جوزيف فوتيل: لهذه الأسباب أدعم بقوة اتفاقا دفاعيا بين السعودية وأميركا (2 من 2)

القائد السابق لـ"القيادة المركزية الأميركية" يتحدث لـ"المجلة" عن حرب غزة وتداعياتها والعلاقة مع العراق... والتحدي الصيني

أكسل رانغل غارسيا
أكسل رانغل غارسيا

جوزيف فوتيل: لهذه الأسباب أدعم بقوة اتفاقا دفاعيا بين السعودية وأميركا (2 من 2)

يتطرق الجنرال جوزيف فوتيل القائد السابق لـ"القيادة المركزية الأميركية" (سنتكوم)، في الجزء الثاني والأخير من حوار "المجلة" معه إلى حرب غزة وتداعياتها، فهو يعتقد أن "أحد التحديات التي تواجه الإسرائيليين، أنهم لا شركاء لهم على الأرض يمكن أن يقدموا المساعدة لهم". كما يرى أن "ما يفعله الحوثيون يرقى إلى مستوى الإرهاب البحري أو الإرهاب الاقتصادي"، ويؤكد "أننا لا نستطيع أن نسمح لأي منظمة أو دولة بإغلاق الممرات المائية الدولية لمجرد أنهم يرون أن في ذلك مصلحتهم"، مضيفا: "علينا ملاحقة إيران وطرق إمداداتها على نحو أكثر فاعلية. علينا قطع الإمدادات".

وأعرب فوتيل عن دعمه توقيع اتفاق دفاعي سعودي– أميركي، وقال: "وجود علاقات وشراكات وترتيبات جيدة مع شركائنا في هذه المنطقة أمر مهم. العلاقة القوية مع المملكة العربية السعودية مفيدة ليس لهم فحسب، بل لنا أيضا. ومن ثم، فأنا أؤيد بشدة هذه الصفقة الدفاعية المحتملة".

وهنا نص الجزء الثاني من الحوار الذي أجري عبر تطبيق "زووم":

* ماذا عن غزة؟ الحرب مستمرة، ويبدو أن الإسرائيليين لم يحققوا إلى اليوم أهدافهم المعلنة. لكن في الوقت نفسه لم تستسلم "حماس" حتى الآن، ولا تقبل وقف إطلاق النار. كيف تنظر إلى حرب غزة من منظور عسكري؟

- كما تعلمون، أعتقد أن إسرائيل هي من عليها أن تجيب: هل حققت أهدافها أم لا؟ أعتقد أن عملياتها العسكرية كانت ناجحة في منع "حماس" من أن تكون منظمة فعالة يمكنها تنفيذ هجمات جديدة، أعتقد أن هذا قد أنجز. وجهة نظري هنا أننا منذ البداية كنا نعلم أن هذه المعركة ستكون بالغة الصعوبة. فـ"حماس" عدو متمرس للغاية يعمل في متاهة من الأنفاق تحت الأرض، نظام كامل تحت الأرض يمكنهم الاعتماد عليه في عملياتهم ويختلطون بالسكان، ولهم أيديولوجيا قوية للغاية استمرت في الحصول على الدعم، ليس محليا فحسب، بل على دعم عالمي أيضا. لذلك كنا نعرف أن هذه المعركة ستكون صعبة للغاية.

أحد التحديات التي تواجه الإسرائيليين في رأيي، أنهم لا شركاء لهم على الأرض يمكن أن يقدموا المساعدة لهم في هذا الأمر. لذلك في أثناء اجتياحهم شمالي مدينة غزة، على سبيل المثال، في عمليتهم تلك، وبعد أن انتقلوا إلى أماكن أخرى، لم يكن لديهم أحد يمكنه البقاء بعدهم ويساعد في ضمان الأمن في تلك المنطقة، فمنح هذا الوضع الفرصة لـ"حماس" لتبدأ في العودة إلى تلك المناطق. لذلك من المهم أن يحتفظوا فعليا بالسيطرة على المناطق بعد اجتياحهم لها وتطهيرها والسيطرة عليها فعليا. وأعتقد أن هذا كان تحديا حقيقيا.

