في زحمة النقاشات بشأن إيران بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، تذكرت مقالا نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في تسعينات القرن الماضي، وكان عنوانه "كيف يمكن أن تكون فارسيا؟" يشرح فيه الكاتب غموض الشخصية الفارسية وصعوبة التنبؤ بسلوكها. ويمكن لهذا أن يبرر الانشغال بالحديث عن خلافة السيد مجتبى خامنئي لوالده في منصب المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، لا سيما أن الطريق أصبح معبدا أمامه بعد مقتل رئيسي في حادثة تحطم المروحية. في حين أن صناع القرار السياسي في إيران يحيكون سجادة حمراء لمن يكون في منصب الولي الفقيه وفقا لتوازنات القوى بين رجالات الثورة ورجالات الدولة.
لم تكن حادثة تحطم المروحية التي توفي فيها رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان والفريق المرافق لهما، هي الحادثة الأبرز فقط، وإنما فتحت الأبواب نحو أسئلة مهمة تتصل بالعلاقة بين الشخصيات القابضة على السلطة ومستقبل نظام الحكم في إيران. إذ لم يكن رئيسي مجرد رئيس للجمهورية، وإنما كان المرشح الأقوى الذي تجري تهيئته ليكون خليفة علي خامنئي في منصب المرشد الأعلى للجمهورية.
ضرر مقتل إبراهيم رئيسي يتحدد ضمن دائرة فقدان شخصية بمؤهلاته تكون قادرة على ملء فراغ منصب الولي الفقيه مستقبلا
لكن رسالة خامنئي إلى الشعب الإيراني بعد إعلان وفاة رئيس الجمهورية "لن يكون هناك أي اضطراب في عمل البلاد"، كانت الأكثر دلالة على أن النظام السياسي في إيران لن يـتأثر إلا بغياب المرشد وليس أي شخصية سياسية أخرى. لذلك فإن ضرر مقتل إبراهيم رئيسي يتحدد ضمن دائرة فقدان شخصية بمؤهلاته تكون قادرة على ملء فراغ منصب الولي الفقيه مستقبلا.
إذن، هناك قضيتان سيطرتا على تفكير قيادة الثورة منذ تأسيس الجمهورية في إيران، الأولى أن من يحدد المصلحة العامة في النظام السياسي هو الولي الفقيه، والذي يشترط الدستور الإيراني في مؤهلاته أن يكون "البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير". وهذا تجسيد واقعي للتطور الذي حصل في نظرية ولاية الفقيه التي صاغها الخميني، محددا فيها مهام الولي الفقيه بتحديد المصلحة العامة للبلاد. أما القضية الثانية، فهي التفكير في تشكيل المؤسسات الموازية للمؤسسات الرسمية، كما في تشكيل "الحرس الثوري" مقابل التشكيلات المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية.
وواقع الحال أن نظام الحكم في إيران يرتكز على ثنائية: الشخصية القيادية للمرشد الأعلى السيد خامنئي، ومؤسسة "الحرس الثوري". لذلك فإن أي حديث عن مستقبل النظام السياسي في طهران، يعتمد على شكل العلاقة بين من يكون في منصب الولي الفقيه و"الحرس الثوري".
من المتوقع في حال غياب شخص المرشد، أن تكون الكلمة الفصل لاختيار المرشد الجديد بيد "الحرس الثوري"
الحضور الواسع والفعّال في كافة المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية يجعل مؤسسة "الحرس الثوري" القوة المهيمنة العظمى في النظام. والعلاقة الوطيدة بين خامنئي وكبار الضباط في "الحرس" التي بدأت منذ أيام الحرب الإيرانية- العراقية، حين كان خامنئي رئيسا للجمهورية، تسهل التنسيق والتواصل بين مكتب المرشد والمؤسسات الواسعة والمتنفذة لدى "الحرس".
ولكن بعد غياب رئيسي الذي كان مؤهلا تماما لملء فراغ شخصية خامنئي، كونه يملك مفاتيح التعامل مع "الحرس الثوري" من دون أن يكون هناك أي تغيير في طبيعة العلاقة بين المرشد و"الحرس"، من المتوقع في حال غياب شخص المرشد، أن تكون الكلمة الفصل لاختيار المرشد الجديد بيد "الحرس الثوري". وربما، وفي أسوأ الأحوال يمكن لـ"الحرس" أن يقوم "بانقلاب مخملي" لإقصاء كل المناوئين من السلطة والانفراد بالقيادة بعد تنصيب شخصية ضعيفة أو فخرية مكان المرشد السابق.