصاره على المتمردين، إلا أن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور رفع الحصار عن الجزيرة عام 1953م، ووقع معاهدة دفاع مشترك مع القوميين التابعين لحكومة تشيانغ عام 1955م، كما هددت الولايات المتحدة الأميركية بشن هجوم نووي على الصين في حال مواصلة حصارها لجزيرة تايوان.

غيتي
الرئيس الأميريكي دوايت أيزنهاوريخاطب الأمة بشأن التدخل الأميركي في تايوان عام 1958

 

الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور رفع الحصار عن الجزيرة عام 1953

لا نكاد نذكر جديدا، حينما نقر أن جيش التحرير الشعبي الصيني تبنى الأيديولوجيا الشيوعية، وهو ما جعله أقرب للاتحاد السوفياتي منه إلى المعسكر الغربي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص. وهذا جعل الحزب الشيوعي الصيني يعتمد بشكل أساسي على " الرفاق" في الاتحاد السوفياتي من أجل تحديث الاقتصاد والصناعة المحلية، حيث قام الاتحاد السوفياتي بإرسال مئات، إن لم يكن آلاف الخبراء في شتى المجالات من أجل المساعدة في ترسيخ نظام حكم الشيوعيين في الصين.

 بعد أن استقر الحال للحزب الشيوعي الحاكم، وتعمق انقسام العالم لفسطاطين، معسكر غربي وآخر شرقي، مثلت العلاقة الاستراتيجية بين موسكو وبكين تحديا خاصا للولايات المتحدة، التي دخلت في حربٍ باردة ضد المعسكر الشرقي، مما جعل تقاربها مع حكام جزيرة تايوان أمرا استراتيجيا لا غنى عنه. على أثر هذا الواقع الجيوسياسي، ظفرت تايوان بمكانتها التكنولوجية كمصدر استراتيجي مهم في سلسلة توريد أشباه الموصلات، التقنية الأكثر تعقيدا والتي ساعدت الولايات المتحدة التايوانيين على توطينها.

إلا أن تلك الحالة الرومانسية داخل معسكر الشيوعيين لم تدم طويلا، فقد بلغت الخلافات ذروتها بين الشيوعيين السوفيات والشيوعيين الصينيين، وقد تمخض عن ذلك الاختلاف الأيديولوجي والقومي اشتباك عسكري في جزيرة زينباو (دامانسكي) في مارس/آذار 1969م.

بعث الاشتباك المسلح داخل المعسكر الشرقي برسالة عاجلة لصانع القرار في البيت الأبيض بضرورة التحرك لتفكيك هذا المعسكر من خلال التقارب مع بكين التي أرسلت هذه الرسالة المتعمدة لواشنطن التي فهمتها جيدا، وهو دون أدنى شك، ما أدى في نهاية المطاف لتسريع فكرة التقارب بين بكين وواشنطن.

بعدها بعامين تقريبا، في عام 1971م، قام وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر بزيارة سرية إلى الصين، وبعد ذلك بوقت قصير اعترفت الأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية ومنحتها المقعد الدائم في مجلس الأمن، والذي كانت تشغله جمهورية الصين بقيادة شيانغ تاي شيك في تايوان منذ عام 1945م.

هكذا، وبعد سلسلة من الزيارات السرية إلى بكين قادها وزير الخارجية حينها هنري كيسنجر، توجت الجهود بلقاء الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون والرئيس الصيني ماو تسي تونغ، ووقع الرئيسان بيان شنغهاي عام 1972م. إذن، وبكلمة واحدة، كانت الزيارة بمثابة إعلان تطبيع رسمي للعلاقات بين البلدين، والذي أتى كجائزة ترضية على قرار تباعد الصين عن الاتحاد السوفياتي العدو الأساسي للولايات المتحدة. 

من باب المصالح القومية الاستراتيجية للطرفين رُمي الخلاف الأيديولوجي خلفهما، واستمرت العلاقات الصينية- الأميركية في النمو والتطور، ففي عام 2000م، وقع الرئيس الأميركي بيل كلينتون قانون العلاقات الأميركية- الصينية، مما منح بكين علاقات تجارية طبيعية مع الولايات المتحدة الأميركية ومهد الطريق أمام الصين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001م. تشير بعض التقارير الصادرة عن مراكز الفكر الأميركية، إلى أنه بين عامي 1980 و2004 ارتفعت التجارة بين الطرفين من 5 مليارات دولار إلى 231 مليار دولار.

 لقد استمرت العلاقات الاقتصادية والسياسية في التطور وتعززت الشراكة التجارية بين البلدين، وفي عام 2022م وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين 758.4 مليار دولار وهو الأكبر في العالم، لكن ميزان التبادل التجاري منذ الصعود الصاروخي للصين هو لصالح الأخيرة بمبلغ 367.4 مليار دولار.