علينا ملاحقة إيران وطرق إمداداتها على نحو أكثر فاعلية، وعلينا أن نتتبع بقوة أكبر الإمدادات والمخزونات التي يمتلكها الحوثيون

يضاف إلى ذلك بالطبع، أن الوضع الإنساني هو أهم ما ساهم في ذلك. فلم يكن ثمة مكان بالمعنى الحرفي يمكن لـ 2.4 مليون فلسطيني أن ينتقلوا إليه. فظلوا ينتقلون من مكان لآخر ويدورون داخل غزة. وأعتقد أن هذا كان تحديا صعبا للغاية أمام الإسرائيليين، فقد ركزوا بالأساس على "حماس"، وأنا لم أُولِ الوضع الإنساني دوما القدر نفسه من الاهتمام وهذا ما لاحظناه لدى القادة في بلدي. أعتقد أنك ترى ذلك، فهم قلقون للغاية بشأن ذلك. هم يعترفون بحاجة إسرائيل إلى ملاحقة "حماس"، لكنهم يدركون أيضا ضرورة الاهتمام بالسكان. وأعتقد أنه من المهم لإسرائيل أن تعمل بطريقة تبدأ بفصل السكان عن "حماس". وأخشى أن هذا لن يحدث. وهو ما يجعل الوضع أسوأ كما لا يخلق وضعا أفضل لإسرائيل في المدى المنظور.
أعتقد أن على إسرائيل أن تتذكر أنها في نهاية كل هذا، سيكون عليها أن تعيش مع جوارها، عليها أن تعيش مع الفلسطينيين كجيران لها. لذلك فإن سلوك إسرائيل في هذه الفترة، رغم تحقيق بعض التقدم العسكري، لم يمض من الناحية الاستراتيجية كما كانوا يأملون أو كما كان يأمل أي شخص آخر هنا. ومن المحتمل أن يستمر هذا الوضع بعض الوقت.

يجب وقف هجمات الحوثيين

* ماذا لو انتقلنا قليلا إلى الخليج؟ ما رأيك في ما يحدث بالبحر الأحمر؟ الحوثيون يستهدفون طرق التجارة العالمية، ونحن نرى بين الحين والآخر الأميركيين والبريطانيين ينتقمون ويستهدفون الحوثيين في اليمن. فكيف ترى المعركة العسكرية في البحر الأحمر؟

- أعتقد أن ما يفعله الحوثيون يرقى إلى مستوى الإرهاب البحري أو الإرهاب الاقتصادي، فقد استخدموا قدراتهم لملاحقة السفن لمجرد أنها تعبر المياه الدولية، كما اعتادوا دوما أن يفعلوا. ونتيجة لذلك، فقد غيروا تماما الطريقة التي يجب على العالم التجاري أن ينقل بها البضائع في جميع أنحاء المنطقة، وحاولوا خلق حالة طبيعية جديدة. لذلك أعتقد أن هذا أمر غير عادي وسيئ للغاية وتجب معالجته.
كثفت الولايات المتحدة وعدد قليل من البلدان الأخرى، والمملكة المتحدة على الأخص، من نشاطهم واتخذوا بعض الإجراءات للبدء في الحد مما يفعله الحوثيون، لكنني أعتقد أنه ينبغي فعل المزيد. وفي اعتقادي أننا لا نستطيع أن نسمح بإرساء قاعدة جديدة تجعل من المقبول أن تبحر السفن لتطوف حول رأس الرجاء الصالح عند طرف القارة الأفريقية ثم تعود بعد ذلك إلى المنطقة. هذا ليس مقبولا. لا أعتقد أنه يمكننا السماح لأي منظمة أو دولة بإغلاق الممرات المائية الدولية لمجرد أنهم يرون أن في ذلك مصلحتهم.

* ماذا أيضا، ما الذي يمكن فعله أكثر؟

- علينا ملاحقة إيران وطرق إمداداتها على نحو أكثر فاعلية، علينا قطع الإمدادات. علينا أن نتتبع بقوة أكبر الإمدادات والمخزونات التي يمتلكها الحوثيون، ونأمل أن يؤدي الجمع بين هذين الأمرين إلى الحد من إمداداتهم والحد من قدرتهم على إحداث تأثير على هذه المسألة. علينا أن نتأكد من بناء تحالف أوسع من شركائنا في المنطقة ليساعدوا في توفير الأمن.

