الانتخابات الرئاسية في الجزائر... ما الذي تغير سياسيا؟

تحول سياسي لافت في الجزائر

أ.ف.ب
أ.ف.ب

الانتخابات الرئاسية في الجزائر... ما الذي تغير سياسيا؟

أول ما يلفت الأنظار في خريطة المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في 7 سبتمبر/أيلول، عودة الأحزاب التقليدية المعروفة تباعا وترتيبا: الإسلامية والديمقراطية واليسارية، بخلاف ما كان يحدث في الاستحقاقات الرئاسية السابقة، وتفسح هذه التطورات أسئلة كثيرة مثل: ما الذي تغير منذ ذلك الوقت إلى اللحظة؟ وما هي العوامل والأسباب الحقيقية التي تقف وراء المشاركة؟

وقد تباينت الآراء بشأن مشاركة الأحزاب السياسية التقليدية بمختلف تياراتها مثل: "حركة مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي في البلاد) وحزب "العمال" الذي تقوده لويزة حنون، وحزب "جبهة القوى الاشتراكية" (أكبر وأقدم حزب سياسي معارض في الجزائر)، لا سيما وأن هذه الأحزاب تعودت على مقاطعة الاستحقاقات الرئاسية المتتالية، وآخرها الانتخابات الرئاسية لعام 2019 وما تلاها.

قبل التوجه نحو الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من إجراء قراءات عميقة للبيانات الصادرة عن الأحزاب السالفة الذكر، والتي تمخضت عن مجالس الشورى الوطنية والمجالس الوطنية، فالواضح والمعلن أن جميعها تنظر إلى هذه الانتخابات على أنها محطة مهمة على صعيد تقوية المناعة السياسية الداخلية للجزائر والتصدي للتدخلات الأجنبية، وهو المبرر الذي ساقته الأمينة العامة لحزب "العمال" لويزة حنون في شرحها لأسباب المشاركة، وقالت إنها "تختلف عن سابقتها كون الانتخابات القادمة تكتسي طابعا غير عادي بالنظر للسياق العالمي والقاري والإقليمي الخطير جدا".

ومن الحجج التي ساقتها "جبهة القوى الاشتراكية" (أول حزب سياسي ظهر في الساحة عام 1963، أي مباشرة بعد استقلال البلاد، وقاطع تقريبا معظم الاستحقاقات الرئاسية منذ أن انسحب زعيمه التاريخي حسين آيت أحمد من الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان 1999) أن "الانتخابات ستوفر فرصة لإعادة التعبئة السياسية لاستعادة الفضاءات السياسية الديمقراطية".

المقاطعة لم تعد سلاحا فعالا

وربط الحزب الذي يُعرف اختصارا بـ"الأفافاس" خيار المشاركة بـ"مسؤولياته التاريخية في لحظة مفصلية، والوفاء والإخلاص لأخلاقيات الجبهة السياسية"، وعادت التشكيلة للحديث عن قرار مقاطعة المسار الانتخابي الذي عرفته الجزائر قبل خمس سنوات شارحا موقفه بالقول: "رفض الجزائريون أكبر محاولات الاستحواذ على السلطة ومصادرتها لصالح زمرة مفترسة".

ووصف الأمين الوطني للحزب، يوسف أوشيش، خيار المشاركة بـ"التضحية" واعتبرها "محطة جديدة من النضال لتجديد العهد مع المبادئ الأساسية والتأسيسة للحزب من أجل ربح فضاءات أخرى لصالح الحزب".

وفي ردها على الجدل الذي أُثير بعد إعلان ترشحها، تُقر رئيسة "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" زبيدة عسول بأن المقاطعة التي انتهجها حزبها في السنوات الأخيرة لم تحقق الأهداف المطلوبة، لذلك تقول: "قررنا المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024 حتى نجعلها فرصة لتحقيق مشاركة واسعة، في إطار مشروع يضمن ويكفل أهم تطلعات الشعب الجزائري". وحصرتها في ثلاث نقاط هي: "الحقوق والحريات على أن يكون القضاء المستقل ركيزتها الأساسية ليندرج في إطار سياسة تنموية شاملة يكون معيار الكفاءة والاستحقاق هو الفيصل".

إعادة ملء الكرسي الشاغر

مشاركة هذه الأحزاب تستهدف حسب البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة إعادة ملء الكرسي الشاغر، وهي "السياسة السلبية التي انتهجت في الاستحقاقات الرئاسية الماضية وأفرغت العمل والنضال الحزبي من محتواه وأبانت محدوديته في التأثير على واقع الأحداث وهو ما تحاول الأحزاب إعادة النظر فيه بشكل برغماتي بما يجعلها فاعلة في الساحة السياسية حسب مواردها وبرنامجها بما يتيح بقاءها في المشهد السياسي".

ويرجح المحلل السياسي أن تشكل الانتخابات الرئاسية المبكرة في السابع من سبتمبر القادم نقطة تحول جديدة في المشهد السياسي، ويقول في حديثه لـ"المجلة" إن "موعد السابع من سبتمبر سيعيد هندسة الساحة السياسية ولذلك نجد كل حزب يأخذ مسافة من الحدث حسب منظوره ورؤيته ليس على الانتخابات الرئاسية فقط بل تشمل أيضا الانتخابات التشريعية والبلدية حتى لا يُمنى بخسارة جديدة".

