لو أن الفيلم التسجيلي "باي باي طبريا" اكتفى، بسرد قصة جيلين فقط من النساء الفلسطينيات، جيل 1948، وما بعده، وكيف تبعثرت حيواتهن، إثر النكبة، وانتزعن من بيئاتهن وأحلامهن وعوائلهن، وألقين في العراء، ثم كيف اضطررن إلى المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكيف نجحن في ذلك بدرجات، لو أنه اكتفى فقط بذلك لصار هذا العمل فيلما كلاسيكيا غنيا عن الهوية والنضال، والقوة الفطرية للنساء إزاء حياة غير طيّبة وغير متوقعة.
لكن ما يجعله أوسع كثيرا، وأعمق أيضا، هو انفتاحه على ثيمات أخرى، قد تبدو معارِضة ظاهريا لهذا الخطاب الكلاسيكي الكبير، لكنها باطنيا، قد تكون تكمله، وتجسده على الأرض، إذ هي تخلص لموقف الفرد من أزمته، ولتمسكه بصوته الخاص، وانشغاله بأسئلته الشخصية المشروعة، في لحظة تاريخية تملي انمحاءه كذات، وتبقيه فقط كرمز، مجرد أداة في الصراع المحتدم بين الأيديولوجيات والسرديات التاريخية.
الحاصل أن "باي باي طبريا"، من إنتاج فرنسي، بلجيكي، قطري، وفلسطيني، ينفتح على قصص أربعة أجيال لنساء من شجرة عائلة واحدة، هن: أم علي، وابنتها نعمات، ثم هيام (النجمة هيام عباس)، وابنتها لينا (لينا سويلم) مخرجة هذا الفيلم نفسه، وكاتبته بالاشتراك مع نادين ناووس.
أمومة لا فكاك منها
أم علي (الجدة الكبرى) توفيت ولينا في العاشرة من عمرها، والذكريات الشخصية المصوَّرة لم تكن عديدة مع نعمات والدة هيام، لأن هيام قد رحلت في شبابها فجأة عن دير حنا في فلسطين، إلى فرنسا، ساعية وراء حلمها بالفن. مع ذلك، فإن حضورا سينمائيا خاصا تصنعه لينا سويلم لهما، في فيلمها، عبر أدوات عديدة، أهمها ذلك النص الذي كتبته بالفرنسية وقرأته على طول الفيلم، وفيه أعادت تركيب شذرات الحيوات المتشظية، معلقة كل مرة على ما سمعته بما تراه وما تحس به، مضيفة ما تيسّر من مقاطع موثقة للشوارع القديمة التي عاشت فيها أم علي ونعمات، وصورهما الفوتوغرافية بالطبع في مراحل مختلفة من حياتيهما.