العلاقة القوية مع المملكة العربية السعودية مفيدة ليس لهم فحسب، بل لنا أيضا. ومن ثم، فأنا أؤيد بشدة هذه الصفقة الدفاعية المحتملة

لم يشارك من دول الخليج إلا البحرين، التي صعدت نشاطها بالفعل وقدمت بعض المساعدة في هذا الجهد. لذلك لدينا مجموعة متنوعة من الأمور التي يجب فعلها هنا. وهي أمور صعبة، لكنها ضرورية للحفاظ على حق أساسي من حقوق الحرية التجارية، أي حرية الملاحة عبر المياه الدولية. أعتقد أن هذا أمر أساسي، وأن عدم قدرتنا على تغيير هذا الوضع سيشكل مشكلة طويلة الأمد بالنسبة لنا.

* شكل الأميركيون تحالفا لتأمين الطرق البحرية، لكن دولة خليجية واحدة فقط انضمت إلى هذا التحالف، أعتقد أنها البحرين، أي إن دول الخليج الأخرى لم تنضم. في رأيك، لماذا لم ينضموا؟

- لا أستطيع أن أشرح ذلك حقا. كلهم سيرون آثار ذلك (هجمات الحوثيين). هناك موانئ على طول البحر الأحمر. وتعتمد مصر بالطبع بشكل كبير على السفن التي تمر عبر قناة السويس، فهو مصدر رئيس لإيراداتها الاقتصادية. كما تأثر الأردن أيضا. ونشهد انخفاضا في إيصال الإمدادات الإنسانية إلى السودان، والحاجة ماسة إليها هناك. وهذا يؤدي بدوره إلى تفاقم الوضع الرهيب فيها أصلا. لذلك لا أستطيع حقا أن أشرح السبب، أعتقد أنهم ربما ينتظرون ليروا كيف ستحل هذه المشكلة، أو ربما يستخدمون ذلك كوسيلة لإظهار دعمهم للفلسطينيين. لا أستطيع حقا أن أبين سبب فعلهم هذا. سوف يشعرون بآثاره طويلة المدى. ليس من الضروري أن تشعر الولايات المتحدة بالآثار، بل إن دول المنطقة هي التي ستشعر بها. ولذا أعتقد أنه من مصلحتهم أن يكونوا جزءا من هذا الجهد وأن يساعدوا في حل المشكلة.

أكسل رانغل غارسيا

* نقرأ كثيرا من التقارير عن اتفاق دفاعي أميركي- سعودي محتمل، ما الذي يمكنك أن تخبرنا به؟ وما رأيك في ذلك؟

-  أعتقد أن هذه الأمور مهمة، وأن على الولايات المتحدة أن تقيم علاقات دفاعية ودبلوماسية قوية مع جميع دول المنطقة. أعني أن هذا المنطقة كانت مهمة لنا تاريخيا، وهي مهمة لنا الآن، وستكون مهمة لنا في المستقبل. لدينا مصالح حيوية فيها ينبغي الدفاع عنها. ولذا أعتقد أن وجود علاقات وشراكات وترتيبات جيدة مع شركائنا في هذه المنطقة أمر مهم، بدءا بالمملكة العربية السعودية. وباعتبارها زعيمة للعالم الإسلامي ولاعبا مهما، فإن المملكة العربية السعودية شريك مهم. إن العلاقة القوية مع المملكة العربية السعودية مفيدة ليس لهم فحسب، بل لنا أيضا. ومن ثم، فأنا أؤيد بشدة هذه الصفقة الدفاعية المحتملة.

* كما نعلم جميعا، حوّل الأميركيون تركيزهم نحو الصين. إلا أن بعض الدول العربية تشكو في الوقت نفسه من أن الأميركيين لا يستثمرون كثيرا من الأصول في الخليج والمنطقة. فهل تعتقد أن بوسع الأميركيين القيام بالأمرين معا؟

- نعم. أعتقد أن الجيش الأميركي كبير بما فيه الكفاية، وأننا ننفق ما يكفي من المال، وأن لدينا مصالح في كلتا المنطقتين، وبوسعنا الاهتمام بهما في آن معا. ليس من الضروري أن يكون لدينا عشرات الآلاف من القوات، والعشرات من السفن في المنطقة. كل ما نحتاج إليه وجود عسكري مستدام تدعمه جهودنا الدبلوماسية القوية التي تدعمها جهود معلوماتية جيدة. وكما تعلمون فإن هذا يشجع الاستثمار الأميركي وقوتنا الاقتصادية في المنطقة.

