اليمين المتطرف في أميركا اللاتينية: وُجِدَ ليبقى
ليبرالية وفكر محافظ وأصولية مسيحية
اليمين المتطرف في أميركا اللاتينية: وُجِدَ ليبقى
أسوة بباقي القارات، باستثناء أفريقيا ربما، تعرف أميركا اللاتينية موجة التطرف اليميني. ما الأسباب والجذور والديناميات والآثار؟ وما الخاص فيها الذي يمكن نسبته إلى القارة؟ وما العام المشترك في الظاهرة العالمية؟ شكل فوز اليمين الراديكالي في أهم دولتين بأميركا الجنوبية- جايير بولسونارو عام 2018 في البرازيل، ثم خافيير ميليه مؤخرا في الأرجنتين- شكل سؤالا كبيرا ليست له أجوبة بسيطة. نحن أمام ظاهرة معقدة، حمّالة أوجه عديدة يصعب حتى تسميتها بدقة، فكيف بالأحرى توصيفها؟
ليست المرة الأولى
ظاهرة التطرف اليميني ليست جديدة في القارة. الموجة الأولى، كانت لصيقة بالحرب العالمية الثانية ومستوحاة من أفكار قريبة من المحور الفاشي: في الثلاثينات، في البرازيل جيتوليو فارغاس قضى على "الجمهورية القديمة"، وأثناء الأربعينات في الأرجنتين، أنهى خوان بيرون ما لقب بـ"العقد المعيب". الطريف أن كليهما بعد إخراجهما من السلطة عادا في الخمسينات بواسطة الانتخابات، ولكن هذه المرة ببزة تقدمية مزجت بين عدم الانحياز والإصلاحات الاجتماعية. شيء يشبه إلى حد ما الحركة الناصرية. وفيما انتحر فارغاس عام 1954، سيعود بيرون مرة ثالثة لوضع حد لدكتاتورية عسكرية استمرت بين عامي 1966 و1973.
الموجة الثانية للتطرف اليميني ارتبطت بحصول الانقلابات العسكرية المتتالية التي أشرفت عليها الولايات المتحدة لمحاربة الصعود اليساري: دشنتها البرازيل عام 1964 ثم انتقلت في السبعينات إلى الأوروغواي (1973) وتشيلي (1973) والأرجنتين (1976). ومع طوابير العسكر، أتت النظريات الاقتصادية الليبرالية بقيادة ميلتون فريدمان والتي حولت المنطقة إلى حقل لتجاربها. والاقتصاديون القيّمون على هذه السياسات عرفوا بـ"أولاد شيكاغو" نسبة إلى الجامعة التي تتلمذوا فيها، ما جعل أرنولد هاربرغر (المسؤول عن تدريب الكوادر الأميركية اللاتينية) يتبجح ويقول "مرّ تحت إدارتي 300 قائد، من بينهم 70 وزيرا و15 حاكم مصرف مركزي". وبعد هزيمته في "حرب المالفيناس" (الفوكلاند)، انهارت الدكتاتورية العسكرية الأرجنتينية (1984)، ومن بعدها استعادت الدول الأخرى ديمقراطياتها. إلا أن الليبرالية بقيت متحكمة بها وفق نموذج حقبة الرئيس ريغان المتربع على السلطة في الولايات المتحدة.
ظهور اليسار على أنقاض الليبرالية
بعد محاولة انقلابية أوصلته إلى السجن، اعتلى هوغو شافيز سدة الرئاسة بواسطة الانتخابات عشية سنة 2000، وذلك بعد نحو ثلاثة عقود من انتخاب سلفادور أليندي (1970) في تشيلي، وعقدين من انتصار الثورة الساندينية في نيكاراغوا (1979). هذه المرة، الاسم الفني للخصم كان النيوليبرالية المتفلتة في القارة والتي تحصد البطالة والتضخم والإفقار. بدأت المجابهة في فنزويلا المديونة، وكرت السبحة على وتيرة الأجندة الانتخابية: في غضون سنوات معدودة، غطت سلطات اليسار المتنوعة كافة دول أميركا الجنوبية فيما عرف بـ"الموجة الزهرية" باستثناء كولومبيا الغارقة في حرب "أميركية" ضد المخدرات والفرق الثورية اليسارية. حتى البراغواي– حيث الحزب الحاكم متجذر في السلطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية- رأت مطرانا يساريا منتميا إلى "لاهوت التحرير" على كرسي الرئاسة.
