صعود اليمين المتطرف في أوروبا... أي آثار على السياسات الداخلية والخارجية؟

تحليل معمق لـ"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"

أ.ف.ب
أ.ف.ب
البرلمان الأوروبي

صعود اليمين المتطرف في أوروبا... أي آثار على السياسات الداخلية والخارجية؟

في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي التي أجريت أمس، والتي شهدت مكاسب كبيرة للأحزاب اليمينية في جميع أنحاء القارة، أصدر الملجس الأوروبي للعلاقات الخارجية توصيات لمختلف الحكومات الراهنة لإعادة تقييم سياستها.

وقد اكتسبت مجموعات حزب "الشعب الأوروبي"، وحزب "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" وحزب "الهوية والديمقراطية" أرضية كبيرة، مع انضمام أحزاب مثل "فيدس" وحزب "البديل من أجل ألمانيا" تحت قيادة "الحزب الوطني". ونتيجة لهذا فإننا نشهد تحولا ملحوظا في صفوف البرلمان الأوروبي نحو اليمين. ومن المرجح أن يخلف هذا التحول آثارا كبيرة على السياسات المتعلقة بالمناخ والهجرة والتوسعية والميزانية وسيادة القانون، ولا سيما أن التشريعات المتعلقة بالمناخ وحماية البيئة، مثل قانون استعادة الطبيعة الأخير، لم تقرّ إلا بشق الأنفس، وسوف تواجه تحديات أكبر في المستقبل.

وكانت نتائج الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في بعض الدول، لاسيما فرنسا، وقد لا يكون مرد ذلك في المقام الأول الفوز المذهل الذي حققه حزب "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبان، لأن استطلاعات الرأي كانت تتوقع ذلك لبعض الوقت. الصدمة الحقيقية جاءت حين دعا الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل غير متوقع إلى إجراء انتخابات مبكرة.

ويقول المجلس الأوروبي إن هذا القرار ستكون له آثار كبيرة على كثير من مؤتمرات القمة الدولية المهمة المقرر عقدها في الشهر المقبل، بما في ذلك قمة مجموعة السبع في إيطاليا، وقمة "السلام في أوكرانيا" في سويسرا، واجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي في نهاية يونيو/حزيران، وقمة حلف شمال الأطلسي في يوليو/تموز. وفي الأمد القريب، سوف تؤثر حالة عدم اليقين هذه بشكل خطير على نفوذ ماكرون في أوروبا، ولكن إذا أثمرت مقامرة ماكرون وفشل حزب "الجبهة الوطنية" في تحقيق الأغلبية أو تشكيل ائتلاف في الانتخابات المبكرة، فسيسمح ذلك لماكرون باستعادة الزخم والشرعية.

نجح حزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرف في زيادة حصته من الأصوات من 11 في المئة إلى 15.9 في المئة

وفي ألمانيا على الرغم من مزاعم الفساد التي تلازم حزب "البديل من أجل ألمانيا"  وعلى الرغم من ارتباط الحملة الانتخابية للحزب بالفضائح، فقد نجح الحزب في زيادة حصته من الأصوات من 11 في المئة إلى 15.9 في المئة. وفي حين لا تزال هذه النسبة أقل دون نسبة 22 في المئة التي كانت متوقعة في وقت سابق من هذا العام، فإن الحزب يبقى الفائز الأكبر في الانتخابات. وإذا كانت هذه النتائج مؤشرا على انتخابات الولايات المقبلة في شرق ألمانيا في سبتمبر/أيلول، فقد يصبح حزب "البديل من أجل ألمانيا" القوة المهيمنة هناك. وحصلت الأحزاب التي تؤيد سياسة خارجية مختلفة جذريا ولا تدعم الموقف الحالي بشأن أوكرانيا على ما يقرب من 25 في المئة من الأصوات. ورغم أن هذا لا يغير سياسة ألمانيا الخارجية بشكل مباشر، فإنه يزيد الضغوط على السياسيين.

ومن وجهة نظر ألمانية، فإن التحول نحو اليمين في فرنسا مثير للقلق بشكل خاص، ليس فقط بالنسبة للانتخابات البرلمانية المقبلة فحسب، ولكن أيضا للانتخابات الرئاسية في عام 2027. فإذا ما انتخب ترمب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن استراتيجية ألمانيا المتمثلة في التوافق بشكل أوثق مع فرنسا في السياسة الأمنية سوف  تهتز بشكل كبير.

