ارتفعت إلى حد كبير احتمالات أن يفتح الجيش الإسرائيلي جبهة ثانية في حملته العسكرية على الحدود الشمالية للبلاد نتيجة تصعيد "حزب الله" هجماته في الآونة الأخيرة.
وأفاد جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي (شين بيت) بأن هجمات "حزب الله" على شمال إسرائيل شهدت زيادة ملحوظة خلال شهر مايو/أيار الماضي، حيث سجل التنظيم أكثر من 1000 هجوم (صواريخ، صواريخ مضادة للدبابات، طائرات مسيرة)، مقارنة مع 334 هجوما في يناير/كانون الثاني، و534 هجوما في فبراير/شباط، بينما سجل أكثر من 740 هجوما في شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان.
علاوة على ذلك، فإن استخدام "حزب الله" للطائرات المسيرة في هجماته، التي يصر مسؤولو "الحزب" على استمرارها حتى التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، يدل على أن "الحزب" يستخدم أساليب أكثر تطورا في مهاجمة الحدود الشمالية لإسرائيل. ولهذه الهجمات اليومية تقريبا تأثير مدمر ومتزايد على الإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من المنطقة الحدودية. ويدعي المسؤولون الإسرائيليون أن أكثر من 3000 قذيفة أُطلقت من لبنان باتجاه إسرائيل منذ بداية الحرب في غزة. كما يقدر أن 100 ألف إسرائيلي على الأقل فروا من منازلهم في شمال إسرائيل منذ أن شن "حزب الله" عملياته التي تلت هجمات "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأدت الهجمات الكثيفة في الأسبوع الماضي إلى اندلاع سلسلة من حرائق الغابات في شمال إسرائيل، التي يكافح رجال الإطفاء الإسرائيليون فيها لاحتواء الحرائق، التي زاد ارتفاع درجات الحرارة من شدتها، فدمرت أكثر من 3500 فدان من الأراضي حتى الآن.
وتتزايد الضغوط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرد على تصاعد هجمات "حزب الله" في الأيام الأخيرة، بعد أن سقط عدد من الضحايا الإسرائيليين جراء انفجار طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات. وفي يوم الأربعاء قُتل واحد من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وأصيب عشرة أشخاص على الأقل في هجوم بطائرة مسيرة على قرية حرفيش الدرزية في الجليل الأعلى.
وحذر ضابط في الجيش الإسرائيلي تتمركز قواته بالقرب من الحدود من أن السكان في شمال إسرائيل "يفقدون الأمل". وأضاف: "الشعور السائد هنا أن السكان الذين نزحوا لن يعودوا إلى ديارهم ما لم نقضِ على حزب الله. فما عاد بوسعنا الثقة بهذه الميليشيات بعد الذي حدث في 7 أكتوبر".
تشير التقارير الأخيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي زاد من استعداداته لخوض اشتباك أكثر شمولا ضد "حزب الله"، وربما يتضمن ذلك توغلا بريا في جنوب لبنان
وبينما لا يزال الجيش الإسرائيلي منهمكا بشدة في حربه على غزة للقضاء على مقاتلي "حماس"، فإن الكثافة الكبيرة للصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها "حزب الله" على شمال إسرائيل، دفعت كبار السياسيين والقادة العسكريين الإسرائيليين إلى إجراء مراجعة عاجلة للموارد العسكرية في المنطقة. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي زاد من استعداداته لخوض اشتباك أكثر شمولا ضد "حزب الله"، وربما يتضمن ذلك توغلا بريا في جنوب لبنان.
وذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية التابعة لـ"حزب الله" أن المملكة المتحدة حذرت الحكومة اللبنانية من أن إسرائيل تعتزم شن هجوم كبير في منتصف يونيو/حزيران.
وفي هذا الأسبوع، أثار رئيس الأركان الإسرائيلي، هارتسي هاليفي، إمكانية أن تفكر إسرائيل جديا في فتح جبهة ثانية، عندما قال إن إسرائيل تقترب من اتخاذ قرار ردا على قصف "حزب الله" اليومي.
وقال هاليفي، خلال تقييم أجراه مع مسؤولين عسكريين: "إننا نقترب من النقطة التي ينبغي فيها اتخاذ قرار، والجيش الإسرائيلي جاهز ومستعد للغاية لقرار كهذا".