أزمة المشاريع النيوليبرالية والمآسي الاجتماعية فضحت عجز الأحزاب التقليدية عن تصور حلول جديدة
تقليديا ومنذ القرن التاسع عشر، تتقاسم الحياة السياسية في أميركا اللاتينية ثنائية الحزب المحافظ ("بلانكو" أي الأبيض) والحزب الليبرالي ("كولورادو" أي الأحمر). يتداولان في السلطة بانتظام ويتحاربان بوحشية عندما يطفح كيل خلافاتهما كما في روايات غارسيا ماركيز. في المحصلة، لا فارق كبيرا بينهما، على نموذج الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. أزمة المشاريع النيوليبرالية والمآسي الاجتماعية التي عممتها فضحت عجز هذه الأحزاب التقليدية عن تصور حلول جديدة وفتحت المجال لبروز خيار مختلف سرعان ما احتل انتخابيا ما كان يُعرف بالحديقة الخلفية للولايات المتحدة. أضف إلى ذلك أن وقتها، كانت الأخيرة تتخبط في العراق، فيما تتحول الصين إلى أول أو ثاني شريك اقتصادي لكل دول أميركا اللاتينية. صحيح أيضا أن وقتها أدركت أسعار المواد الأولية (commodities) أوجّها ما وفر فائضا سمح بإعادة توزيع لبعض الثروة.
"موجات ملونة" أم مجرد تداول سلطة؟
الأشياء لا تدوم: عادت الولايات المتحدة إلى "شؤونها القارية". انهارت أسعار المواد الأولية. واليساريون لم يتجهزوا لسياسات طويلة الأمد. أتت أول إشارة عن تبدل الرياح في هندوراس بأميركا الوسطى عام 2008 عندما اقترب الرئيس زيلايا من هوغو شافيز. أقيل دون سابق إنذار في خليط من التدخل العسكري والقضائي والسياسي والإعلامي. ستتجدد الخطة نفسها مع المطران لوغو في البراغواي (2012) ومع ديلما روسيف في البرازيل بداية ولايتها الثانية (2016) ومع إيفو موراليس في بوليفبا عام 2018 فور إعادة انتخابه.
صحيح أيضا أن الأشياء لا تدوم: 15 سنة بعد إقالة زوجها، انتخبت شيلينا زيلايا رئيسة هندوراس. وبعد ولاية لجايير بولسونارو في البرازيل، عاد "عامل المخرطة" لولا دا سيلفا عام 2022 إلى رئاسة أكبر دولة في القارة للمرة الثالثة. سنة فقط بعد الانقلاب الذي أطاح بموراليس أول رئيس من السكان الأصليين الهنود في الدولة الوحيدة حيث لا يزالون يشكلون الأكثرية المطلقة من السكان، انتخب لويس آرسي وزير خارجيته رئيسا للجمهورية. من بين الدول الأربع، فقط البراغواي عادت إلى تقليدها المحافظ، وما زالت فيه.
أقحم اليمين الجديد في أشكال اليمين الأخرى، إن عقائديا في نقاش الأفكار أو انتخابيا في صناديق الاقتراع، وجعلها تلتحق به أو تنزوي
بعد "الموجة الزهرية"، بدأ التنظير لـ"موجة زرقاء" يمينية تعيد الأمور إلى نصابها. قبل أن تستقر، عادت وتبدلت وجهة الرياح، فأخذ المحللون أنفسهم ينظرون لـ"موجة زهرية" ثانية، خصوصا بعد انتخاب رئيس يساري لأول مرة في بلدين مهمين، لوبيز أوبرادور في المكسيك (2018) وغوستافو بيترو في كولومبيا (2022). الحقيقة أبسط: بعد الموجة اليسارية الأولى التي شكلت ظاهرة جديدة، أخذت القارة "تطبّع" مع اللعبة الديمقراطية، وصارت وتيرة تداول السلطة تتسارع واليميني يخلف اليساري والعكس بالعكس.
