كتاب هان هو لائحة اتهام شاملة. فهو يرى أن الأفكار غير الليبرالية "متأصلة بعمق في تاريخنا، لا على هامشه، بل في المركز، وتشبعت بها تربة حياتنا الاجتماعية والسياسية". بينما يفضل الأميركيون أن يرووا لأنفسهم قصة مؤثرة مفعمة بالدفء عن بلدهم، قصة تتخلص فيها الأمة ببطء إنما بثبات، من العبودية والفصل العنصري والتمييز الجنسي.
يرى هان أن هذا غير كاف. ويحلل باقتدار، على مدى ما يقرب من 500 صفحة، الفصول المظلمة من تاريخ البلاد. ويرى أن الخطيئة التي في أساسات أميركا هي استعباد الإنسان، التي يحميها الدستور صراحة، فضلا عن عمليات الطرد الجماعي لسكان أميركا الأصليين والمسيحيين من طائفة المورمون، والرقابة على الكلام وخنق المعارضة والموجات المتعاقبة من كراهية الأجانب التي اجتاحت السياسة الأميركية.
ميول انعزالية
في أيام الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثل، أخذت منظمة مكونة من المواطنين تسمى "رابطة الحماية الأميركية" على عاتقها، بمباركة من وزارة العدل، تحديد هوية "الفوضويين والخونة المشبوهين". بعض الأصداء التاريخية لهذه الظواهر غريبة. فالميول الانعزالية للجنة أميركا أولا، التي عارضت الدخول في الحرب العالمية الثانية، كانت صورة مسبقة لجاذبية حركة "ماغا"MAGA (شعار الرئيس السابق ترمب: Make America Great Again) المعاصرة.
ومع أن هان محق في أن المكاسب الليبرالية غالبا ما تؤدّي إلى ردود فعل عكسية، إلا أنه لم يثبت على نحو مقنع ادعاءه بأن التوجهات المعادية لليبرالية تقع قطعا في قلب التاريخ الأميركي. كما تبدو سرديته سوداوية على نحو صادم. لنتأمل وصفه المتشائم لحركة حق المرأة في التصويت: "مع أن حق المرأة في التصويت، وبعد قرن من النضال تقريبا، أقر في جميع أنحاء البلاد عام 1920أخيرا مع التعديل التاسع عشر، فقد بقيت الحقوق السياسية للنساء السود موضع تجاهل، كما أثبت معدل مشاركة النساء البيض أنه ليس أفضل مما هو عند الرجال البيض".
ويحمل الكتاب عددا من هذه الأمثلة. فصياغة الدستور - وهي وثيقة ثورية على الرغم من عيوبها – تجاوزها هان سريعا حتى يتمكن من الكتابة عن المعارضين المناهضين للفيدرالية. وبدلا من أن يسهب في الحديث عن تعديلات حقبة إعادة الإعمار التي أدخلت على الدستور بعد الحرب الأهلية، والتي حظرت العبودية وضمنت للأميركيين من أصل أفريقي حق التصويت، يركز هان على بند استثنائي أباح تشغيل المدانين. كما حظيت حركة الحقوق المدنية بتركيز أقل بكثير من تركيزه على جهود البيض لمقاومتها. وهذه هي السردية التي يظهر فيها جورج والاس، حاكم ولاية ألاباما الديماغوجي المؤيد للفصل العنصري، أثقل حضورا من حضور قادة الحقوق المدنية كمارتن لوثر كينغ.
أما عندما يصل سرد هان إلى الزمن الراهن، فإنه يغدو هذرا مفككا. فهو يشير إلى أن النيوليبرالية (وهو مصطلح غامض يستخدم بلا تحديد) مكنت من نشوء نزعة يمينية مناهضة لليبرالية، أحد تنويعاتها هي "الترمبية"، وهذا بالضبط هو الأمر الذي لا يوضح لنا كيف حدث. وقد أتى على ذكر هذه المظالم: السجون الخاصة وقوات الشرطة الشبيهة بالجيش وظهور عمالقة التكنولوجيا الذين "لا مصلحة لهم في الحقوق الشخصية ولا مسألة السيادة التي تدعي المجتمعات الليبرالية أنها تقوم عليها". ويبدو أن هذه الأمور لا تضيف دليلا كافيا يدعم اتهامه الجسور لليبرالية الأميركية.
أميركا أخيرا
أما رحلة هايلبرون في تاريخ البلاد، التي عرضها في كتابه، "أميركا أخيرا"، فهي أكثر وضوحا وتمضي إلى هدفها مباشرة. وهو يهدف إلى تتبع "الافتتان - ما يمكن تسميته بالمخيلة غير الليبرالية - الذي استمر تأثيره أكثر من قرن من الزمان على الطرف اليميني من الطيف السياسي". وتمضي الجولة بتسلسل زمني عبر العديد من حالات من الشغف بالأنظمة الاستبدادية، بدءا من القيصر فيلهلم الثاني، إمبراطور ألمانيا الأخير، وصولا إلى بينيتو موسوليني وأدولف هتلر وفرانشيسكو فرانكو وأوغستو بينوشيه وجوناس سافيمبي. وكان من بين المعجبين الأميركيين بهم هنري فورد، وهو رجل صناعة ومعاد للسامية، وتشارلز ليندبيرغ، وهو طيار وتميمة الانعزالية لاحقا، وكلاهما قبلا جوائز من النظام النازي.