أ.ف.ب
صورة أرشيفية لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية خلال مؤتمر صحفي في 13 ديسمبر 2019

ويعتقد الدكتور عبد اللطيف بوروبي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قسنطينة أن "مواقف الأحزاب السالفة الذكر لا يمكن قراءتها بطريقة سطحية، بل تحتاج إلى التوقف والتأمل لأنها مبنية على عدة أسباب ودوافع فالأحزاب اليوم تأكدت من أن المقاطعة لم تعد سلاحا فعالا". ويقول بوروبي في حديثه لـ "المجلة" إن "المقاطعة ليست استثمارا حزبيا ناجحا لأن الذين يقاطعون لا يعتد بأصواتهم في الانتخابات كما أن هذا الأسلوب حال دون الإشهار السياسي والتسويقي للأحزاب".

ويرى الأستاذ عبد اللطيف بوروبي أنه "آن الأوان حتى يكون للأحزاب دور فعلي في الساحة، فهي تلعب دورا مهما في تنشيط المشهد السياسي لأنها تشكل رُكنا لا يستهان به من أركان النظم الديمقراطية، كما أن نشاط الأحزاب وأداءها ينعكس بالسلب أو بالإيجاب على مستوى التطور الديمقراطي".

هل من ضمانات؟

المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024 تفتح القوس للحديث عن مسألة "الضمانات"، ففي الاستحقاقات الرئاسية التي عرفتها البلاد في العقدين الماضيين من الزمن كان الشغل الشاغل للمعارضة مسألة نزاهة الانتخابات، فهل من مستجدات طرأت اليوم لإنهاء المقاطعة؟

ويجزم عبد الرفيق كشوط أستاذ محاضر بجامعة محمد الصديق بن يحيى في محافظة جيجل في معرض رده أن التحول الجذري في مواقف بعض الأحزاب لا سيما تلك التي تنتقل وللمرة الأولى من موقف مقاطعة الانتخابات إلى المشاركة فيها له علاقة بالضمانات التي تقدمت بها السلطة والتي لم تقدمها من قبل أو لم تكن كافية في السابق".

ولا يخفي عبد الرفيق كشوط في حديثه لـ"المجلة" أن "موقف المشاركة لهذه الأحزاب لا يعد مفاجئا لعدة أسباب أخرى أهمها أن المشاركة قد تتوقف عند حدود التعبئة لا أكثر وأن تتجه هذه الأحزاب أو التيارات لتعبئة الرأي العام بضرورة المشاركة القوية في الرئاسيات دون الخوض فيها بمرشحين، كما أن المشاركة في هذا الاستحقاق ربما تكون قد جاءت من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث في الداخل أو ما يحاك ويدبر من مؤامرات خارجية وبالتالي فالمشاركة تعتبر فرصة لتفويت الفرصة على أعداء الداخل والخارج".

يُجمع مراقبون للمشهد السياسي في البلاد على أن هذا الزخم الانتخابي الذي تشهده الساحة السياسية واتفاق جميع التيارات على المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة سيكون له تأثير إيجابي

ويوافقه في الرأي البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة، ويقول في رده على جدلية المشاركة وعلاقتها بالضمانات إن "الظاهرة الحزبية أصبحت تتكيف بسرعة مع الرهانات القادمة وتستجيب لحقيقة المرحلة بسرعة إيجابية بكل مواردها البشرية وإمكانياتها المادية سعيا لأدوار معينة في المشهد ما بعد الانتخابي والذي سيكون مفتوحا في ظل رسائل الطمأنينة التي بعثتها السلطة من جهة وطبيعة السياق المحيط بالبلاد من جهة ثانية وهو ما يجعل الانتخابات القادمة تتسم بمعايير الحوكمة التي تعطيها أسباب الشرعية والشفافية في بعدها القانوني والسياسي والتنموي بما أن البلاد بحاجة لجميع الفاعلين السياسيين لرفع التحديات الكبرى القادمة في إطار مقاربة تشاركية بين السلطة والأحزاب والمجتمع المدني كمحددات الاستقرار والتنمية".

ويُجمع مراقبون للمشهد السياسي في البلاد على أن هذا الزخم الانتخابي الذي تشهده الساحة السياسية واتفاق جميع التيارات على المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة سيكون له تأثير إيجابي، وقد يرفع نسبة المشاركة مقارنة بالانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019 والتي بلغت 39.93 في المئة وهي أدنى نسبة على الإطلاق سجلت في انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد بحسب ما أعلنته السلطة المستقلة للانتخابات.

وبرأي كثير منهم فإن الانتخابات الرئاسية القادمة ستجرى في ظروف مغايرة مقارنة بالاستحقاق الرئاسي الأخير الذي جرى في ظروف اتسمت بالتوتر والاحتقان الشعبي والاحتجاجات الرافضة للانتخابات. ويقول في هذا المضمار نور الصباح عكنوش في حديثه لـ"المجلة" إن "نسبة المشاركة قد ترتفع وبكثافة في ضوء تجند كافة أطياف المجتمع للمساهمة في دفع عوامل النمو والأمان كعناصر معادلة مستقبلية ضرورية للإجابة عن أسئلة المستقبل اجتماعيا واقتصاديا واستراتيجيا، فالرئيس المقبل للبلاد يحتاج لنسق قوي داعم وعملي يحقق من خلاله أهداف الشعب من عمل وبنية تحتية ورعاية صحية وحضور دولي وغيرها من متطلبات الخمس سنوات القادمة والتي تختلف شكلا وجوهرا عن السنوات الماضية".

font change

مقالات ذات صلة