اليمين الراديكالي يقتحم أشكال اليمين الأخرى
تماما مثل ظهور اليسار بعد تحطم المشاريع النيوليبرالية وأدواتها، أدى صعود اليسار إلى ظهور نقيضه. وبعد تجذر اليسار على مستوى القارة كخيار جديد وأيضا كنموذج لا يخلو من الفساد أو من الأخطاء أو ببساطة من التأقلم مع الواقع، طرحت تحديات من نوع جديد على اليمين. تبيّن سريعا أن حلولها القديمة وأحزابها لم تعد ناجعة ولن تفي بالمطلوب. وأن المجابهة الحقيقية مع اليسار قد تفرض أحيانا كثيرة نسب المساوئ للطبقة السياسية برمتها– يمينا ويسارا– بحثا عن استقطاب جديد.
هنا، تبدأ سردية النيو-يمين أو اليمين الراديكالي أو المتطرف (وهذه التسميات أدق من الفاشية لأن هذه الأخيرة تاريخيا تحتقر الليبرالية وذلك بعكس الظاهرة الحالية التي تعبدها ولو مع شيء من الحمائية "protectionism" سياسيا). أقحم هذا اليمين الجديد في أشكال اليمين الأخرى، إن عقائديا في نقاش الأفكار أو انتخابيا في صناديق الاقتراع، وجعلها تلتحق به أو تنزوي.
وفيما يلي بعض الأمثلة: في البرازيل، بعد 6 مبارزات متتالية بين حزب "الشغيلة" الذي يتزعمه لولا، ويمين الوسط، فاز بسهولة عام 2018 جايير بولسونارو، النائب المتطرف الذي كانت تهزأ منه كل الطبقة السياسية، ثم عاد وحصل على أكثر من 49 في المئة من الأصوات ضد الرئيس لولا عام 2022. في السلفادور بأميركا الوسطى، بعد خمس انتخابات يتواجه فيها أطراف الحرب الأهلية اليمينية واليسارية، يخرق نجيب بوكلة (الفلسطبني الأصل والآتي من الجبهة اليسارية) الاستقطاب ويتحول إلى يميني راديكالي ويفوز من الدورة الأولى واعدا بمكافحة انتشار الجريمة، ثم يتلاعب بالدستور (الذي يمنع التجديد) ويعاد انتخابه بـ85 في المئة من الأصوات ويعتبر الرئيس الأكثر شعبية في العالم... أخيرا ليس آخرا، في الأرجنتين، يفوز خافيير ميليه بفارق كبير قبل أشهر واضعا حدا لتجاذب عمره عقود بين الحركة البيرونية من جهة ومنافسيها (الحزب الراديكالي أو اليمين الليبرالي). اللافت في كل هذه الحالات وفي غيرها أنها تحصل على هذه النتائج المميزة في أول ترشح لها للانتخابات الرئاسية ودون أن يحتضنها حزب كبير أو عريق (على الأقل المرة الأولى).
ظاهرة معولمة: أميركية أو لاتينو- أميركية؟
درج في البرازيل السؤال التالي: هل كان بولسونارو لينجح عام 2018 لو لم يفز قبله دونالد ترمب عام 2016؟
التكهن صعب وللسرديتين حججهما. ولكن الظروف المحلية تبقى هي الحاسمة. في هذه الحالة، الانكماش الاقتصادي لعام 2014 واعتقال لولا ومنعه من الترشح، وطعن بولسونارو بالسكين خلال مهرجان انتخابي، كلها كانت أسبابا حاسمة لنتائج الانتخابات. ما لا يبدل شيئا أننا أمام ظاهرة عالمية بدأت في أوروبا الشرقية والهند وانتقلت إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية... وأيضا إلى أميركا اللاتينية. حسب عدد من محللي الظاهرة الجديين، هناك علاقة ما بين الأزمة الاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة عام 2008 ومسألة انتشار ظاهرة اليمين الراديكالي في الأميركتين. العلاقة ليست سببية ولا حتى اقتصادية، إنها "ثقافية" إذا جاز التعبير: إنها مرتبطة بالإرهاق والقلق والشعور لدى الناس– خصوصا بين الطبقات الوسطى- بأننا دخلنا إلى عالم لن يكون بالضرورة أفضل من عالم أهلهم، وهو الاعتقاد الذي كان سائدا قبل الأزمة.
