من الممكن ضم فيلم "لا وجود للشر"إلى فيلم "أيام مثالية" 2023، للمخرج الألماني الكبير فيم فيندرز، وهي سلالة من الأفلام التي تقيم عزاء مهيبا للطبيعة التي يفقدها الإنسان بسبب تكاثره، واستهلاكه المفرط، وزحفه الخطير على الغابات. لكن الاختلاف بين بطل هاماغوتشي، وبطل فيندرز، هو اختلاف في الرؤية الفنية، فبينما بطل فيندرز الممثل الياباني كوجي ياكوشو، يبتسم ابتسامة رواقية لرؤوس الأشجار العالية، يبقى تاكومي بطل هاماغوتشي صامتا، متجهما، يخفي روحا كئيبة ناقمة.
ينسى تاكومي أحيانا موعد اصطحاب ابنته هانا من المدرسة، وهو نسيان غريب، قياسا بتمهله ودقته في عمله. هناك تفسيران لنسيان تاكومي، الأول أن هاماغوتشي يرتب شيئا آخر، غير مريح، للحدث الدرامي، وخلف التنويم الموسيقي للفيلم، نشعر أن هذا الشيء ينمو ببطء ويقترب، والثاني، هو نقص عاطفة تاكومي تجاه ابنته هانا، سيما أن المشهد الوحيد لكشف عاطفته هو صورة فوتوغرافية، تجمع زوجته وابنته هانا، تجلسان في الصورة أمام بيانو، بينما تاكومي يجلس أمام البيانو نفسه. ربما أخذتْ زوجته الغائبة، أو المتوفاة، أكثر من نصف مشاعره، فلم يبق لهانا سوى القليل.
يلحق تاكومي ابنته هانا في طريق الغابة، وعبر لقطة واحدة طويلة، ساحرة، دون قطع، نتابع تاكومي بشكل أفقي بين جذوع الأشجار إلى أن يختفي، ثم يظهر مرة أخرى، وهو يحمل هانا على ظهره، ويعلّمها أسماء الأشجار، وألوان لحائها، لكن تاكومي يُحدّث هانا أيضا عن الجانب المظلم من الغابة، فأمام تحلل جثة غزال، يقول لها، إنه أصيب برصاصة، لكنه لم يمت في الحال.
تجد هانا في الغابة ريشة طائر، فيقول لها تاكومي، إن سوروغا، عمدة القرية، سيحبها. يشرح سوروغا لهانا وتاكومي وأصدقائه، استخدام ابنه لريشة الطائر في تنظيف أصابع آلة الهاربسيكورد، الشبيهة بأزرار البيانو، بعد نزع زغب الريشة الجانبي، وترك عودها الفقري. اللقاء الرقيق بين ريشة الطائر والهاربسيكورد، يشبه ما تحكيه إيكو إيشيباشي، أنها دعتْ هاماغوتشي الى تصوير لقطات مصاحبة لمقطوعات موسيقية قامتْ بتأليفها، فكانت ثمرة اللقاء، بعد تعديلات هنا وهناك، تخدم التناغم النهائي، هي سيناريو فيلم، ثم الفيلم ذاته "لا وجود للشر".
غضب
تبعث شركة "بلاي مود"الرأسمالية، موظفَيها تاكاهاشي ومايوزومي، وهما ممثلان لطيفان للشركة، لكي يقنعا سكّان قرية ميزوبيكي بإيجابيات مشروع التخييم الفاخر. يواجه تاكاهاشي أسئلة محرجة من أهل القرية، مثل السؤال عن قدرة خزّان الصرف على استيعاب العدد الحقيقي المتوقّع في ذروة إشغال الفندق، ومثل سؤال تاكومي عن موقع إنشاء خزّان الصرف الذي يؤثر على الآبار الجوفية التي تقوم بتغذية نبع المياه.
ثم يتحدث العجوز سوروغا عمدة القرية، بكلمات عن الطبيعة، شبيهة بكلمات الحكمة التي خرجتْ مرة من فم صيّاد كوروساوا العظيم، درسو أوزالا: النار تغضب، الماء يغضب، الرياح تغضب. يقول سوروغا، وهو يرفع يده ليُمثّل بها سقوط الماء: نعرف جميعا أن الماء يتدفق نحو الأسفل، لذلك فإن ما يتم فعله في المنبع دائما يكون له تأثير على المصب، فمن الطبيعي أن الذين يعيشون أسفل النبع سيلومون مَنْ يعيشون أعلاه.
تنظر مايوزومي إلى زميلها تاكاهاشي بأسف، وخجل، وبعد عجزهما عن إقناع أهل القرية بمشروع التخييم الفاخر، وعلى وعد بالعودة مرة ثانية بإجابات أفضل من صاحب شركة "بلاي مود"، يغادران القرية. في طوكيو يتلقيان الإجابة النموذجية للرأسمالية من هوريغوتشي مدير "بلاي مود": لا يمكنك الحصول على السبق إن كنت تسعى إلى الكمال، وحتى لو أصبح ماء النبع ملوثا قليلا، سيبقى أنقى من ماء المدينة.
يُضاعف هاماغوتشي غرابة أطوار تاكومي الذي يجلس في بيته يرسم اسكتشا لوجه تاكاهاشي ومايوزومي، ويكتب على الرسم عبارة سوروغا الحكيمة "الماء يتدفق نحو الأسفل". تأتي ابنته هانا من خلفه بدمية تشبك بها قطعة من الحلوى، وتضعها في فمه، وتقول له: قضمة أخرى. يقضم تاكومي ببرود قطعة الحلوى، ويقول لها: إنه لا يرى رسمه من دميتها. تضرب هانا والدها في ظهره ضربة خفيفة بقدمها. لماذا يرفض اللعب معها؟ هل هي مذنبة بأعوامها الثمانية؟ هناك أيضا صورة فوتوغرافية في بيت تاكومي، تجمع الزوجة المفقودة، وتاكومي، وهانا، والدمية. يحوم هاماغوتشي حول نقص ما لا يمكن تعويضه.
صدمة
يعود تاكاهاشي ومايوزومي إلى قرية ميزوبيكي بعرض جديد، ماذا لو أصبح تاكومي الحارس البيئي لمشروع التخييم الفاخر؟ يرفض تاكومي العمل الجديد، ويصارحهما بصعوبات جديدة، فالغزلان البريّة تمر أحيانا في موقع التخييم الفاخر. تقترح مايوزومي إقامة سياج حول المخيم الفاخر، فيقول تاكومي: إنها تقفز فوق ثلاثة أمتار. ماذا لو تركنا المخيمين والغزلان لصدف التعرف الطبيعية، السمات الحيوانية، والسمات الإنسانية، جنبا إلى حنب؟ يعترض تاكومي بأن الغزلان البريّة خجولة، والاقتراب منها قد يتسبب بالأمراض للإنسان.