غالب الظن أن مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار في غزة مهدد بأن يلاقي المصير نفسه الذي لقيته المفاوضات بشأن إطلاق الأسرى ووقف إطلاق النار عشية شهر رمضان الماضي: التعثر والفشل. وهذا ما بدأت الإدارة الأميركية نفسها تتحسب له وتشير إليه رغم كل الضغوط التي تمارسها على طرفي النزاع، سواء بالمباشر على إسرائيل، أو بطريقة غير مباشرة على "حماس" من طريق الدول العربية التي يمكن أن تضغط عليها. وهذا ما يحاول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن فعله خلال زيارته الثامنة إلى المنطقة منذ بدء الحرب لكن من دون نجاح يذكر حتى الآن.
في المحصلة فإنه في كل مرة يتبادر الأمل بإمكان وقف القتال من خلال المفاوضات، فإن فشلها يعمم التشاؤم وعلى نحو أشد من المرة السابقة، وهذه المرة هي أصعب المرات، باعتبار أن فشل المفاوضات وعدم تجاوب إسرائيل و"حماس" مع مقترح بايدن يحصلان في لحظة وصول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى أقصى تعقيداتها، سواء بالنظر إلى حسابات طرفيها المباشرين، أي "حماس" وإسرائيل، وتحديدا بنيامين نتنياهو ويحيى السنوار، أو بالنظر إلى تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي وبالأخص عشية الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وهو ما يطرح سؤالا رئيسا عما إذا كانت حرب الاستنزاف بين "حماس" وإسرائيل والتي بدأ الحديث عنها منذ أسابيع بل أشهر هي في الواقع انعكاس لصراع إقليمي ودولي، أي ما إذا كانت أطراف إقليمية وأكثر منها دولية تدفع باتجاه تعميقها لحسابات خاصة بها يأتي في مقدمتها إغراق أميركا في الصراع وإلهاؤها ودفعها إلى الفشل في إيجاد حل له.
في الواقع إن التصعيد الميداني والسياسي الذي تشهده الحرب الروسية الأوكرانية يحث أكثر فأكثر على الربط بين التطورات في أوروبا الشرقية والصراع على الأراضي الفلسطينية، باعتبار أن وجود أميركا والغرب في كلا الحربين هو استدعاء أكيد لخصومهما للانخراط فيهما. وإذا كانت روسيا طرفا من أطراف الحرب في أوروبا فماذا عن دورها في حرب غزة؟ أو في الجبهة بين "حزب الله" وإسرائيل؟ فإذا كانت بعض القراءات المتأخرة لعملية "طوفان الأقصى" قد تساءلت عن إمكان حضور موسكو فيها من قريب أو بعيد من دون التوصل إلى إجابات واضحة بالطبع، فإن التساؤلات تتركز الآن حول المصلحة الروسية في إطالة أمد الحرب وإشغال الولايات المتحدة فيها، في سياق حسابات روسيا في حربها على أوكرانيا، أو في سياق محاولاتها بين دول أخرى أهمها الصين لبناء نظام دولي جديد. وبالتالي فإن فشل أميركا في الشرق الأوسط، وهو ما اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سببا لاندلاع حرب غزة، يدفع إلى تصدع النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده أميركا.