ثريا البقصمي لـ"المجلة": أعمالي تدور في دائرة الحنين إلى شيء مفقودhttps://www.majalla.com/node/318706/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%AB%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%82%D8%B5%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D9%81%D9%82%D9%88%D8%AF
يحضر اسم الفنانة والكاتبة الكويتية ثريا البقصمي بقوة عند الحديث عن الفن التشكيلي الكويتي، فالبقصمي التي ولدت عام 1952 في الكويت، بدأت مسيرتها عام 1969 وتَعزّز شغفها الفني بالدراسة الأكاديمية في القاهرة ثم في موسكو، في سبعينات القرن الماضي وبداية ثمانيناته.
وخلال مسيرتها التي تجاوزت النصف قرن، أقامت البقصمي العديد من المعارض حول العالم، وشكّلت أعمالها جزءا من مقتنيات متحف الكويت الوطني، والمتحف البريطاني في لندن، ومتحف حقوق الإنسان في جنيف، وغيرها.
ومن أعمالها في مجال الأدب، المجموعة القصصية "شموع السردايب" وقصة الأطفال "ذكرى فطومة الكويتية الصغيرة"، وروايتا "زمن المزمار الأحمر" و"تفاحة في هودج". هنا حوار "المجلة" معها.
ما أهم المحطات في مسيرتك الفنية التي بدأت عام 1969؟
في ستينات القرن الماضي كنت طالبة في المرحلة الثانوية وكان هدفي الأولى أن أكون فنانة تشكيلية، وكنت أشارك حينها في معارض جمعية الفنون التشكيلية ومعارض الربيع والمعارض المدرسية. بعد ذلك توجت هذا الطموح بدارسة الفنون في القاهرة من 1971 حتى 1974 ثم توجهت إلى موسكو وبدأت حياة جديدة هناك، حيث كانت الدراسة جدية ومفيدة تتلمذت خلالها على يد أساتذة أكفاء، وتوجت رحلتي الدراسية في رسم الكتب، بعدها ذهبت إلى السنغال وكانت محطة مهمة جدا.
تسكنني الوجوه وأحب تجسيد التعابير والانفعالات الموجودة فيها، كونها مفتاح روح كل إنسان وشخصيته
هناك إذن ثلاث محطات مهمة، القاهرة موسكو والسنغال، وفي الأخيرة لم أعد طالبة بل تفرغت كليا للفن وكنت أما لثلاث بنات، وفي عام 1984 عدت إلى الكويت ومارست مهنة الرسم والصحافة في مجلة "العربي" الشهيرة، وعملت بهمة ونشاط لتقديم نفسي من خلال عملي في الصحف والإذاعة، حيث كان لديّ بعض البرامج، كما أقمت العديد من المعارض حتى 1990 عندما وقع الاحتلال وتغيرت حياتي جذريا شأن الكثير من الكويتيين، وبعد تحرير الكويت اتخذ فني منحى جديدا، لكني واصلت نشاطي وحاولت أن أبيّن عبر الفن والكتابة مرارة تجربة الاحتلال.
اتجاهات رمزية
كثيرا ما تحضر الوجوه في أعمالك، ما سرّ تركيزك عليها؟
منذ طفولتي تشدّني الوجوه، فكنت كلما رأيت وجها أحدق به وأحاول رصد تفاصيله، لأن الوجوه هي التي تسكنني وأحب رسمها وتجسيد التعابير والانفعالات المرتسمة فيها، فالوجه مفتاح روح كل إنسان وشخصيته، وهناك فنانون تخصصوا في رسم الطبيعة الصامتة في المناظر وفي حركات الجسد، وأنا من محبي رسم الوجوه وخاصة النسائية منها.
عملت في رسوماتك على إظهار الشخصية والمعالم الكويتية، هل لك أن تحدثينا عن خصوصية هذه الأعمال؟
كلّ فنان يحاول أن يبحث عن الجديد، لكن يبقى للمكان والذكريات أثر فيه، فأنا كويتية عشت في هذه البيئة، ويشدني دائما الحنين إلى البيوت التي سكنت فيها والوجوه التي تعرفت إليها، والأماكن التي عشت فيها. ولهذا تعكس بعض أعمالي الحنين إلى النساء بلبسهن التقليدي وممارستهن بعض الطقوس التي كانت تُقام في الماضي. الكثير من عملي يدور بصورة عامة في إطار الحنين إلى شيء مفقود.
نجد أن اللون الأحمر بات يحضر بقوة في أعمالك خلال العقدين الأخيرين، ما السبب؟
استخدمت الأحمر في مرحلة مفاجئة، ووجدت أنه يمنح العمل الفني الحيوية، ويناسب شخوصي والوجوه الجديدة التي ابتكرتها في تلك المرحلة، اللون عندي لا يحمل أية مدلولات أو معان، إنما استخدمه حيث أحتاج إليه، وأعتقد أن اللون الأحمر سيطر على لوحاتي طوال سنوات، لأني كنت بحاجة إليه بالمعنى الجمالي لا بالمعنى الرمزي.