من مصلحة أميركا توقيع اتفاق دفاع مع السعوديين، وآمل أن نمضي قدما في هذا الصدد

أعتقد أن الجمع بين كل هذه الأمور بالغ الأهمية. فوجود مجموعات صغيرة من القوات أو بعض السفن في المواقع الحيوية مفيد لنا كثيرا ويساعد في تشجيع شركائنا. لذا ليس علينا أن نضع العدد نفسه من القوات الذي وضعناه هناك لفترة طويلة من الزمن، لا ليس ذلك ضروريا، فالوضع لا يستدعي ذلك. ولكن سيتوفر لنا عندئذ قدر أقل من القوات إنما بمستوى من التزام أكثر استدامة تجاه المنطقة، وهو ما سيحمي مصالحنا ويظهر دعمنا لشركائنا.

* هل تأمل في توقيع اتفاق الدفاع بين السعوديين والأميركيين؟

- أتمنى ذلك، وآمل أن نمضي به قدما. ومرة أخرى، أعتقد أن من مصلحتنا أن نفعل ذلك، وآمل أن نمضي قدما في هذا الصدد. وآمل أن يغدو الاتفاق منصة يمكننا انطلاقا منها الوصول إلى نقطة معينة من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول الأخرى في المنطقة. في الواقع أرى أن هذا أمر مهم لنا أيضا. وقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، بذل الكثير من الجهود بالفعل، وقد عدت للتو من المنطقة بعد زيارة كثير من البلدان، وأستطيع أن أقول لكم إنهم يرون الفائدة المميزة للعلاقات القوية والجيدة بين دول المنطقة، وبين هذه الدول والولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة جزء أساسي من ذلك. لذلك أعتقد أن هذا يصب في المصلحة المشتركة لنا وللمنطقة.

أ ف ب
الجنرال جوزيف فوتيل يدلي بتصريح صحافي في قاعدة عسكرية لم يكشف عنها في جنوب غرب آسيا، 27 أكتوبر 2016

إعمار غزة... والعراق

* كما تعلمون، أعتقد أن بعض الدول العربية، تقول إنه يجب على الأقل رؤية وقف إطلاق النار في غزة، وأننا بحاجة إلى رؤية طريق نحو إقامة دولة فلسطينية. أعتقد أنهم يتوقعون بعض التحرك الإيجابي في القضية الفلسطينية قبل معالجة قضية التطبيع...

- أتفهم ما تقوله تلك البلدان. لكنني أعتقد أيضا أنه من المهم أن يكون ما يصدر من دول الخليج الأخرى أكثر من مجرد خطاب، ومن المهم الاستعداد لتخصيص الموارد لذلك. ستكون هناك جهود إعادة إعمار ضخمة يجب القيام بها في غزة، وسيتعين على دول المنطقة أن تمضي قدما في هذا العمل.

من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على علاقة قوية ودائمة مع العراق، بما في ذلك الحكومة والجيش العراقيان

قد تكون هناك حاجة إلى قوات دولية في غزة في مرحلة معينة، لأنه ليس من مصلحة الإسرائيليين محاولة احتلالها وليس من مصلحة الفلسطينيين أيضا، لذلك قد تكون هناك حاجة إلى قوات دولية. ولا يمكن أن تقتصر تلك القوات على الأميركيين والدول الغربية الأخرى، بل يجب أن تشارك فيها دول المنطقة. لذلك من المهم أن أتفهم ذلك، وأتفهم النقطة التي يثيرونها ولكن عليك أن تقول وتفعل، وليس مجرد القول، يجب أن يقترن الخطاب بالأفعال على الأرض عندما يكون ذلك مناسبا.

* رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني كان في واشنطن مؤخرا، ونعلم أنه يحاول الموازنة بين إيران وأميركا والعراق. ما رأيك في هذا؟

- وجهة نظري واضحة تماما. يتمتع العراق بموقع جيوستراتيجي استثنائي في المنطقة. فهو يقع عند تقاطع الانقسام السني- الشيعي، على رأس الخليج، ومتاخم لآسيا، بما في ذلك تركيا. وهذا يجعل موقعه مهما للغاية. ومن مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على علاقة قوية ودائمة مع العراق، بما في ذلك الحكومة والجيش العراقيان. وهذا لا يعني بالضرورة وجود عدد كبير من القوات على الأرض، فتمركز عدد من الفرق الصغيرة في الأماكن المناسبة يمكن أن يساعد حقا في الحفاظ على قدرات قوات الدفاع العراقية.
وأعتقد أن مثل هذه الفرق يمكن أن تشكل حصنا قويا ضد أهداف إيران التوسعية في المنطقة. أعتقد أن العراقيين أكثر قومية مما يظن معظم الناس. إذ إنهم يرون العراق أولوية بالنسبة لهم، وهم لا يرغبون في أن يكون دولة يجري النزاع على أراضيها طوال الوقت. والشعب العراقي شعب متعلم وذكي للغاية، كما أنه يمتلك الكثير من الإمكانيات العالية غير الاعتيادية. ولهذا، أعتقد أن إقامة علاقة طيبة مع العراق تصب في مصلحتنا إلى حد كبير، وآمل أن نتمكن من الحفاظ على نوع من العلاقة معه، على الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست على السيد السوداني.

أكسل رانغل غارسيا

* كما قلت، يواصل الإيرانيون اختبار الأميركيين والحكومة العراقية والضغط عليهما لإزعاجهما، ولدفع أميركا للخروج من العراق...

- ذلك صحيح. وأعتقد أنه سيكون من الخطأ من الجانب الأميركي الاعتقاد بأنه يمكن تجاهل هذا الأمر. جربنا ذلك سابقا، ولم تكن النتائج جيدة. لذلك أعتقد أن أحد الأشياء التي يجب أن نفكر فيها هو الحفاظ على جهودنا والتفكير في هذا الأمر على المدى الطويل لا على المدى القصير. العراق بلد مهم في المنطقة وسيكون كذلك في المستقبل. ومن المهم بالنسبة لنا الحفاظ على علاقة طيبة معه.

* هناك أيضا شمال شرقي سوريا، وأدرك أنك داعم كبير لـ"قوات سوريا الديمقراطية". هل تعتقد أن القوات الأميركية ستبقى في سوريا إلى الأبد؟ كيف سيؤثر الانسحاب الأميركي على قتال "داعش"؟

- لا أستطيع القول بثقة إننا سنكون هناك إلى الأبد. ولكني أعتقد أنه يجب علينا الالتزام بهذا الأمر على المدى الطويل. ليس لدينا قوات كبيرة على الأرض هناك، لدينا بضع مئات فقط. وأعتقد أن هذا الوضع مستدام للغاية، فنحن لا نتكبد خسائر نتيجة لذلك، بل نحن أيضا قادرون على الدفاع عن أنفسنا، وفي الوقت نفسه، نقوم بمهمة هامة لدعم "قوات سوريا الديمقراطية" ومواصلة الضغط على "داعش".
ومع صعود "داعش"، و"داعش- خراسان"، وربما فروع أخرى من "داعش"، أعتقد أنه من مصلحتنا الحفاظ على الوضع الراهن، وأحد أهم الأشياء التي يمكننا القيام بها، والتي قد تسمح لنا فعلا بإعادة قواتنا، هو المساعدة في التوسط للتوصل إلى نوع من الحل السياسي الذي يمنح الأكراد السوريين، وربما آخرين مرتبطين بنا، نوعا من المكاسب السياسية، وهذا ما كان يجب القيام به من قبل.

يجب عدم التخلي عن الشرق الأوسط، فالعلاقات هناك ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا. وإذا انسحبنا، فإن الصين ستأخذ مكاننا

في عام 2019، وبعد نجاحنا العسكري هناك، كان هناك أمل قوي بأننا سننتقل إلى المجال السياسي. ولكن ذلك لم يحصل بعد. لذلك، أعتقد أننا بحاجة إلى القيام بهذا من أجل سحب قواتنا من المنطقة وتوفير نوع من الثقة، نوع من التأكيد للأكراد بأنهم سيكونون جزءا لا يتجزأ من المشهد السوري ولن يتعرضوا للاضطهاد، إذ إن هذه القضية استمرت لفترة طويلة. إذن، الحلول العسكرية جيدة، لكنها يمكن أن تكون مرهقة ومكلفة، ونحن في النهاية بحاجة للوصول إلى حل سياسي، وهذا في اعتقادي هو الأمر الأكثر صعوبة.