هكذا، واصلت واشنطن انفتاحها على بكين، على أمل أن تبقى الأخيرة تحت مظلة واشنطن ونظامها العالمي، وأن لا تتجاوز الحدود المرسومة لها، أي أن تبقى دولة ذات صناعات بسيطة تعتمد على العمالة الرخيصة وسرعة الإنتاج وكثافته وتصدرها إلى الأسواق العالمية التي تعيش حالة تراجع في قدرة الفرد الشرائية، مما يجعل من البضائع الصينية معوضاً مهماً للمستهلك الغربي، ذاك الموعود برغيد الحياة من قبل منظري الرأسمالية الليبرالية، نظريا على الأقل.

تدعو الصين العالم إلى التوحد في نظام عالمي جديد، إذ ترى أن النظام الراهن يتصف بعدم العدالة والانحياز للغرب والولايات المتحدة

إن العقل الليبرالي استنتج من تجربته الخاصة، والتي من المفترض فيها العمومية وأن تناسب بقية أقطار العالم، استنتج أن الطبقة الوسطى الصينية ستمضي على مسار الطبقة الوسطى الغربية، وستصبح حاملة مشعل المطالب الديمقراطية في هذا البلد، فيدفع ضغط هذه الطبقة القيادات الصينية لتبني الديمقراطية الغربية واقتصاد السوق الحرة، والتخلي عن الأفكار اليسارية والاشتراكية. لكنّ أيا من هذا لم يحدث، كانت أحلام الصين أكبر من ذلك، ومنذ وصول الرئيس الحالي شي جين بينغ، أفصحت بكين عن طموحات كبيرة، مما جعل فكرة خضوعها للنظام العالمي محل شك، خصوصا، مع تواصل السياسة الصينية الساعية نحو الانتقال من الاقتصاد القائم على إنتاج البضائع الرخيصة إلى الاقتصاد القائم على المنتجات عالية التقنية المحتكرة ذات فائض القيمة العالي.

تتصدر الصين اليوم قائمة الدول المعترضة على النظام الدولي العالمي الراهن بقيادة الولايات المتحدة، وتتهمه بعدم العدالة والانحياز للغرب والولايات المتحدة، وتدعو العالم، خصوصا ما تطلق عليه دول الجنوب، للتوحد من أجل إصلاحه وتعديل موازين القوى فيه بما يتناسب مع واقع القوة الاقتصادية والسياسية العالمي الجديد الذي تمثله دول آسيا، بحسب وجهة النظر الصينية.  

كيف يمكن أن ينتهي الأمر بتايوان؟

ثمة قلق جدي يدب وسط جميع المعنيين بالمسألة التايوانية، والخوف من تحرك مفاجئ من أي طرف يجعل جميع الأطراف المعنية في حالة استنفار وخوف من ضربة أو خطوة قد تحدث خسارة استراتيجية غير قابلة للتعويض في أي وقت. كما أشرنا في المقدمة، فالعالم يعيش مخاض مرحلة انتقالية تشبه إلى حد كبير المراحل التي سبقت الحروب العالمية الأولى والثانية.

يمتلك كل طرف من هؤلاء الثلاثة المعنيين تقييما استراتيجيا مختلفا للوضع على الأرض. في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ عام 2021م، أعرب الأدميرال فيليب ديفيدسون، القائد المتقاعد للقوات العسكرية المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عن قلقه من أن الصين تعمل على تسريع جدولها الزمني لتوحيد تايوان من خلال الغزو البرمائي. لم يكتف الأدميرال فيليب بهذا القول، بل أعطى مهلة زمنية، خلال عقد أو ست سنوات، وهو ما جعل بعض المراقبين المختصين في العلاقة التايوانية الصينية يطلقون عليه "نافذة ديفيدسون".

وفق هذه القراءة، تدفع الولايات المتحدة تايوان لاتخاذ خطوات أكثر شراسة ضد السياسات الصينية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، بناء منطقة عازلة في جميع المجالات وتعزيز البنية التحتية للاتصالات وتسريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وبناء روابط اقتصادية أكثر مرونة في مواجهة الاضطرابات الصينية.

أما على الجانب العسكري، ففي تقرير مثير للاهتمام نشرته مجلة "فورين بوليسي" فقد تطرق للمخاطر العسكرية التي تعيشها تايوان: "إن سياسة واشنطن رمزية ولا تعطي تايوان شيئا يستحق الذكر، لكنها تعطي مظهر القيام بشيء ما، دون اتخاذ إجراءات فعلية ذات معنى". ويضيف التقرير أن موقف واشنطن القديم تجاه تايوان يرتكز على مجموعة من الأسس العسكرية والسياسية التي لم تعد موجودة، لقد نجح النهج القديم لعقود من الزمن، لأن الجيش الأميركي كان قادرا بشكل لا لبس فيه على هزيمة أي هجوم صيني على تايوان، لكن التوازن العسكري تغير بشكل كبير، حيث تنفق الصين الآن ما يقرب مما تنفقه واشنطن.

يختم التقرير بالقول: الآن أصبحت القوة العسكرية الصينية وليس تحذيرات الولايات المتحدة هي التي تردع نزعة المغامرة التايوانية، وكانت واشنطن بطيئة في فهم هذا الواقع الجديد بحسب التقرير. ويقترح التقرير على المسؤولين الأميركيين، أن يوضحوا أنهم يتوقعون من الجيش التايواني أن يتبنى موقفا دفاعيا غير متماثل، وينشط في تدريب الوحدات الأرضية الاحتياطية ويطور الاستعدادات للدفاع المدني بشكل جدي، وهذا سيتطلب أن تنفق تايوان أكثر من 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على وزارة الدفاع.