من هنا، يقول الباحث البرازيلي غيليرم كازاروس (Guilherme Casaroes) وهو مدير مرقب متخصص بهذه الظاهرة، بوعد التنبيه لخصوصية كل حالة بأن "المشترك بينها هو القدرة على تجنيد الطبقات الوسطى المفقرة ليس حول وضعها بقدر البحث عن المسؤول عن وضعها، في لعبة متوترة ببن الصعوبات والهواجس".
بطبيعة الحال، هذه الظاهرة القائمة على أولوية القومية المحلية ليس لها عراب أو مركز دولي (أسوة بـ"أمميات" الاتحاد السوفياتي السابقة مثلا). إلا أنها أخذت تدريجيا شكل شبكات أبرزها "شبكة أطلس"(Atlas Network) التي تأسست عام 1981 وتؤمن أطرا مشتركة لعقائديين متطرفين ولعتاة الليبراليين (500 منتدى فكري بينها أكثر من 100 في أميركا اللاتينية) أو "فوروم مدريد" اليميني المسيحي للدول الناطقة بالإسبانية والذي أنشئ عام 2000 ردا على "فوروم سان بولو" اليساري. أو "الحركة" (The Movement) عام 2017، التي ينسقها ستيف بانون (Steve Bannon) مستشار ترمب السابق والذي يسعى لتنظيم "المجمع المحافظ للعمل السياسي" في أكبر عدد من الدول، والذي سارع وعين إدواردو بولسونارو، "العقائدي" في العائلة بعد شهر من انتخاب أبيه.
أسس وميزات اليمين العقائدي
يعدد الباحث الإيطالي جيان كارلو سُما (Gian Carlo Summa) ست دعائم يقوم عليها "فكر" الظاهرة: رفض سياسة الحقوق على أنواعها ونعتها بـ"الماركسية الثقافية" الواجب محاربتها. إنها أجندة متنوعة تغطي مجالات متنوعة من فكرة مكافحة التفاوت الاجتماعي أو حجم الدولة أو مبدأ الضرائب أو حقيقة التبدل الحراري أو التمييز بين الأجناس أو حق الإجهاض أو حتى التعليم الرسمي وأهداف الأمم المتحدة لعام 2030 مثل النمو المستدام.
هناك عولمة في الاستراتيجية وحتى في "الجمالية"... سنتان ويومان يفصلان "غزوة الكابيتول" في واشنطن عن "غزوة ساحة السلطات الثلاث" في برازيليا
بالفعل، لا تقديس إلا لحق الملكية (وحق اقتناء الأسلحة في الأميركتين). ثانيا، تعظيم القومية والتجانس "الأكثري" في المجتمعات. ثالثا، الهوس بالقيم التقليدية وتمجيد الماضي الذي يوصف دائما بأنه أفضل بما لا يقاس من الواقع المعاش. رابعا، التمسك بالزعامة الكاريزمية ومن هنا أيضا صعوبة استبدالها، بموازاة احتقار السلطات الوسطية مثل النقابات والميل إلى تجريم اعتراضاتها. خامسا، القبول بفرضية اللجوء إلى العنف الرمزي وإذا لزم الجسدي، وأخيرا القدرة العالية على فرض الاستقطاب بين "نحن"، و"هم". بين أصدقاء لهم وأعداء أكثر حتى من خصوم، ما يؤدي إلى إعطاب الحياة السياسية وإفقارها ومأسسة الانقسامات "الثقافوية" وعسكرتها. حول هذه الأسس المشتركة، تتحاور قيادات اليمين المتطرف وتتعلم من بعضها وتتبادل الدعم. إنها في مزاحمة بين حلفاء ترتد نفعا على كل واحد منهم في ملعبه المحلي.
