تونس: قلّما تُعرض مسرحية تونسية أو عربية في الهند، لكن المسرحيّ التونسيّ توفيق الجبالي نجح، اعتمادا على نصِّ جبران خليل جبران، في أن تكون مسرحية "المجنون" مبرمجة ضمن "مهرجان كيرالا الدولي للمسرح" في شهر فبراير/ شباط 2024 وأن تحرز كذلك لقب أحد أكثر العروض متعة للعين خلال المهرجان بشهادة الصحافة الهندية.
يأتي ذلك إثر ثلاثة عروضٍ أخرى متتالية في باريس بدار تونس في شهر يناير/ كانون الأول الماضي، في إطار جولة كرست مرّة أخرى على الصعيد الدوليّ هذه المسرحية المتميّزة التي جابت العالم من قبل وعُرضت لأوّل مرّة سنة 2001 على خشبة مسرح "التياترو"، الذي أسسهُ توفيق الجبالي.
يجدّد الجبالي إخراج عروضه كلّ بضعة سنين، لكن ليس من المجازفة اعتبار الإخراج الأخير لمسرحية "المجنون" ذروة عمله المسرحي. فمن خلال مسرح راقص تتابع فيه الحركة إيقاع الكلمة والمعنى، وباستخدام الإضاءة بكلّ إمكانياتها من إسقاطٍ وعرض وإيهام ضوئي، ومن خلال رسومات جبران، وديكور جاء على شكل واجهات كبيرة مثبتة على عجلات يحرّكها الممثلون والممثلات ويقفون وراءها ويصنعون منها غرفة عازلة عند الحاجة، يسمح الجبالي أن يقول نصّ جبران توق الشاعر، بمعنى الإنسان-الشاعر لا ناظم القصائد فحسب، ليعيش خارج قوالب ثنائيّات الحياة وينغمس في وحدة الوجود في فضاءٍ يصفه المجتمع بالجنون.
أوّل مسرحٍ تونسيّ خاصّ
مسرح "التياترو" ربّما هي أكبر مغامرة في حياة الجبالي. هذا الثمانينيّ السريع الخطى، والذي يكاد يرتجل الدعابة مع كل نفَسٍ يأخذه بينما يحتفظ في الآن ذاته بالصرامة المعهودة لدى كبار المخرجين أو ربّان السفن والقادة، عرف مغامرات عديدة أخرى في أولى سنوات شبابه بين الإذاعة والكتابة والتمرين والتمثيل والإخراج في تونس وفي فرنسا والقاهرة، لكن القدر شاء أن يمنحه خلال إعادة تأهيل فندق بالعاصمة التونسية سنة 1987 فرصة كي يقترح على المموّل الكويتيّ أن يحوّل ما تبقّى من مساحة بعد الأشغال إلى فضاء ثقافي، وأن يقبل المموّل بالاقتراح. هو الذي يصرّح في سيرته (كريم السمعلّي، "توفيق الجبالي، سيرة تمرد وإبداع وصدف، دار أبجديات للنشر، 2022)، أنه "يؤمن بالصدف ويترك لها حيّزا واسعا في تقرير مصيره"، كانت تلك الصدفة في حياته نقطة الانطلاق لخلق أوّل مسرح خاصٍّ بتونس. أدارته زوجته الصحفية والمنتجة المسرحية والمناضلة الحقوقية والنسوية الراحلة منذ ثلاث سنوات، السيدة زينب فرحات (1957 – 2021)، وتركت أثرا عميقا في القلوب، وفي إدارة الفضاء التي لا تزال تنسج على منوالها إلى اليوم في تجميع أطرافٍ مختلفة وخلق شبكات فنية وإنسانية.