الآن أصبحت القوة العسكرية الصينية وليس تحذيرات الولايات المتحدة هي التي تردع نزعة المغامرة التايوانية

من البديهي، تبني خبراء الشؤون العسكرية، مسألة كون الولايات المتحدة قوة عظمى لا يضاهي إمكانيتها العسكرية الإجمالية أحد. لكن في العقد الأخير بدأ الشك في قدراتها العسكرية يتسلل إلى عقول بعض النخب الأميركية قبل غيرها. يتمحور التقييم الجديد للقدرات العسكرية الأميركية على أن عهد الهيمنة المطلقة قد "مات ودفن ورحل"، وأن الولايات المتحدة انتقلت من مرحلة الهيمنة إلى مرحلة الردع، وأنه إذا أرادت الولايات المتحدة الأميركية الرد على أي خطوة استفزازية من جانب تايوان تجاه الصين أو في لحظة غطرسة، فإنه من المرجح أن تشن الصين هجوما عسكريا كاسحا تسيطر من خلاله على تايوان، وتنجح في استعادتها قبل أن يتمكن الجيش الأميركي من نقل ما يكفي من الأصول العسكرية اللازمة إلى داخل المنطقة.

من وجهة نظر عسكرية صرفه، تعد الحرب الاختبار الفعلي الأجدر لتقييم أداء الجيوش في المعارك، لكن وزارة الدفاع الأميركية طورت أداة خاصة لاستشراف نتائج الحروب المحتملة، وهو مؤشر ألعاب الحرب، وهي مرادف للخطوة الرابعة من عملية صنع القرار العسكري المعروفة رسميا بتحليل مسار العمل، وتعرف بكونها عملية منضبطة مع القواعد والخطوات التي تحاول تصور سير العملية، وذلك بالنظر إلى نقاط القوة التي تتمتع بها القوة الصديقة وتصرفات وقدرات العدو وخططه المحتملة.

أ.ف.ب
الرئيس الصيني مع قادة "بريكس" على هامش القمة التي عُقدت في عام 2023

ووفق بعض التقارير الصادرة عن واشنطن، فإن ما جعل القيادات العسكرية الأميركية تهرش رأسها، كونها في كل مرة يجري فيها البنتاغون ألعاب الحرب الواقعية لمحاكاة الحرب على تايوان، كانت النتيجة هي 18 لصالح الصين مقابل 0 لفريق الولايات المتحدة.

إن الاختلال البنيوي في النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية وترسخ مع نهاية الحرب الباردة يتعرض لضغوط جدية لم يسبق له معرفتها، فالولايات المتحدة القوة المهيمنة والتي لا يضاهي قوتها أحد، تراجعت قدرتها على حسم المعارك التي تخوضها أو يخوضها بعض حلفائها، كما باتت تواجه منافسين جديين مثل روسيا والصين، وإن كانوا أقل منها من حيث الإمكانيات العسكرية والاقتصادية، لكنهم يملكون ما يكفي لمواجهة وتعطيل خطط واشنطن.

إن الخوف من خسارة المكانة أو ضياع مكتسبات الهيمنة قد يدفع بالولايات المتحدة الأميركية لاتخاذ خطوات استراتيجية خطيرة تحت ضغط هذا التحول في النظام العالمي، منها دفع تايوان نحو اتخاذ خطوات ملموسة نحو الاستقلال عن الصين ودفع الأخيرة نحو عمل عسكري غير محسوب التكلفة والعواقب، وهذا من شأنه إن حدث نكء جرح الصين العميق التي عانت أيما معاناة، من الاستعمار الياباني والبريطاني خلال حقبة يطلق عليها الصينيون "قرن الإذلال".  

على المقلب الآخر، فإن فائض قوة الصين وشعورها المتزايد بأنها تستحق مكانة وامتيازات أكبر في النظام العالمي، وأنه لا ينبغي لأحد مهما كان موقعه وقوته الوقوف في وجه طموحاتها، أو المساس بكرامتها وأمنها الوطني ووحدة أراضيها، ومن ضمنها تايوان طبعا، حسب نظر القيادة الصينية لهذه الجزيرة الصغيرة كونها جزء من الصين التاريخية، بما قد يدفعها نحو خطوات عملية تجاه ضم تايوان لم تكن ضمن حساباتها.

اليوم، هذا هو المشهد حول جزيرة تايوان، وقد تأكد مع إعادة انتخاب "الحزب الديمقراطي التقدمي" التايواني ذي النزعة الاستقلالية، وعليه فإن جميع المعنيين بالمسألة التايوانية يضعون أيديهم على الزناد، وإن كانوا لا يرغبون في صدام عسكري، إلا أن الخوف من تلقي الضربة قد يدفع أحدهما لإطلاق الرصاصة الأولى.

font change

مقالات ذات صلة