"التوازن" في عصر التكنولوجيا

"التوازن" في عصر التكنولوجيا

فيكتور فرانكنشتاين، ذلك العالم الذي خلق وحشا جلب الشرور لحياته، وفقد السيطرة عليه، توجّه قصته رسالة رئيسة، حول خطر السعي وراء المعرفة والتقدم في العلوم والتكنولوجيا، إذ أصبحت حياة هذا العالم أسيرة ذلك الوحش الهارب. وفي النهاية، خسر كل شيء لأنه لم يكن مستعدا بما فيه الكفاية. فهل البشر مستعدون فعلا بما يكفي للتحكم في آلة من اختراعهم؟

تداعت هذه القصة لذاكرتي طيلة يومين في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، التابع لشركة "أرامكو" في الظهران، حيث أقيم مؤتمر "قمة الاتزان الرقمي" (سينك) الثاني، مع عدد من المختصين في الجانب التقني والمعلوماتي من أكثر من20دولة للبحث عن "نعمة التوازن الرقمي"وتحقيق التوازن الرقمي.

أعتقد أن هذه هي الرسالة الأساسية المتمثلة في عدم الاستعداد الكافي، بما أن الذكاء الاصطناعي يتوسع كل يوم، فمن المهم فهم تداعيات هذا التطور التكنولوجي. ضمن أعمال القمة، يبدو أن ستيف وزنياك الشريك المؤسس لشركة "آبل"، أبدى أسفه، واعترف جزئيا باجتياح الآلة، إذ قال: "لقد وضعنا الكثير من ثقتنا في التكنولوجيا للتوصل إلى الإجابات، الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال محرك بحث جيد إلى حد ما، ولكن يجب أن يكون هناك إنسان يجلس وينظر وينتقد ويفكر، ويتساءل: ما هذا؟".

لا يمكن إنكار ما يوفره الفضاء الإلكتروني من فرص هائلة للتعلم والتواصل والإبداع. ومع ذلك، فإنه يطرح تحديات فريدة ومعضلات أخلاقية. بدءا من نشر المعلومات الشخصية وحتى تأثير المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، غالبا ما تكون فئة الشباب في طليعة ضحايا هذه الفضاءات الرقمية المعقدة. إن المعضلات الأخلاقية في الفضاء الإلكتروني، مثل المخاوف المتعلقة بالخصوصية، وإدارة البصمة الرقمية، والتحرش عبر الإنترنت، تتطلب أساسا أخلاقيا متينا للتعامل معها، وضرورة وجود دور حاسم للأخلاقيات الرقمية في تشكيل سلوك الشباب عبر الإنترنت، وتعزيز التفاعلات الإيجابية، والحماية من التحرش والابتزاز والمخاطر الرقمية الأخرى.

من حسنات "قمة التوازن الرقمي"، اختلافها عن غيرها من مؤتمرات، فهي متنوعة في خبرات متحدثيها، لتصل بشكل ذكي ومدروس للشباب

الشباب، باعتبارهم مواطنين رقميين، معرضون بشكل خاص لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الضروري تعميق فهمهم للأخلاقيات الرقمية لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، وكذلك دمج استراتيجيات الأخلاقيات الرقمية في المناهج التعليمية وتعزيز ثقافة الوعي الأخلاقي والتفكير النقدي في العصر الرقمي. إن ترسيخ الأخلاق الرقمية لدى جيل الشباب ليس مفيدا فحسب، بل إنه ضروري أيضا، كي يصبحوا قادرين على المساهمة إيجابا في العالم الرقمي.

 ربما نحرص على تحسس هواتفنا الذكية في جيوبنا خشية فقدانه كصديق عزيز، لكن الغالبية لا تحرص على معرفة قصة وصول تلك الأجهزة وأين بدأت، وكيف نحدد علاقتنا بها لتصل للتوازن الذي نحتاج إليه. مع ذلك، فالعلاقة بين الإنسان والآلة لا يجب أن تكون مثار ذعر، طالما وجد الوعي بالذات وبالواقع الاجتماعي والاقتصادي، وما ينتجه بلا توقف "وادي السيليكون" موطن التكنولوجيا والابتكار، والكثير من أكبر شركات التكنولوجيا الفائقة في العالم. فالإنسان هو من يجب أن يقف خلف أي تطور تكنولوجي، لإدارة معضلاته الأخلاقية والاجتماعية، لا سيما إذا أدركنا مدى قدرة التكنولوجيا على التلاعب بعقولنا، وتشكيل سلوكنا وعواطفنا والتأثير في قراراتنا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب وقضايا احترام الذات المرتبطة بالاستخدام المفرط للتقنية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي.

من حسنات "قمة التوازن الرقمي"، اختلافها عن غيرها من مؤتمرات، فهي متنوعة في خبرات متحدثيها، لتصل بشكل ذكي ومدروس للشباب، وقد استضافت بين متحدثيها مدرب كرة القدم البرتغالي جوزيه مورينيو  الذي نبّه إلى أن التقنية الرقمية أفقدتنا متعة "عيش اللحظة"، وقارنها بكرة القدم المحاطة بمسطح أخضر يشجع على العيش في اللحظة الحاضرة، هنا والآن.

font change
مقالات ذات صلة