النظام العالمي الجديد

* خدمت سابقا كقائد للقيادة المركزية الأميركية، وعملت في المنطقة، وأنت ملم بالخليج والشرق الأوسط، وأنت الآن مقيم في واشنطن وتتحدث إلى مسؤولين متنوعين. كيف ترى المشهد الاستراتيجي العالمي بأكمله؟ أعني المنافسة بين الصين وأميركا من منظور عسكري؟ كيف ترى هذه المنافسة؟ كيف ترى "النظام العالمي الجديد"، إن وجد؟

- أنا أميركي، لذا فإن لدي وجهة نظر محددة حول هذا الموضوع، وهي وجهة نظري الشخصية التي أقبلها وأتحمل المسؤولية عنها. لكنني أعتقد فعلا أن النظام العالمي الذي وضع بعد الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة وعدد من الدول كان بشكل عام إيجابيا، وأدى إلى النمو والازدهار وانتشار الديمقراطية. لكنه لم يكن مثاليا، إذ لا يوجد نظام مثالي من هذه الناحية، ولا أعتقد أنه نظام يستبعد الصين أو الآخرين من عضويته. في الواقع، ولسنوات عديدة، تبنت الولايات المتحدة العلاقة مع الصين، وهي مسؤولة بشكل كبير عن إدخال الصين إلى الاقتصاد العالمي. أقصد أننا رأينا ذلك كجزء من مصلحتنا. لكن ما نراه الآن هو محاولة الصين إعادة كتابة القواعد، إذا جاز التعبير، مع كل هذا، وهو ما أعتقد أنه مثير للقلق، لأننا لا نعرف إلى أين سيؤدي كل ذلك، ولهذا، أعتقد أن التحدي يكمن هنا. لذلك، وفي ظل هذه الظروف، أعتقد أنه من الضروري للولايات المتحدة أن تعزز من مزاياها، وقوتها، وشراكاتها حول العالم. ولهذا السبب أيضا، تبرز أهمية عدم التخلي عن الشرق الأوسط ببساطة، فالعلاقات هناك ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا. وإذا انسحبنا، فإن الصين ستأخذ مكاننا.
الصين موجودة هنا بطرق متعددة، وهي بالفعل في منافسة معنا. وأنا أعتقد أنه من الضروري جدا أن نستمر في تعزيز جهودنا في هذه العلاقات. وكما ذكرت، كنت في المنطقة مؤخرا، وجرى طرح هذا الأمر في كل المواضع، أعني أنهم يعترفون بأهمية الصين كشريك تجاري، لكنهم يعترفون أيضا بالأهمية القصوى لوجود علاقة مع الولايات المتحدة. لذا أعتقد أننا يجب أن نعزز جهودنا في هذا السياق. ويجب أن نركز ليس فقط على تفوقنا العسكري وتفوقنا التكنولوجي، ولكن أيضا على تفوقنا الدبلوماسي وتفوقنا السياسي في هذا الصدد، وأن نحظى بشركاء جيدين.

التعامل مع الأميركيين يمكن أن يكون محبطا في بعض الأحيان، لكن في النهاية، أعتقد أن الأميركيين يفعلون دائما الشيء الصحيح

تعمل الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات الإيجابية مع شعوب منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع دول مثل اليابان وكوريا، اللتين تعتبران شريكتين تقليديتين، وكذلك مع فيتنام، التي تحولت من خصم سابق إلى صديق وشريك جيد لنا، وبالتأكيد مع أستراليا، ومع مجموعة متنوعة من الدول الأخرى، كالفلبين على سبيل المثال، فلدينا علاقة متجددة معهم. هذه أمثلة على النهج الذي نتخذه لتحقيق ذلك، والآن نحتاج إلى تطبيق الاستراتيجية نفسها في الشرق الأوسط، يجب أن نتأكد من أن العلاقات الجيدة التي أقمناها مع الأردن ومصر وجميع الدول في الخليج، هي علاقات إيجابية وجيدة. هذا لا يعني أننا سنتفق على كل شيء، فالأصدقاء قد يختلفون، لكن لديهم آليات من خلالها يمكنهم العمل على تجاوز الصعوبات. يجب أن نُظهر التزامنا تجاه المنطقة، ليس فقط لأن ذلك يخدم مصالحنا، بل لأنه يعود بالنفع على المنطقة والمجتمع الدولي ككل.

