مجموعة "بريكس" كخيار تركي

أول عضو في حلف "الناتو" يعرب عن اهتمامه بالانضمام إلى المجموعة

 أ ف ب
أ ف ب
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستقبلا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو في 11 يونيو

مجموعة "بريكس" كخيار تركي

زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان روسيا الاتحادية يومي 10- 11 يونيو/حزيران 2024. وعقد اجتماعات ثنائية في موسكو، وحضرجلسة "بريكس بلس" في 11 يونيو على هامش اجتماع وزراء خارجية "البريكس" في نيجني نوفغورود كما استقبله الرئيس فلاديمير بوتين.

من السهل ربط هذا البيان بالزيارة الرسمية التي قام بها الوزير فيدان إلى الصين أيام 3- 5 يونيو، حيث التقى بنظيره الصيني وانغ يي، وشارك في ندوات حوارية وتحدث إلى الصحافة الصينية. وقد حظيت الزيارة تلك باهتمام واسع في تركيا وخارجها.

يبلغ حجم التجارة بين تركيا والصين نحو 48 مليار دولار، بميزان تجاري يميل في معظمه لصالح الصين. ومن بين أهداف تركيا في تطوير علاقاتها مع الصين، اتخاذ خطوات للحد من خلل الميزان التجاري هذا واجتذاب السياح والاستثمارات الصينية، وكذلك دمج مبادرة الحزام والطريق مع ممر النقل المركزي بين الشرق والغرب عبر بحر قزوين.

ومع أن زيارة فيدان كانت في الأساس اقتصادية بطبيعتها، فإن قضية الأويغور، التي يتابعها الأتراك عن كثب، ومعهم المجتمع الدولي، شكلت بندا مهما على جدول أعمال فيدان. ولشعب الأويغور أهمية خاصة في تركيا لأنهم مجتمع محلي صيني ناطق باللغة التركية، ويعتبر جزءا من العالم التركي.

وذكر فيدان في تصريحاته في بكين أن تركيا تدعم بقوة "سياسة الصين الواحدة"، مؤكدا أن تركيا تقف إلى جانب الصين ضد الحركات الإرهابية المسلحة، وأن تركيا لا تعتقد أن المحاولات الدولية لاستفزاز الصين أمر صائب.

ولا ريب في أن الصين قد سعدت بسماعها هذه الرسائل، التي يمكن قراءتها أيضا كرسائل تعارض بل وتنتقد السياسات الأميركية والغربية بشأن تايوان وإقليم شينج يانغ والتبت.

أما الجانب الأهم من الزيارة في نظر الشعب التركي عموما فهو زيارة فيدان لمنطقة شينج يانغ وتواصله مع الأويغور.

وكان حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، وشريكه حزب "الحركة القومية"، قد انتقدا كثيرا سياسات الاستيعاب والترهيب التي تنتهجها الصين ضد الأويغور.

ولجأ عشرات الآلاف من الأويغور إلى تركيا في خمسينات القرن الماضي، عندما غزت الصين منطقة الأويغور المعروفة باسم تركستان الشرقية. وفر إلى تركيا في منتصف عام 2010 المزيد من الأويغور. ويبلغ عدد هذه الجالية في تركيا اليوم مئات الآلاف.

ذكر فيدان في تصريحاته في بكين أن تركيا تدعم بقوة "سياسة الصين الواحدة"، مؤكدا أن تركيا تقف إلى جانب الصين ضد الحركات الإرهابية المسلحة

وقد أرسل الوزير بزيارته للمدينتين التاريخيتين والثقافيتين الرئيستين أورومتشي وكاشغر في منطقة شينج يانغ الأويغورية التي تتمتع بحكم ذاتي، رسالة إلى الجمهور التركي ومغتربي الأويغور في تركيا بأنه يتابع عن كثب قضية الأويغور، وأنه نقل إلى الحكومة الصينية وجهات نظره وآماله بشأن هذا المجتمع. 
وقد حظيت زيارته بالترحاب وتميزت بحسن التنظيم بالتنسيق مع السلطات الصينية، التي استخدمتها لتظهر للعالم أن كل شيء على ما يرام في هذه المنطقة. إلا أن منشورات الأويغور ووسائل التواصل الاجتماعي انتقدت الزيارة، مشيرة إلى أن الصينيين أخذوا وزير الخارجية التركي في جولة على مسرح أعدوه مسبقا للاستعراض، كجزء من جهودهم لإخفاء الأوضاع المزرية التي يعيشها الأويغور في الواقع.
 وأفادت التقارير بأن وزير الخارجية التركي أشار وهو في بكين إلى مجموعة "البريكس" بوصفها "بديلا جيدا" عن الاتحاد الأوروبي.
 "البريكس" هي "آلية تعاون بين الأسواق الناشئة" أقامتها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتوسعت مؤخرا بضمها إثيوبيا وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة كأعضاء جدد، بالإضافة إلى أعضاء آخرين في الانتظار. وقد التقط المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تصريحات فيدان، وقال إن روسيا ترحب برغبة تركيا المعلنة في أن تصبح جزءا من مجموعة دول "البريكس".
 وتركيا أول عضو في حلف "الناتو" يعرب عن اهتمامه بالانضمام إلى مجموعة "البريكس"، ولا بد أن روسيا رأت في ذلك فرصة جديدة تستغلها في فتح ثغرة جديدة في جدران الحلف.

رويترز
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره الصيني وانغ يي أثناء اجتماع وزراء مجموعة "بريكس" في مدينة نيجني نوفغورود الروسية في 11 يونيو

وفي قمة "بريكس" عام 2018 التي حضرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كضيف خاص، أعرب الرئيس عن اهتمام تركيا بالعضوية في المجموعة، بيد أنه لم يتابع اهتمامه هذا، على الأقل في العلن.
ولعل الفكرة قد عادت الآن مجددا.
وتوقيت هذه التصريحات أمر مثير للاهتمام نظرا لأن تركيا، التي تسعى إلى جذب الاستثمارات والأموال الأجنبية لتحسين اقتصادها، تبذل قصارى جهدها لتحسين علاقاتها مع الغرب. ولم يصدر أي تعليق عن أي مسؤول غربي على تصريحات فيدان، لكن الصحافة الغربية علقت مطولا عليها، ورأى أغلبها في ذلك خطوة تركية أخرى، قد تتعارض مع التزاماتها تجاه شركائها في "الناتو" والاتحاد الأوروبي.
وفي الآونة الأخيرة توترت العلاقات بين تركيا وروسيا، والسبب الأساسي في توترها هو تحركات تركيا الأخيرة للتقرب من الغرب. ويمكن النظر إلى زيارة الوزير فيدان إلى موسكو على أنها نوع من السيطرة على الضرر الذي لحق بالعلاقات. ومن المرجح أن يناقش مع نظيره الروسي القضايا المتعلقة بغزة وأوكرانيا، ولا ننسى أيضا سوريا.
ومن المتوقع أن نرى هل كانت تركيا تدرس بجدية خيار مجموعة "البريكس"، أم إنها كانت تذكر شركاءها في الاتحاد الأوروبي بأن في العالم بدائل أخرى غيرهم، كي تدفعهم إلى التعامل معها بإيجابية.

font change

مقالات ذات صلة