رويترز
رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني تتحدث عقب إعلان النتائج لانتخابات البرلمان الأوروبي

وفي إيطاليا، حققت جورجيا ميلوني فوزا كبيرا في الانتخابات الأوروبية. وبعد عامين من توليها الحكم في البلاد، أصبح حزبها، "فراتيلي ديتاليا" (أخوة إيطاليا)، الحزب الرائد بقوة حيث حصل على أكثر من 28 في المئة من الأصوات. وستذهب ميلوني إلى قمة مجموعة السبع هذا الأسبوع وتخوض المفاوضات المقبلة للمفوضية الأوروبية وهي في موقف قوي مقارنة بزميليها الأوروبيين ماكرون وشولتز. وفي الأسابيع المقبلة، ستتاح لها الفرصة للعب دور حاسم في صياغة الترتيبات الجديدة في بروكسل.

وفي الوقت نفسه، حصل حزب "فورزا إيطاليا" (حزب سياسي في إيطاليا جزء من حزب "الشعب الأوروبي"، أو EPP) على المزيد من الدعم والنفوذ في الانتخابات الأخيرة. وجاءت هذه الزيادة في القوة على حساب حزب "الرابطة" الذي يتزعمه سالفيني وأحزاب الوسط المتحالفة مع مجموعة تجديد أوروبا المرتبطة بالمجال السياسي للرئيس الفرنسي ماكرون.

حكومة ميلوني وحزب "الشعب الأوروبي" هما إذن الفائزان الكبيران في الانتخابات. وستجد ميلوني نفسها مضطرة على الأرجح لأن تجنح نحو الوسط، على الرغم من أنها ستراقب عن كثب نتيجة فوز لوبان المحتمل في فرنسا في 7 يوليو/تموز. وفي القضايا الدولية، يجب أن نتوقع أن تستمر ميلوني بسياستها الخارجية، فلن يخبو موقفها المؤيد لأوكرانيا، وكذلك موقفها المناهض للصين. ومع ذلك، فقد نرى دعوات أوضح لمراجعة السياسات الخضراء.

لكن الأحزاب المتطرفة في إسبانيا، سواء اليمينية منها (فوكس VOX) أو اليسارية (بوديموس Podemos)، وكذلك الأحزاب الكتالونية المؤيدة للانفصال، آخذة في التراجع. ورغم أن حزب "فوكس" زاد مقاعده إلى 6، فإن حصته من الأصوات انخفضت من 12.38 في المئة في الانتخابات العامة في يوليو 2023 إلى 9.6 في المئة هذه السنة، وكانت أعلى نسبة حصل عليها الحزب في نوفمبر 2019، وبلغت 15 في المئة.

الأحزاب المتطرفة في إسبانيا، سواء اليمينية منها (فوكس VOX) أو اليسارية (بوديموس Podemos)، وكذلك الأحزاب الكتالونية المؤيدة للانفصال، آخذة في التراجع

وفاز حزب "الشعب" المحافظ بقيادة فيجو في الانتخابات الأخيرة في إسبانيا بنسبة 34.2 في المئة من الأصوات، محصّلا بذلك 22 مقعدا، وتلاه "الحزب الاشتراكي" بقيادة سانشيز الذي حصل على 30.2 في المئة من الأصوات و20 مقعدا. وعلى الرغم من أن الانتخابات لن تؤثر بشكل فوري على المشهد المحلي، فإن رئيس الوزراء سانشيز سيجد صعوبة أكبر الآن في تمرير الميزانية أو القوانين الأخرى بسبب الموقف البرلماني الضعيف لائتلافه.

وتعزز نتائج الانتخابات الدعم القوي الذي تقدمه إسبانيا لأوكرانيا وزيادة ميزانية الدفاع، وهو الموقف الذي اتفق عليه كل من الاشتراكيين والمحافظين. وتراجعت قوة شركاء سانشيز الصغار في الائتلاف، الذين يدافعون عن السياسات "المؤيدة للسلام" في أوكرانيا والمواقف المناهضة لإسرائيل  (يريدون قطع العلاقات مع إسرائيل)، بشكل كبير، حيث حصلوا على 5 مقاعد فقط من أصل 61 مقعدا. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم إعادة انتخاب عضو البرلمان الأوروبي الإسباني الأكثر تأييدا لروسيا، مانويل بينيدا من الحزب الشيوعي.

وفي بولندا، برز حزب الفيدرالية اليميني المتطرف (Konfederacja) بشكل واضح بحصوله على 12 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، ولكن حقق رئيس الوزراء الحالي دونالد توسك وائتلافه المدني فوزا انتخابيا لافتا، إذ حصل على 37 في المئة من الأصوات. ويقول المجلس الأوروبي إن توسك، إلى جانب ميلوني، يعتبر الزعيم الأوروبي الذي يحظى بأقوى تفويض ديمقراطي في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعطي بولندا الآن فرصة للاستفادة من قوتها على مستوى الاتحاد الأوروبي، ولاسيما في أعقاب صعود اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا.

font change

مقالات ذات صلة