الشعبويون اليمينيون يتقدمون في أوروبا، بعد عقود قضاها اليمين المتطرف على هامش السياسة الغربية، بسبب رفض التيار الوسطي السائد له باعتباره مجموعة من حليقي الرؤوس الغاضبين أو مجرد نازيين جدد مخدوعين. ولكن ليس بعد الآن. فاليوم تحكم الأحزاب الشعبوية دولتين أوروبيتين، هما المجر وإيطاليا. وحتى العام الماضي كانت تحكم دولة ثالثة هي بولندا.
ووفقا لمجلة "الإيكونوميست"، فإن خمس عشرة دولة من الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي تعلن الآن أن أحزابا يمينية متطرفة تحظى بدعم بنسبة 20 في المئة أو أكثر في استطلاعات الرأي. إضافة إلى ذلك، لم تعد الشعبوية مقتصرة على دول أوروبا الشرقية، مع تاريخها القصير في السياسات الديمقراطية، ولكنها تزدهر أيضا في دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا.
مع ذلك، في حين تشترك هذه الأحزاب جميعها في أيديولوجيا يمينية فضفاضة وتميل إلى تقديم نفسها على أنها جهات منافسة تزعج "المؤسسة"، فإنها تختلف فيما بينها إلى حد كبير. فقد وضعت بعض هذه الأحزاب نفسها في موقع معارض للاتحاد الأوروبي، في حين كان بعضها الآخر أكثر ترددا أو حتى داعما لبروكسل. بعضهم محافظون ثقافيا واقتصاديا بينما البعض الآخر أكثر ليبرالية. بعضهم مؤيد للولايات المتحدة ويدعم أوكرانيا، فيما يدعم البعض الآخر روسيا وفلاديمير بوتين بقوة. يبدي الجميع ميلا إلى تبني العداء تجاه المهاجرين والأجانب بشكل عام، ولكن يكمن الاختلاف في كيفية ظهور هذا العداء.
إذن، ما القواسم المشتركة بين مختلف الشعبويين في أوروبا، وما الاختلافات؟ هل الشعبويون أكثر ميلا إلى الاعتدال عند استلام السلطة أم إن مستوى التطرف مشروط بالظروف الخاصة لكل مجموعة؟ يستكشف الجزء المتبقي من هذا المقال الشعبويين البارزين في أوروبا، ويسعى إلى شرح أسباب نموهم، وأوجه التشابه والاختلاف بينهم، وما قد يحمله المستقبل.
من الهامش إلى التيار الرئيس
خلال الحرب الباردة، لم تكتسب سياسات اليمين المتطرف سوى القليل من الاهتمام في أوروبا. فقدت كل من النازية والفاشية مصداقيتهما بسبب أهوال الحرب العالمية الثانية، ما دفع معظم الأوروبيين إلى اعتناق وسطية آمنة سواء من اليسار أو اليمين. أتى التحدي الأساسي لهذا الإجماع خلال سنوات الحرب الباردة من اليسار وليس اليمين. انتعشت الحركات اليسارية في دول أوروبا الغربية، لا سيما في إيطاليا وفرنسا، وفي المقابل تقدمت الجماعات اليمينية بصعوبة. كانت الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة (MSI) من بين أكثر الحركات نجاحا، حيث حصلت على 8.7 في المئة من الأصوات في انتخابات عام 1972، لكن هذا كان أمرا شاذا فلم تقترب أي جماعة أوروبية يمينية متطرفة أخرى من مطابقة هذا العرض المدجن نوعا ما. وفي أغلب الدول، ظل اليمين المتطرف على الهامش الراديكالي للسياسة مثل: عصابات النازيين الجدد حليقي الرؤوس في ألمانيا، أو الجبهة الوطنية الفاشية في بريطانيا.