وبالعودة إلى أميركا اللاتينية وحتى الشمالية (أكثر من أورويا الغربية العلمانية)، نحن أمام أصولية دينية قبل أن تكون أصولية عرقية، فهذه الدول متنوعة عرقيا. قيل الكثير عن نفوذ الكنائس الإنجيلية (المتعلقة مرضيا بإسرائيل) في الظاهرة. هذا صحيح ويتم استعمالها ككتل مجندة، قابلة للتحركات الجماهيرية، إلا أن "العقل" يبقى مسيحيا محافظا يسعى ليشمل الأكثرية المسيحية (ومنهم اليهود عند ميليه الأرجنتيني). ومن أجل تكريس هذه الرمزية الحاضنة للكل، أصر بولسونارو على التعمد في نهر الأردن!
التوفيق بين الماضوية والحداثة
نحن أمام ظاهرة مذهلة تجعل اليسار "محليا" رغم أممية قيمه وأفكاره، مقابل ظاهرة قائمة على أفكار ماضوية وعلى التفوق القومي، وتبدو هي المعولمة والحديثة. وفي الموجة الراديكالية اليمينية، ذات الهوية "الأميركية" ولو مع تلوينات، هناك كفاءة عالية في اختيار مواضيع المضامين، في تخطي قواعد اللياقة لجذب الأضواء، في إشغال الأجندة العامة باستمرار، في تحديد طروحات النقاش وأنماطه. كل ذلك بنجاح لافت، مع احترام دقيق للأولوية الترمبية دون الخضوع لها. كلهم يلجأون إلى الأفكار نفسها ويعتمدون على الصور والتقنيات نفسها: خلال الجائحة، يشككون في التلقيح معا. قبل الانتخابات، يهوّلون حول تزوير النتائج، هكذا إذا سقطوا... هناك عولمة في الاستراتيجية وحتى في "الجمالية"... سنتان ويومان يفصلان "غزوة الكابيتول" في واشنطن عن "غزوة ساحة السلطات الثلاث" في برازيليا.
يستعمل اليمين المتطرف فكرة الخوف ضد فكرة الأمل. التفوق على الآخر، الخوف منه ومن المجرم، مسألة الهجرة
باستثناء بوكلة (الذي تلاعب بالدستور لهذه الغاية) والذي هو أصلا من خارج "الظاهرة"، لم يجدد بعد أي من رؤساء أميركا اللاتينية وغير اللاتينية. وهناك شعور بين الأخصام بالخطورة المتأتية من احتمال الولاية الثانية: "سيكون تعلم اللعبة وإذا استطاع سيمس بصلاحيات السلطات المضادة، القضاء أو المجلس أو الإعلام، كما فعل المجري أوربان". إلا إذا فعلها "المجنون" ميليه من الولاية الأولى.
يبقى أن يقال إن اليمين المتطرف وصل ليبقى، وله– حتى الآن؟- تفوق في استعمال الشبكات الاجتماعية. يقول سُمّا: "يستعمل فكرة الخوف ضد فكرة الأمل. التفوق على الآخر، الخوف منه ومن المجرم (بوكلة نموذجا)، مسألة الهجرة صارت مشكلة أميركية جنوبية في الواقع، ويوظفها اليمين العقائدي منهجيا معتمدا على النفور الذي يولده الثالوث فنزويلا- كوبا- نيكاراغوا. ففي الأميركتين، اليسار منوع واليمين موحد". ويتابع سُمّا: "يوظفون أفكارا بسيطة وبدائية في قنوات اجتماعية مناسبة، فيما خطاب الأمل معقد، خصوصا عندما لا يولد تغيير سريع". وتبقى كلمة الختام مع كازاروس: "كشفت الهجمة النيوليبرالية انحسار قواعد اليسار بعد تفكيك دولة الرعاية، مع شعور من التخلي لدى قاعدته القديمة وشعور بعدم التعرف عليه لدى الشغيلة الجدد. من هذه الكوة، تغلغل اليمين المتطرف. مهارته تكمن في قدرته على جمع- جنبا إلى جنب- المشاكل الاقتصادية لليمين القديم والقضايا الثقافوية لليمين الجديد. قوته متأتية من عدم تجانس ما يحركه".