رموز
كيف تبدو تجربتك مع الرموز التي عادة ما تستخدمينها في لوحاتك؟
أميل إلى استخدام الرموز الشعبية، مثل اليد التي تتوسطها عين، دلالة على الوقاية من الحسد، وأستخدم الحروف والأرقام والسمكة رمزا للخصوبة والخير، والطائر رمزا للحركة، كما استخدم الأجنحة في لوحاتي رمزا آخر للحركة، والأجنحة القصيرة رمزا للعجز عن التحليق. وقد أستعين ببعض الزخارف الشعبية الموجودة في الأنسجة والملابس.
بصورة عامة، أستخدم رموز السمك والطائر والكف بكثرة في أعمالي، ويمكن القول إنني أتبع المدرسة الرمزية في الكثير من أعمالي، وقد استخدمت الرمز بكثافة في فترة الاحتلال، لأن اللوحة الصريحة قد تقابلها رصاصة، ولهذا استعنت بالرموز الأثرية الموجودة في جزيرة فيلكا، باعتبارها من الرموز التي تعمل كإسقاطات على عملي الفني ليعبر عما في داخلي من رعب تجاه ما يحدث، وبصورة رمزية جدا لأحمي نفسي وعائلتي.
والرموز في المحصلة تمنح العمل طابعا جماليا في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تجسد الفكرة التي تدور في نطاقها اللوحة.
بعد عقود من العمل الفني، هل هناك مشاريع لم تحققيها بعد؟
هناك أكثر من مشروع بدأت العمل عليه، مثل مشروع الرسم الذي كان بين عامي 2016 و2019 وأنجزت فيه ألف لوحة صغيرة، وكان في نيتي أن يرى النور في معرض خاص، لكني لم أجد المساحة التي تتحمل هذا العدد الكبير من اللوحات، ولا يزال البحث جاريا. وهناك أيضا العديد من المشاريع الأدبية مثل الروايات والمجموعات الشعرية التي ما زالت مسودات لم تصدر حتى الآن.
الشباب بدأ يستسهل عملية الفن التشكيلي من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا
بعيدا عن الفن
متى تجدين أن الرسم لا يكفي، وتنتقلين إلى التعبير بواسطة الكتابة؟
الرواية والقصص هي أمور تسكنني منذ زمن بعيد، وكان أول إصداراتي في نهاية السبعينات في مجال القصة القصيرة، وعندما أجد فكرة معينة من الصعب تنفيذها في إطار فني ألجأ إلى الكلمة وأتعامل معها وليس ذلك لأنها أسهل، بل لكون الكتابة لا تحتاج إلى المكان والمعدات، أي البيئة التي يحتاج إليها إنجاز العمل الفني، الذي يتطلب المكان والأدوات والتحكم بهذه الأدوات، في حين قد تتم الكتابة في جوف قاطرة أو في مقهى أو في أي مكان آخر.
كتبتِ للأطفال وأصدرتِ عام 1992 قصة بعنوان "مذكرات فطومة الكويتية الصغيرة"، فلماذا الكتابة للطفل؟
كتبت "مذكرات فطومة" عن تجربة أطفالي ومعايشتهم في فترة صعبة ومؤثرة في حياتنا وهي تجربة الاحتلال والحرب. استعنت بشخصية ابنتي فاطمة ولبست فستانها وتقمصت شخصيتها التي تجسّدت في الكتاب.
وباعتبار أني رسامة كتب، ومنها كتب الأطفال، فقد كان يستهويني أدب الطفل، وكنت أكتب قصصَ الأطفال في مجلة "العربي الصغير". وبعد تحرير الكويت كتبت للأطفال قصص "يا بحر كن صديقي" و"مذكرات فطومة"، لكن تجربة الكتابة للطفل لم تتسع كثيرا لأني وجدت نفسي أنشط أكثر في مجالي القصة القصيرة والشعر.
كيف تنظرين إلى التجربة التشكيلية الكويتية، وهل هناك ما يميزها؟
لا أعتقد أن لها خصوصية، فهي تجربة بدأت قبل العديد من الدول الخليجية، سبقتها البحرين فقط، وكانت تجربة الفن تتطور وتتقدم وتتغير في الكويت وفي دول مجلس التعاون الخليجي. إلا أن دخول التكنولوجيا في عالم الفن سحب البساط من تحت الكثير من الفنانين الذين كان إنجازهم لا يعتمد على التكنولوجيا، كما أرى أن الشباب بدأ يستسهل عملية الفن التشكيلي من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا.
في المجمل، أعتقد أن الفن التشكيلي الكويتي ينسجم مع الفن التشكيلي العربي والخليجي، فالفنون تتشابه في المنطقة ولا جديد تحت الشمس.