من بين ثمانين مرشحا للانتخابات الرئاسية الإيرانية، وافق "مجلس صيانة الدستور" على عبور ستة أسماء فقط، هم خمسة محافظين: مصطفی بور محمدي، وسعید جلیلي، ومحمد باقر قالیباف، وعلي رضا زاکاني، وأمیر حسین قاضي زاده هاشمي. وإصلاحي واحد هو مسعود بزشکیان.
ومن الشخصيات "المهمة" المستبعدة: وحيد حقانيان، وعلي لاريجاني، ومحمود أحمدي نجاد، وإسحق جهانغيري، وعباس آخوندي، ومحمد شريعتمداري، وعبد الناصر همتي، إضافة إلى ثلاثة آخرين هم وزراء في الحكومة الحالية: وزير الإرشاد محمد مهدي إسماعيلي، ووزير الإسكان والتنمية الحضرية مهرداد بازارباش، ووزير العمل صولت مرتضوي.
بعض الشخصيات "المهمة" التي رفضها المجلس هذه المرة، فشلت في دورات سابقة بتجاوز امتحان "الأهلية"، أي حيازة الشروط الأخلاقية والدينية والعلمية والسياسية التي ينبغي أن تتوفر في الرئيس المنتخب، مثل: جهانغيري وآخوندي ولاريجاني. لكن اللافت أن بزشکیان المرفوض والمنزوع الأهلية سابقا، حظي بصفة الناجي الوحيد هذه المرة، بينما سقط أحمدي نجاد الفائز برئاستين متتاليتين في الامتحان مرة ثانية. أما المستغرب فهو استبعاد حقانيان، برغم أنه مستشار المرشد علي خامنئي، وكانت التوقعات قد تحدثت عن احتمال إزاحة الجميع من أمامه وإخلاء الساحة له، لكونه من الشخصيات المقربة من المرشد والعزيزة على قلبه.
تحدث هذه الاستبعادات والاختيارات المنتقاة بعناية، في وقت تُطرح فيه مجددا أسئلة انخفاض نسبة التصويت ومقاطعة شرائح شعبية واسعة وأحزاب وتكتلات سياسية للانتخابات. وتبرز نصائح "ثوريين قدامى" لمجلس صيانة الدستور، بعدم تقليص دائرة المرشحين، ليبدو وكأنه يعلن نتائج الانتخابات، ويحسم المعركة قبل حدوثها، ويسمّي الفائز سلفا.
جبهة الإصلاح
لهذا، سُمح لبزشکیان بتجاوز عقبة "الأهلية"، فهو أحد المرشحين الثلاثة المدعومين من "جبهة الإصلاح" إذا احتسبنا معه آخوندي وجهانغيري، ويقال إن المجلس وافق على "أهليته" ليس إعجابا به دون غيره من الإصلاحيين، إنما كان اختياره عشوائيا محضا، ولغاية في نفس مهندسي الانتخابات، ورغبة منهم في ضخ النشاط والحركة في جسم الانتخابات المنهك، ومنحها طابع المعركة الديمقراطية، وإضفاء جو من التنافس عليها، بعد أن كانت إيران قد أجرت في الدورة السابقة الثالثة عشرة التي أتت بالرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، واحدة من أكثر الانتخابات غير التنافسية في تاريخها. وهذا تحديدا جعل البعض يفسره بأنه سقوط للإصلاحيين في فخ المحافظين، حيث قدموا لهم خدمة مجانية، بخصوص مصداقية الانتخابات، ونظرا لوجودهم فإن أجواء الانتخابات ومستوى المشاركة الشعبية، ستكون أفضل بكثير من الانتخابات السابقة.
المستغرب هو استبعاد وحيد حقانيان، رغم أنه مستشار المرشد علي خامنئي، وكانت التوقعات قد تحدثت عن احتمال إزاحة الجميع من أمامه
ورغم أن "جبهة الإصلاح" ائتلاف يضم أحزابا وشخصيات إصلاحية عريقة، فإنها في السنوات الأخيرة، عانت من عدم انسجام في خياراتها السياسية. ففي الدورة الرئاسية السابقة، انقسمت ما بين دعم مرشحين مقربين منها، مثل عبد الناصر همتي، أو المقاطعة التامة، أما حاليا، فتضعها الموافقة على أحد مرشحيها في موقف صعب، لجهة قاعدتها الشعبية، فمن غير المؤكد ما إذا كان خاتمي قادرا على إقناع الجمهور الإصلاحي العريض بالمشاركة في الانتخابات.
التيار المحافظ
يعتبر "ثوريون قدامى" أن هذه الدورة الانتخابية، هي منافسة بين خامنئي وخامنئي، فالمرشحون الخمسة الباقون، ينتمون كلهم إلى أطياف في الفصيل المحافظ (الحزب الحاكم)، مع فروقات متفاوتة، تتعلق بحجم نفوذ كل واحد منهم، في مؤسسة "الحرس الثوري" أو في مؤسسة الحوزة العلمية.
ومن المتوقع أن ينسحب منهم ثلاثة رغم الخلافات العميقة بينهم، لتنحصر المنافسة بين قاليباف وجليلي، أو في أحسن الأحوال، سيكون مصيرهم الإقصاء، عندما يتم تمديد الانتخابات إلى الجولة الثانية، فالنظام لن يأتي إلا بالشخص الذي يريده هو، بغض النظر عن الأوراق التي ستسقط في صناديق الاقتراع.
يمثل جليلي النسخة طبق الأصل من رئيسي ويحظى بدعم الحوزة الدينية، وبالتالي هو الوحيد القادر على جذب أصوات الموالين لنظام ولاية الفقيه، الذين يكرهون قاليباف، ويعتبرونه أحد أكبر رموز الفساد، ويستدلون على ذلك، بنسبة الأصوات المنخفضة التي حصدها في الانتخابات البرلمانية الثانية عشرة، التي أوصلته إلى رئاسة البرلمان.
بينما يشكل قاليباف، المرشح الأكثر قربا من خامنئي والنواة الصلبة في السلطة، لأنه يتمتع بخلفية إدارية وعسكرية وبرلمانية، فهو قائد "جهادي" يفهم لغة الميدان جيدا ولديه قدرة فريدة على استخدام العنف في الداخل، وفي الوقت نفسه، هو وسيط برغماتي ولديه قدرة عالية على المناورة لتجاوز العقوبات الدولية.
يبقى أن المنافسة بين جليلي وقاليباف سوف تُحدث انحدارا أكبر في حجم التصويت، قد يصل إلى أقل من 16 مليونا التي حصل عليها رئيسي، وسيترتب عليها نتائج غير محمودة مستقبلا، لذلك قامر النظام بترك الباب مواربا أمام الإصلاحيين. فهم رغم غيبوبتهم، ما زالوا يملكون جمهورا يمكنه تسخين حرارة الانتخابات، بغض النظر عن أنهم ليسوا قادرين على مقارعة جيش منظم اعتاد على هندسة الانتخابات.
على العموم، من المؤكد أنه سيصل إلى سدة الرئاسة، المرشح المحافظ الذي يريده المرشد، وسيكمل مسرحية الدورة 13 التي أتت برئيسي، رغم المقاطعة، أو دورة 2009 التي أتت بنجاد مرة ثانية، رغم اندلاع الانتفاضة "الخضراء"، وسيسكن قصر "باستور"، بينما تدار الدولة من أعالي "جماران" حيث كان بيت المرشد الراحل الخميني.