كما أعلن الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ في خطاب ألقاه بمناسبة احتفال إسرائيل السنوي بيوم القدس، تعليقا على الهجوم الأخير بالطائرات المسيرة على شمال إسرائيل: "ليس بوسعنا أن نبقى غير مبالين إزاء هذا الإرهاب. فمنذ أشهر وإسرائيل تتعرض لهجمات يومية من وكلاء إيران في لبنان، في انتهاك واضح لجميع القرارات والاتفاقات الدولية. وعلى العالم أن يستيقظ ويدرك أن إسرائيل لا خيار أمامها سوى الدفاع عن مواطنيها. وستفعل إسرائيل ذلك بحزم وقوة".
وردد نتنياهو مشاعر الرئيس هرتسوغ بعد أن أنهى جولته الخاصة في المنطقة. وأضاف: "من يعتقد أنه يستطيع مهاجمتنا وأننا سنقف مكتوفي الأيدي يرتكب خطأ كبيرا. نحن مستعدون لعملية مكثفة للغاية في الشمال. وسنعيد الأمن إلى الشمال بطريقة أو بأخرى".
ومع تزايد النشاط العسكري الإسرائيلي قال الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، في تصريحات إعلامية، إن "الحزب" لا ينوي توسيع الحرب، لكنه لن يوقف عملياته حتى تتوقف الحرب في غزة.
وفي هذا الوقت الذي ينصب فيه تركيز الدبلوماسيين الدوليين الرئيس على تخفيف التوترات في المنطقة بالتوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" في غزة، فإن احتمالات فتح جبهة جديدة على الحدود الشمالية لإسرائيل تشكل سببا خطيرا يبعث على القلق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر إن واشنطن "لا تؤيد حربا شاملة مع حزب الله"، لكنه يوافق على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بمواجهة هجمات "حزب الله". وأضاف: "سمعنا قادة إسرائيل يقولون إن الحل الذي يفضلونه هو الحل الدبلوماسي. ومن الواضح أن هذا هو الحل الذي نفضله نحن أيضا ونحاول اتباعه".
لا شك إن زيادة هجمات "حزب الله" تثير حتما هذا السؤال، هل تتعمد إيران، الداعم الرئيس لـ"الحزب"، زيادة المخاطر في مواجهتها مع إسرائيل سعيا منها لصرف الانتباه عن التحديات الأقرب إليها. فوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إثر تحطم مروحيته الشهر الماضي، مع وزير خارجية البلاد، تعني أن على النظام الإيراني الآن إجراء جولة جديدة من الانتخابات الرئاسية، مما يثير مخاوف من أن توفر هذه الانتخابات فرصة للمتظاهرين المناهضين للحكومة كي يطلقوا موجة جديدة من المظاهرات.
مجرد التفكير في فتح إسرائيل جبهة عسكرية جديدة على حدودها الشمالية قد يثير استياء زعماء العالم في هذا الوقت الذي يشكل فيه إنهاء القتال في غزة أولويتهم الرئيسة
قد يكون العامل الآخر الذي دفع "حزب الله" لاتخاذ قراره بزيادة كثافة هجماته على شمال إسرائيل، هو تلاشي احتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حرب غزة. فالمحادثات بين إسرائيل و"حماس" تبدو على وشك الانهيار، منذ الخطاب الذي أشار فيه الرئيس جو بايدن نهاية شهر مايو/أيار، إلى أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قد يكون أمرا ممكنا. وتلقي الولايات المتحدة باللائمة على "حماس"، حين وصفها الرئيس بأنها "العائق الوحيد أمام وقف كامل لإطلاق النار"، مع تأكيده على "استعداد إسرائيل للمضي قدما" بالشروط التي أعلنها الأسبوع الماضي.
وفي المقابل، نددت "حماس" باقتراحات بايدن، إذ أكد متحدث باسمها أن المفاوضين رفضوا اقتراح وقف إطلاق النار. وقال إن "حماس" ترى أن اقتراح بايدن مجرد خدعة تهدف إلى جذب المنظمة إلى جولة أخرى من المفاوضات دون أي التزام من إسرائيل بإنهاء القتال والانسحاب الكامل من قطاع غزة.
ولعل مجرد التفكير في فتح إسرائيل جبهة عسكرية جديدة على حدودها الشمالية قد يثير استياء زعماء العالم في هذا الوقت الذي يشكل فيه إنهاء القتال في غزة أولويتهم الرئيسة.
ولكن ينبغي أن يظل احتمال فتح جبهة الشمال احتمالا واضحا، ما دام مقاتلو "حزب الله" المدعوم من إيران مستمرين في قصف شمال إسرائيل.