* السؤال الأخير: كما قلت، النظام العالمي الذي جرى إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة، واستمر لأكثر من سبعة عقود، يجري اليوم اختباره من روسيا والصين في محاولة تفكيك هذا النظام العالمي. وكما قلت، نجح الأميركيون في إحياء تحالفاتهم القديمة حول الصين أو بناء تحالفات جديدة، ولكننا لا نرى ذلك في الشرق الأوسط أو الخليج، أليس كذلك؟

- أجل. أجريت بعض النقاشات مع بعض دبلوماسيينا في المنطقة هناك، وأعتقد أنهم يدركون تماما الوضع الحالي ويفهمون ما يتعين على الولايات المتحدة أن تفعله وما لا ينبغي عليها فعله. أنا واثق جدا من فريقنا الدبلوماسي هناك. أتدري؟ أمضيت بعض الوقت مع بعض السفراء وأعتقد أنهم استثنائيون حقا. إنهم أفضل من يخدم بلادنا، وأعتقد أنهم مخلصون للمنطقة والأماكن التي يخدمون فيها، وهم يحاولون بذل قصارى جهدهم لتحقيق التوازن في ذلك. لذلك أعتقد أنهم يفهمون جيدا الوضع الحالي.

نيويورك تايمز
جنود من القوات الخاصة الأميركية بالقرب من منبج، سوريا، في 7 فبراير 2018

أعتقد أن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الولايات المتحدة هو اتخاذ القرارات الصائبة. فنتيجة لتصرفاتنا على مدى الـ20 أو الـ25 سنة الماضية والحروب التي خضناها في إطار الحرب العالمية ضد الإرهاب، نهضت الصين إلى مكانة تمكنها من تحدينا بالفعل في المناطق التي كان لنا تأثير فيها. ورغم أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الصين قادرة على تحقيق ذلك فعليا، فإن الأساليب التي تعتمدها، مثل فخ الديون والعزلة السياسية والتهديدات ضد تايوان، تحمل آثارا كبيرة للغاية. وهذه بعض الخيارات التي يجب اتخاذ قرارات بخصوصها. ويمكن قول الشيء نفسه عن روسيا. أعني، انظر إلى ما فعلته روسيا في أوكرانيا. فالحجة التي قدمها السيد بوتين لتبرير تدخله هناك سخيفة رغم كل مزاياها المفترضة. وهذا أيضا خيار آخر علينا اتخاذ قرار بخصوصه. فبوتين يسعى في الواقع إلى العودة للماضي، وإلى إعادة تشكيل نموذج يشبه الاتحاد السوفياتي، الذي باعتقادي يعتبره الجميع نموذجا فاشلا. إذن هذه هي الخيارات التي علينا اتخاذ قرارات بشأنها.
وكما تعلمون، على الولايات المتحدة اتخاذ قرارات صعبة للغاية من أجل مواجهة مجموعة متنوعة من التهديدات، سواء كانت الصين، أو روسيا، أو كوريا الشمالية، أو التهديد بالعنف، أو المنظمات المتطرفة العنيفة، أو إيران. ولكن، لدينا أيضا الكثير من التحديات في وطننا، ويجب علينا الاهتمام بها. لدينا مثلا مشكلة خطيرة على حدودنا الجنوبية الغربية تتعلق بالهجرة. لذلك فإن أمامنا خيارات صعبة لاتخاذها. أنا لا أقلل من شأن أي من هذه الأمور، لكنني أعتقد أنه من المهم لقادتنا أن يحاولوا إيجاد التوازن بينها جميعا، وهذا ما أعتقد أننا، كمواطنين أميركيين، نتوقع منهم أن يفعلوه.

* هل أنتم واثقون من قدرة أميركا على فعل ذلك؟

- أنا واثق دائما من أميركا. واثق من أنها في النهاية ستفعل الشيء الصحيح. وآمل أن يحترم الناس في المنطقة ذلك أيضا. أعلم أن التعامل مع الأميركيين يمكن أن يكون محبطا في بعض الأحيان، لكن في النهاية، أعتقد أن الأميركيين يفعلون دائما الشيء الصحيح.

font change

مقالات ذات صلة